ابنتي تُحبُّ.. بل تشهق عشقاً ل ( BTS- بي تي أس)، أما أنا فلا أملك إلا أن أبْتلع ريقي وأسْتردَّ أنفاسي بعد شهقتها لأفهم ما الذي يجري، فهل أتاكم نبأ ( BTS- بي تي أس)، هي باسمها اللاتيني المُبْتَسَرْ، ليست أكلة سريعة تُبتلع لخفتها دون هضم، أو شراباً غنِيّاً عن كل غَلْيٍ لأنه مُبَسْتَرْ عديم الدَّسم، (BTS- بي تي أس) ليست أيضا لخفة اسمها قميصاً نصف كُم فوق السُّرة أو سروالا نصف رِجْل يُعرِّي أكثر مما يغطي نسعى الله السَّتْر، وليست عِلماً يُطلب في الصين، ولكن حتى لا يتحول الشوق لشوك تتناقله القنافذ، فال ( BTS- بي تي أس) فرقةٌ غنائية تُطْلَب فرحتها التي عمَّت بالنشيد أفئدة شباب العالم من كوريا الجنوبية، وليستْ تلك المُنكفئة شمالا محكومة في كل حواسِّها البشرية بقبْضة من حديد! ال BTS- بي تي أس بأحرفها اللاتينية الثلاثة أشْهَر من رواية تكتسح مئات الصفحات، أحنتْ ظَهْرَ كاتبها دون أن يصل من القوس سَهْمٌ لقلْب أحد، أو لِنقل إن السَّهْم يرتدُّ ليسْرق أجمل سنوات الكاتب، لكن (BTS- بي تي أس) مجرد ثلاثة أحرف لاسم يعني "فتيان ضد الرصاص"، وتحمله فرقة موسيقية من سبعة رجال في عمر الفُتوة، تُرفع لِطلَّتهم الشَّارات والأعلام في أوسع المنصَّات بملايين الجماهير يُسمُّون عادة "آرميز" أي الجيش، وقد تُوقَد الشموع للحفل الذي يُحْيُونه ليموت الحاضرون فرحاً أو كمدا حسب موضوع الأغنية، أليستْ الشموع هي نفسها التي تُوقَد لسبعة رجال في مراكش والذين اشتهروا بطيور الجبال، مع اختلاف أن فتيان ال ( - BTS بي تي أس) السبعة شيَّدوا في كل بيت بأنحاء العالم ضريحاً يُرْدي كل من يزور جذبته الموسيقية المزيج بين الراب والبوب طريحاً، وثمة من يقول إنها طقوس موسيقية تتوارثها أذنٌ عن أذن ولو كان بها صممٌ، أما أنا فأفضِّل أن أقول: التسليم ! أكد يوماً أقترب من غرفة ابنتي، حتى تنامى لسمْعي صياحٌ أشبه بشَقْشقَة الطيور حين تمتد يدٌ لأعشاشها، فقد كان الصياح المُخْترق لمَسَامِّ الجدران لا يخلو من ألحان، مزيجٌ بين الموسيقى وأصوات فتياتٍ يصْطَخِبن كأنهنَّ على مِنصَّة التشجيع، ولم أكُنْ بحاجة لفطنة كي أدرك أنَّ ابنتي لم تَعُدْ وحدها في الغرفة إلا بالجسد، أما الروح فقد انضمَّت افتراضياً إلى صفِّ صُويْحِباتها المُشجِّعات ل ( BTS- بي تي أس)، وأعلم أيضاً أنه خلف أبواب ملايين الغرف في العالم جماهير تكاد الأرض تميد رقصاً لعاصفة هتافها كلما قطفتْ الفرقة الموسيقية جائزة، والحقيقة أن مكراً خفياً ابتسم عِوضي، وكأنَّه يقول بلِساني إنَّ الثورات لا تحدث فقط على صعيد البلدان، بل تنفجر أيضاً داخل البيوت، لعنْتُ الشَّيطان وانصرفتُ عنه إلى قهوتي اليومية مُوثِراً ثورتي كعادة الجميع زوبعةً في فنجان! لم أكُنْ لِأُعِير أذني كما كان يعيرني الورَّاقُ قديما كتبه مقابل مبلغ رمزي، لهذه الموسيقى الشبابية المنبعثة كالفينيق من أصقاع كوريا الجنوبية، فأنا لستُ من جيل ال بي تي أس ولكنني حاملٌ في الفؤاد لنوسطالجيا أغاني البيتلز وناس الغيوان وكنت أشاطر أحياناً بوب مارلي دوْختهُ لتحقيق حركة تحرُّرية انتهتْ مع غيرها بالكثيرين إلى فشل رئوي، ومع ذلك ما زال النَّفَس طويلا لأجرِّب عوالم موسيقية أخرى تُعلِّمُني فنَّ الاستمرار في العيش، عسى بثوراتها الصغيرة تنْعتِق الروح من إسارها المادي في زمن استحوذ فيه قِلَّةٌ من الطغاة على الأرباح والرَّأسمال وألقوا للسَّواد الأعْتَم بالفُتات مع الأسْمال! هي حقاً ثورة ال BTS- بي تي أس تقودها بعنف هادئ ابنتي، وقد انعكستْ بأشكالها التَّعبيرية في كل ما يُؤثِّث معيشها اليومي، في كؤوسها وأقلامها وقمصانها وأنتظر أن تصبح هذه الفرقة حذاءها الذي تمشي به لأقصى الحلم، بل إنَّ هذه الفرقة الموسيقية تمادتْ في تأثيرها حين فوجئتُ بصورتها مُرْتسمةً على حلوى الميلاد، ولستُ ديكتاتوراً في بيتي لأقمع هذه الثورة في مهدها، لأني موقنٌ أن المنع يؤجِّج الرغبة أكثر ويجعلها أخطر، لذا قرَّرت الانضمام طواعية للثورة ضد نفسي فساعدتها على تنصيب شعار ال (BTS- بي تي إس) على جدار غرفتها حتى أضيف للمُلْصق لمْسة العاشق، وما أشبه اللون الأرجواني لهذا الشِّعار بقلب صغيرتي الذي سرقته الفرقة الموسيقية ومعه أكثر من ملياري مُعجبٍ ومُعجبةٍ على وجه البسيطة، ولا عجب فهؤلاء الفنانون يرفعون مبيعات الموسيقى عالميا إلى 19 مليار دولار، أمَّا أنا فأمدُّ يدي لأقرب خِرقةٍ بيضاء لأرفع راية الاستِسلام! ...................................... افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 10 دجنبر 2020