هل نحن سعداء ؟ سؤال قد يبدو غبيا ربما لو طرحناه على بعض الناس، خاصة أولئك المتجمهرين هذه الأيام في محطات الحافلات في العاصمة وبعض المدن المجاورة كتمارة وسلا، والتي تحولت إلى محطة لكل البلاوي ، بعد أن تحولت كل الآليات بمحرك إلى مطايا بما فيها تلك المخصصة للبضائع والبهائم، وحتى تلك التي لا نراها تحمل الركاب إلا في الأسواق القروية..ليتحول "الطوبيس" هو الآخر إلى احد همومنا التي نبيت ونمسي عليها، ومع ذلك فلا يوجد منا من لا يبحث عن السعادة حتى في عمق الأزمة وهناك من يصرف معاناته بنكتة قد تدفع بعض الضجر والقنوط عن سامعيها.. ولان السعادة تعني تحقيق الأهداف والراحة النفسية والرضا عن الذات، فقد تحولت إلى موضوع للدرس والبحث على مستوى العالم..ويبقى الكد والاجتهاد أهم وسيلتين للوصول إلى السعادة كما اثبتث ذلك آخر الدراسات.. وفي تحديث لقاعدة بيانات عالمية حول السعادة اظهر أن مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة يأتون في صدارة الدول العربية من حيث درجة الرضا عن الحياة وسنوات السعادة، وتذيل اليمن ولبنان والعراق القائمة العربية. ****************** واحتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً لجهة نوعية الحياة فيها، لأن سكانها يعيشون أطول سنين سعيدة (57 سنة) ودرجة الرضا عن الحياة (3،7). وجاءت الدول الخليجية قطر والكويت والسعودية تالياً في الترتيب، ثم الأردن وسوريا وتونس ومصر وجيبوتي والجزائر والمغرب وفلسطين والسودان واليمن ولبنان والعراق. وحلت كوستاريكا في المرتبة الأولى عالمياً تليها أيسلندا والدنمارك وتتذيل القائمة بوروندي وتنزانيا. واستخلص الباحثون الهولنديون في دراسة أطلقوا عليها اسم "السنوات السعيدة" بعد القيام بأبحاثهم في 148 بلداً وشملت أكثر من 95% من سكان العالم، أن كوستاريكا تحتل المركز الأول ومعدل السنوات السعيدة فيها 66.7، تليها أيسلندا (66.4 سنوات) ومن ثم الدنمارك (65 سنة). وبلغ عدد السنوات السعيدة في أميركا 58 سنة، فيما حلت زيمبابوي في المرتبة الأخيرة على اللائحة (12.5 سنة) وتسبقها بوروندي (14.3 سنة) وتنزانيا (14.4 سنة). وتجمع قاعدة البيانات العالمية حول السعادة المعلومات من 148 بلداً يمثل سكانها 95% من سكان الكرة الأرضية. وحدّث باحثون من جامعة "ايراسموس" بمدينة روتردام الهولندية قاعدة البيانات بإدراج معدلات تقييم الحياة ومعدلات العمر المتوقع، وسؤال السكان عن مدى سعادتهم وعن الفترة التي ينوون البقاء فيها ببلدهم الحالي. وتعتمد قاعدة البيانات الأصلية 22 معياراً لقياس السعادة، وتقييم مؤشر كل بلد على حدة، وتشمل هذه المعايير: الاستهلاك والمناخ الثقافي، والمناخ الاجتماعي، والتماسك الاجتماعي، والثروة، والحرب والقيم والتعليم والحكومة والصحة والجودة والجريمة والديموغرافيا والجغرافيا والسياسات العامة والمخاطر. وتوصلت دراسة أخرى نشرت مؤخراً في مجلة "دراسات السعادة": ما لم تكد وتجهد فلن تحصل على مبتغاك أو تكون سعيداً في حياتك. وذكرت الدراسة إن الناس الذين يحاولون تحسين مهاراتهم العملية والذهنية يبذلون جهوداً تكون أحيانا مضنية من أجل تحقيق ذلك ولكن الفوائد التي يجنونها في ما بعد تكون كبيرة وواعدة. وقال الباحث رايان هويل، وهو مساعد بروفسور في علم النفس بجامعة سان فرانسيسكو لموقع "ساينس ديلي": " يتخلى الناس أحياناً عن تحقيق أهدافهم لأنهم يشعرون بكثير من الضغط النفسي ولكننا وجدنا أن هذه الحالة مفيدة لبعضهم لأنها تعلمهم القيام بشيء ما بطريقة جيدة". وأضاف "اللافت في الأمر هو أنه ليس عليك تحقيق هدفك من أجل الوصول إلى السعادة أو الرفاهية". وخلافاً لدراسات أخرى وجد الباحثون أن الأشخاص الذين ينافسون غيرهم في العمل في النادي الرياضي أو غير ذلك قد لا يشعرون بالسعادة بشكل فوري " لأنهم قد يكونون مضطرين لتحمل الإجهاد بشكل مؤقت من أجل جني فوائد السعادة المرتبطة بزيادة الكفاءة". و لأننا نعيش في زمن أقصى ما نريده فيه هو أن نكون بخير ولا نطمع أكثر، بات الإحساس بالسعادة نادرا،لكن الشعور بالرضا يقربنا منه، وهو شعور نحصل عليه أحيانا بزيارة للأهل ، أو بتمكننا من أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وأحيانا في تلقينا هدية من شخص عزيز أو باستقبال جيد من صديق أو قريب..وفي موضوع ذو صلة نقرأ أن السعادة لم تعد فقط من اختصاص أهل التربية والفلسفة والتوجيه والإرشاد في الجوانب العقائدية والاجتماعية، بل أصبح علم الطب، بشقيه البدني والنفسي، معنِيًّا بهذا الأمر، بدرجة أعمق كثيراً مما يظن الكثيرون. ولعل التذكير بدراسة الباحثين النفسيين من جامعة إيراسماس، في روتردام في هولندا، يختصر لنا الكثير من الرؤية الطبية في التأثير الإيجابي للسعادة على صحة الإنسان. ووفق ما تم نشره في مجلة (دراسات السعادة)، قام الباحثون بتحليل نتائج 30 دراسة متابعة حول دور السعادة في حماية صحة الإنسان وحياته. وبالمُحصّلة قال الباحثون كلاماً من »العيار الثقيل«، إذْ وجدوا أن الحجم المُقارن لتأثير تحقيق السعادة، أو عدم تحقيقها، على الحالة الصحية لإنسان ما وخاصة في جانب مقدار طول عمره يكافئ حجم التأثير الصحي للتدخين أو عدم التدخين!، أي بعبارة أخرى .. إن أهمية الحرص على تحقيق السعادة تُشبه أهمية الامتناع عن التدخين. والكثير من الناس يتعلّق بالمال، ويُفني العمر في البحث الدؤوب عنه، و»تحفى قدماه«، ويُصيب القحط »ماء وجهه« في سبيل النجاح في خَزْن المزيد منه في رصيد البنك. والسبب الرئيسي لهذا الحرص على امتلاك المال، هو أنه »العنصر« الذي تتحقق به السعادة، و»العامل« الذي سيجلب ما فيه الرضا في الحياة. ولو مشينا قليلاً مع هؤلاء »الكثرة«، تظهر التساؤلات التالية: - بعدما تجري كمية من المال، كثيرة أو قليلة، بين أيدي شخص ما، هل تكون سعادته أكبر حينما »يشتري« لحظات جميلة بهذا المال، أم حينما »يشتري« به أشياء عينية مادية؟ - وهل سعادة الإنسان تتحقق في سعيه لامتلاك أشياء يطمح إليها؟، وعليه؛ فإنه سيرضى ويسعد حينما تكون بحوزته، أم أن سعادة هذا الشخص مبعثها الرضا بما يمتلكه ويتوفر لديه؟، وعليه؛ فإن سعادته ستتحقق حينما يملأه الشعور ب »التقدير للنعمة« التي هو في ظلها. ولأن للنفس طِبًّا يبحث دونما ملل فيما فيه صحتها ومرضها، دعونا نُراجع ما تقوله نتائج الدراسات النفسية حول هذين السؤالين. ألقى الباحثون من جامعة سان فرانسيسكو نتائج دراسة مهمة لهم ضمن اللقاء السنوي ل »مجمع علم نفس الشخصية والمجتمع« بالولايات المتحدة. في دراستهم، قام الباحثون باختبار تأثير كل من »شراء« أوقات جميلة، مثل تناول العشاء في مطعم، أو حضور إحدى المسرحيات أو عروض الأوبرا، وذلك بالمقارنة مع »شراء« أشياء عينية جميلة، كسيارة »تأخذ العقل«، أو فيلا في الريف، أو حُلي مرصعة بالمجوهرات. وما توصل إليه الباحثون هو أن سعادة الإنسان، ومنْ يعيشون حوله، ستjحقق بشكل أكبر عند استخدام المال في شراء خبرات وذكريات حياتية جميلة. وهذا الشعور بالسعادة سيرفع من الإحساس بالصحة والعافية، وذلك بمقارنة تأثيره على الشعور بالعافية والصحة عند استخدام المال في سبيل امتلاك أشياء عينية قيّمة. وعلل الباحثون هذه النتيجة بأن الأولوية في الاحتياجات لدى الإنسان للشعور بأنه كائن حيّ مفعم بالنشاط والصحة، هي في حصوله على حيوية التواصل والترابط الاجتماعي. وقال الدكتور رايان هاويل، الباحث المشارك في الدراسة : لا يزال الناس يعتقدون أن كثرة المال ستجعلهم سعداء بشكل أكبر، بالرغم من النتائج العلمية للدراسات النفسية التي تم إجراؤها طوال 35 سنة مضت، والتي تقول بعكس ذلك الاعتقاد. ولعل سبب استمرار وتماسك هذا الاعتقاد، هو أن المال يجعل بعض الناس سعداء لبعض الوقت. وإنْ كان المال سيُعطي السعادة، فإن ذلك يكون عند إنفاقه للحصول على لحظات وخبرات حياتية تُعطي ذكريات واضحة. ونحن، كبشر، لا نملّ من تكرار تذكُّر ما حصل لنا من الذكريات السعيدة، بعكس مَلَلِنا من تذكُّر الأشياء المادية العينية التي حصلنا عليها.... انتهى كلامه. ومما يتردد من أقوال الحكمة، أن السعادة لا تتحقق فقط بالسعي الحثيث لامتلاك أشياء جديدة يُحبها الشخص، بل إن قسطاً كبيراً من السعادة يُمكن تحقيقه إذا ما أحب ورضي الإنسان بالأشياء التي يمتلكها بالفعل. وفي إبريل من العام الماضي نشرت مجلة »الرابطة الأميركية للعلوم النفسية« نتائج دراسة الباحثين النفسيين من جامعة تكساس تيك حول هذا الأمر. وقام الباحثون باختبار امتلاك شريحة من طلاب الجامعة ل 52 شيئاً مختلفاً من الأشياء العينية، كالسيارة والاستريو والسرير وغيرها. وبالمحصّلة، قال الدكتور جيف لارسن، الباحث الرئيسي في الدراسة، والمتخصص في علم النفس »ببساطة، إن امتلاك مجموعة من الأشياء ليس مفتاح السعادة. وبيانات نتائج دراستنا تُظهر أهمية عنصرين في السعادة: أولاً، تقدير أهمية الرضا بتلك الأشياء التي يمتلكها الشخص بالفعل. وثانياً، الإبقاء على الرغبة والسعي في امتلاك أشياء أخرى جديدة«. وأضاف الباحثون أن الأشخاص الراضين بما يمتلكونه بالفعل ويطمحون إلى المزيد منه، هم أكثر سعادة من الأشخاص الغير راضين بما يمتلكون، الذين لا يطمحون إلى المزيد من نوعية الأشياء التي يمتلكونها