كما كان للاستعمار القديم خدّامه وأذنابه، كذلك للاستعمار الجديد خدامه وأذنابه من المثقفين، ونقصد بالاستعمار الجديد أشكال الهيمنة والاستتباع والاستلاب والغزو الفكري ومحاولة طمس معالم الهوية العربية الإسلامية، والقضاء على مصادر قوّتها، وعزّتها، وضمانات استمرارها وبقائها، بإحلال بدائل جديدة محلّ تلك المصادر، وإيهام المسلمين بأنّ الأمر لايعدو نوعاً من التجديد والتحديث، لمواكبة العصر، والتلاؤم مع التحوّلات العالمية. وهؤلاء الخدّام والأذناب مرتزقة يبيعون الدين بعرض من الدنيا. منهم من يزعم أنّ الإسلام لم يُفهم بعد الفهم الصحيح، وأنّ القرآن الكريم، في حاجة إلى قراءات حداثية، تغيّر المعاني القديمة التي فهمها منه السلف، بمعان جديدة وافدة من وراء البحار، حيث خلايا التفكير التدميري الاستراتيجية تخطط لاستبدال كتاب الله بمقولات ما أنزل الله بها من سلطان، حتى يكون القرآن الذي يريدون والحداثة الغربيةالمفصومة عن الدّين والإنسانية والقيم شيئا واحداً. وأنّى لهم ذلك، والله تعالى يقول: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» [سورة الحجر الآية 9]،ويقول: «وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته. وهوالسميع العليم» [سورة الأنعام الآية 116]، ويقول: «لاتبديل لكلمات الله، ذلك الدين القيم» [سورة يونس: الآية 64] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقيض الله لهذا العلم من ينفي عنه» تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ينطلق هؤلاء الحداثيون في قراءاتهم المزعومة لكتاب الله العزيز من نزعة تضليلية يريد أصحابها التفريق بين المسلمين وقرآنهم، والفصل بين عقولهم وبين بيانات نبيّهم، وفهوم سلفهم الصّالح، وإجماع علمائهم، واتفاق جمهورهم، فيدعون تارة إلى تحكيم نتائج العلوم الإنسانية الغربية في قراءات القرآن الكريم، مع أن هذه العلوم ظنية في أحسن الأحوال، وهي تعبير عن جذور ثقافية غربية لأصحابها رؤيتهم الخاصة الى الوجود والإنسان والحياة؛ وتارة بالدعوة الى قراءات للقرآن الكريم وفق ترتيب آخر غير ترتيب المصحف الحكيم، مقلدين في ذلك بعض المستشرقين المغرضين، الذين ادعوا أن المسلمين يقرأون القرآن «بالمقلوب». بئس ما قالوا. وغرضهم من ذلك محاولة التمكين لأفكارهم وأوهامهم حول القضايا التي يسعون الى إسقاطها على القرآن الكريم وتاريخه وجمعه وترتيبه، وناسخه ومنسوخه، وعلومه.. ويسعون كذلك الى تمرير خطاباتهم ومقاصدهم المستوردة التي يدعون أن القرآن يتماشى معها، بل يرى بعضهم أنه يتضمن مفاهيم الحداثة الغربية نفسها! وتارة بالتشكيك في حقيقة الوحي، والدعوة الى قراءة القرآن الكريم كوثيقة تاريخية، ومعطى موضوعي، أو ظاهرة من الظواهر، يمكن أن نجد تفسيرا لها في الوقائع التاريخية. وهم في كل ذلك واهمون حالمون، إذ القرآن الذي هو وحي من الله سبحانه الى خاتم الأنبياء والمرسلين محفوظ بحفظ الله، ثم إن تفسيراته الصحيحة، وعلومه القويمة، واجتهادات الفكر الإنساني الصائبة في فهمه، والاستنباط منه، واكتشاف وجوه إعجازه الجديدة، وأسراره المتجددة، كل أولئك محفوظ بحفظ العلماء الذين يحوطون دراساته بسياج من الرصانة والموضوعية والتحري والتأني، ويدحضون الشبهات التي يدسُّها الأعداء من أجل أن يبعدوا المسلمين عنه، كما يبينون الحق في كل ما يجد من أمور وأحداث وقضايا في ضوء تفسيره ودراسته وفق القواعد العلمية المتفق عليها، والأمة الإسلامية لاتجتمع على ضلالة. فمن أراد أن يخلخل هذه القواعد، كروا على محاولته بالدحض والتفنيد، ومن أراد أن يقدم قراءة شاذة لمضامينه ليرضي ثقافة الغرب وأساطينها وجهوا الى قراءته النقد الموضوعي الصارم، وردوا عليه الرد الجميل بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة.