أكد التقرير السنوي الأخير لبنك المغرب حول الرقابة البنكية، أن سنة 2016 تميزت بإطلاق النشاط البنكي التشاركي، بعد ملائمة الإطار المحاسبي لمؤسسات الائتمان مع خصوصيات النشاط التشاركي، وإترخيص من طرف لجنة مؤسسات الائتمان لخمسة بنوك وثلاثة نوافذ تشاركية، وحصولها على الرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى، هذا الأخير الذي وافق على العقود الخاصة بفتح الحسابات المصرفية وعقود عمليات مرابحة..، وأصبح بذلك انطلاقة عمل البنوك التشاركية انطلاقة قريبة جدا بعد جهوزية هذه الأخيرة، وبعد وضع والي بنك المغرب توقيعه. وقد وافق العلماء على قواعد وأسس عمل البنوك التشاركية، ذات الشخصية المعنوية، بناء على عدم تعاملها بالفائدة، أخذا أو عطاء، بعدما نظروا في جميع أنواع العقود، مثل عقود المعاوضات وما تتضمنه من عقود فرعية مثل عقد الوكالة، عقد الجعالة،عقد المشاركة،عقد المضاربة، عقد الإجارة التشغيلية، عقد الإجارة التمويلية، بيوع الأمانة، بيوع المساومة، وكذا عقود التبرعات وما تتضمنه من وديعة، وقف، هبة، وصية، كفالة، وقرض.. وعل كل حال فموافقة العلماء على قواعد وأسس عمل البنوك التشاركية، يختلف عن عمل بعض البنوك ” البديلة ” أو المعاملات البنكية البديلة التي سبق أن طرحها بنك المغرب قبل عدة سنوات، والتي لم تكن خاضعة لموافقة المجلس العلمي الأعلى، كما هو الشأن حاليا. لكن التساؤل الذي سيظل مطروحا، بعد انطلاقة البنوك التشاركية، هو هل سيبدي العلماء رأيهم في استمرار وجود البنوك التي تتعامل بالفائدة، بعد أن وضعوا أسس عمل البنوك التشاركية غير الربوية. فالقاعدة الفقهية التي ظلت سائدة على مدى عقود والتي تقول بأن “الضرورات تبيح المحظورات”، أصبحت مع وجود البنوك التشاركية، قاعدة عرجاء. إن عقيدة المغاربة وثقافتهم المستلهمة من الدين الرسمي للدولة على امتداد قرون، والذي يؤكده الدستور المغربي، جعلتهم في تناقض حاد نفسي وسلوكي تجاه المؤسسات التمويلية التي تعتمد على الإقراض بسعر الفائدة سواء بنسبة قليلة أو بأضعاف مضاعفة، وهو الشيء الذي كان له بالغ الأثر على الاقتصاد والمجتمع، باعتبار أن المؤسسات التمويلية هي العصب المركزي للدولة والاقتصاد والمجتمع. فالانكماش الاقتصادي وتراجع الاستثمار والادخار الذي عرفه المغرب، يعود سببه في أحد أوجهه، إلى جشع الإقراض بالفائدة، سواء تعلق الأمر بقروض استهلاك الأسر، أو إقراض الأفراد والمقاولات، بل حتى السلفات الصغرى لم تنج بدورها من ذلك، وأن ذلك يخدم في النهاية مصالح بعض الفئات الجشعة دون المجتمع، هذا الأخير الذي يؤدي في الأخير فوائد قروض خارجية أخرى مفروضة عليه بسبب الخلل البنيوي الاقتصادي والتمويلي. إن من شأن البنوك التشاركية أن تنعش الاقتصاد وتصالح المغاربة مع ذواتهم وتحفزهم على الاستثمار والادخار، هذا إن سارت الأمور بشكل جيد وبدون معاكسة.