الطريق إلى الإليزيه.. هذا ما نطق به سهمكما…والله أعلم.. بقلم // أحمد الميداوي أول ما يلفت الانتباه في آخر أيام المعركة الرئاسية بين رئيس حركة "إلى الأمام" وممثل التيار الوسطي إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، دخول المنجمين والعرافين على خط الحملة الانتخابية، بعدما صدقت رؤية معظمهم في الانتخابات الرئاسية السابقة بفوز فرانسوا هولاند على على منافسه نيكولا ساركوزي. وإذا كان التنجيم يغزو بعض المجتمعات الفقيرة والمتخلفة، فالعجب أن يغزو المجتمعات المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا مثل فرنسا التي وإن كانت قوانينها تحرّم السحر والشعوذة وتعاقب من يفتعل الأكاذيب والأضاليل، فإنها مع ذلك تجيز مهنة التنجيم وتسمح بوجود عيادات متخصصة للمنجمين. فمن يصدق أن الفرنسيين يصرفون كل عام ما يزيد عن خمس مليارات أورو على التنجيم، فيما يعمل نحو 40 ألف محترف في هذه المهنة تحت ظل القانون. وقد أصبح من المألوف مع كل حملة رئاسية أن يتسابق المنجمون وعلماء الفلك، في مختلف أرجاء فرنسا، على شحذ قرائحهم وحضورهم على وسائل الإعلام من أجل الكشف عن توقعاتهم بشأن الرئيس الذي سيعتلي عرش الإليزيه للسنوات الخمس القادمة.. وانتقال هؤلاء من قراءة الطالع والأبراج إلى استقراء المستقبل السياسي لهذا المرشح أو ذاك، لا يأتي فقط من أجل كسب الشهرة، بل لأن النخب السياسية الحاكمة تبدو واثقة في الفلكيين والمنجمين بشكل عام، وفي درايتهم العالية بقراءة علم الغيب، حتى وإن كان هؤلاء يأتون في الكثير من الأحيان بتنبؤات كاذبة. ثم إن اهتمام الفلكيين والعرافين بالشأن السياسي وبمستقبل الحكام في فرنسا، ليس أمرا غريبا، بل يمثل جزءا من العلاقة التي جمعت على امتداد عصور، بين المنجمين والرؤساء والملوك الفرنسيين.. دون نسيان شغف عامة الناس بمعرفة حظوظ مرشحي الرئاسة وفقا لحركة النجوم والأبراج التي تحدد صفاتهم بين الإيجابية والسلبية والضعف والقوة وغيرها. ويتباعد المرشحان الحاليان، حسب هؤلاء، بشكل ملفت في الحظوظ بالفوز التي تميل بشكل ملموس لصالح إيمانويل ماكرون مع احتمال حدوث مفاجآت في اليومين الأخيرين. فمارين لوبان وهي من برج "الأسد" ستقوم، في نظرهم، بخيارات ذكية في اليومين الأخيرين قد تصدم بها أنصارها، مثل مغازلتها التي ستكون هذه المرة مكشوفة وصريحة لليمين التقليدي الذي ستغريه بتنازلات مهمة في بعض المواقف المتشددة قد تكسبها تأييدا ودعما هي في أمس الحاجة إليهما. ويصنف الفلكيون مارين لوبان في خانة المرأة المتألقة الذكية صاحبة النزعة القوية في تصدُّر مراكز القرار. وهي تتسم، حسب هؤلاء، بالسيطرة والاستفراد بالسلطة، وأيضا بالازدواجية في الشخصية حتى إنه من الصعب معرفة السلوك الذي يجب التعامل به معها. فأحيانا تبدو متقلبة المزاج، غير مستقرة على حال، وأحيانا تعطي الانطباع بأنها هادئة متزنة، لكنها ميالة كثيرا إلى حب الكلام واستمالة الجمهور. في حين يخشى بعض المنجمين أن يتعرض إيمانويل ماكرون وهو من برج "القوس" إلى إساءة في اليومين الأخيرين ممن يعتبرهم حلفاء، لكنهم يعتبرون فوزه شبه مؤكد إذا لم يحدث طارئ مفاجئ يحبطه. وينظر هؤلاء إلى ماكرون على أنه ودود واجتماعي وصاحب ثقة لا تهتز. وهو من رواد ركوب المخاطر حتى وإن كان يعطي الانطباع بأنه متردد في اتخاذ القرار. ويعتبرون حظوظ المرشحين متباعدة نسبيا لصالح ماكرون، ويقولون فيما يشبه الإجماع بتفوقه بحوالي 20 إلى 25 نقطة. ويشكل التنجيم والعرافة ظاهرة فريدة في فرنسا حيث إقبال الفرنسيين من كل الفئات والأعمار على المنجمين والعرافين لمعرفة حظهم المتعثر، في تزايد مستمر. وتؤكد الإحصائيات أن سدس الفرنسيين (عشرة ملايين) يستشيرون المنجمين والعرافات بانتظام وأن الظاهرة متفشية في كل الطبقات والفئات الاجتماعية، من رؤساء الجمهوريات إلى منظفي الشوارع، الأمر الذي يجعل واجهات المكتبات تمتلئ بكتب الأبراج في كل فصول السنة. وتحقق هذه الكتب أرقاما عالية في سوق المبيعات، وهي مقسمة إلى عدة فصول بدءا من أوضاع العالم من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلى أوضاع فرنسا، انتهاء بأحوال الأبراج على امتداد أشهر السنة. والجميع يستحضر الرجة التي أحدثها كتاب إليزابيث تيسييه في بداية القرن الجديد بعنوان "تحت برج ميتران… سبع سنوات من الأحاديث" (مليون و400 ألف نسخة)، والذي ترسم فيه العرافة الفرنسية الشهيرة لوحة عامة لما سيكون عليه العقدان الأولان من القرن الواحد والعشرين. وقد دعمت كتابها بملحق موثق خصصته لعلاقتها بالرئيس فرانسوا ميتران، وبإذاعة أشرطة مسجلة لمكالماتهما الهاتفية. ولم يكن ميتران يأتي بشاردة ولا واردة، إلا بعد أخذ رأي عرّافته بشأن ما يخبئ له المستقبل وما يجب عليه أن يتخذ من قرارات. وكسبت العرّافة الحسناء شهرة إضافية وثقة الرئيس ميتران بعدما تنبأت بصعود إيديولوجيات اليمين المتطرف واندلاع نزاعات في إرجاء عديدة من العالم بسبب التمييز العنصري والعرقي. كما تنبأت بالاضطرابات التي أدت إلى حرب الخليج الثانية، وبحدوث أزمة في موسكو في حدود العشرين من غشت 1991. وحدث فعلا في التاسع عشر من ذلك الشهر الانقلاب الفاشل على الرئيس غورباتشوف. ويعود آخر لقاء بين الرئيس وعرافته إلى الشهر الأخير من عام 1994. وقد سألها حينها عما تراه بخصوص وضعه الصحي، فسكتت ولم تقو على مصارحته بأنها ترى طالعة سيئة. وتوفي ميتران بعد ذلك بسنة بالداء الخبيث الذي عانى منه منذ بدايات حكمه. العلم: باريس أحمد الميداوي الطريق إلى الإليزيه.. هذا ما نطق به سهمكما…والله أعلم.. بقلم // أحمد الميداوي