تعززت الدراسات التاريخية والمعجمية العربية بصدور قاموس للمفردات البحرية بسبتة الإسلامية، والعمل هو نتاج مجهود فردي للباحث على امتداد سنوات عديدة، اشتغل خلالها بجمع وتحصيل المفردات التي راجت بسبتة منذ فجر تاريخها الإسلامي، وإلى غاية سقوطها في قبضة البرتغاليين سنة 1415م. ويأتي الكتاب بوصفه إحدى الحلقات المتصلة من الدراسات والأبحاث الأكاديمية المتخصصة في تاريخ النقل والملاحة البحرية بالغرب الإسلامي، التي دأب الدكتور عبد السلام الجعماطي على إصدارها خلال السنوات القليلة الماضية، وأبرزها "كتاب أكرية السفن" (تطوان: 2009)، و"النقل والمواصلات بالأندلس خلال عصري الخلافة والطوائف" (بيروت: 2010)، و"دراسات في تاريخ الملاحة البحرية وعلوم البحار بالغرب الإسلامي" (بيروت: 2011). صدر "قاموس المفردات البحرية بسبتة الإسلامية" ضمن منشورات المجلس العلمي المحلي لعمالة المضيق الفنيدق بشمال المغرب، ويشتمل على 138 صفحة من القطع المتوسط، مصدّر بتقديم للعلامة الدكتور إسماعيل الخطيب رئيس المجلس العلمي المحلي للعمالة المذكورة، ومن الدوافع التي حفزت المجلس على إدراج هذه الدراسة ضمن منشوراته، كون مدينة سبتة السليبة وأحوازها تقع جغرافيا ضمن المجال الترابي لهذا الإقليم. ويضم القاموس مقدمة تاريخية عن سبتة ومعطيات عامة عن معايير وضع هذا المعجم البحري لسبتة، أما أبوابه فهي مرتبة وفق الأبجدية العربية. يعدّ هذا الكتاب من القواميس المتخصصة في مفردات التراث البحري التي تختزنها كتب التاريخ والحضارة العربية الإسلامية، فهو يقوم على فكرة وضع قاموس للمفردات البحرية العربية والمعرّبة، والعامية والأعجمية، المتداولة بين بحارة مدينة سبتة السليبة خلال العصور الوسطى الإسلامية. وينبني الكتاب على استقصاء واسع النطاق للمصادر العربية التي تتناول مدينة سبتة من زوايا متعددة: تاريخية، جغرافية، فكرية، أدبية، فقهية وديوانية... من أجل استخراج ما أمكن من المفردات البحرية السبتية التي تردد صداها في المصادر المكتوبة، وهي متنوعة، تشمل المتون الفقهية، والمعاجم اللغوية، وكتب التصوف والمناقب، والجغرافية والرحلات، والحوليات التاريخية، ودواوين الأشعار، والتراجم، والسيرة الذاتية، والبرامج، والرسائل الديوانية... يتلو هذه الخطوة تبويب المفردات وتعريفها بدقة، اعتمادا على المعطيات التي تم تحصيلها من خلال الإشارات الواردة في مختلف المصادر المعتمدة في هذا البحث. وتتشعب المفردات موضوع الدراسة، إلى ألفاظ وأعلام جغرافية مرتبطة بمرسى سبتة وسواحلها، من حيث ضبط للطبوغرافيا البحرية، وأنواع الرياح المساعدة على الملاحة في عرضها، وجرد أصناف الأسماك والحيوانات البحرية بها؛ كما تم التركيز على أنواع السفن والزوارق السبتية التي عرفت خلال نفس الفترة، وعلى معدات الملاحة البحرية وتجهيزات الأسطول، وعلى أساليب وتقنيات الإبحار. وقد أمكن رصد العديد من المصطلحات الخاصة بتقنيات الملاحة وأساليب إبحار السفن انطلاقا من مرفأ سبتة. وغني عن القول، إن البحث في مجال الألفاظ والاصطلاحات وأصولها، يرتبط أشد الارتباط باللغة وفروعها المعرفية المساعدة؛ لذلك فقد عمل الدارس على تركيب الدراسة وفق منهج يراعي بعدين أساسيين هما: البعد اللغوي الذي يبحث عن الأصول الاشتقاقية والدلالية لتلك المفردات، بغية إعادتها إلى جذورها، وتتبع كيفية تطورها وانتشارها عبر الاستعمال الشائع لدى سكان الحوض الغربي للبحر المتوسط بوجه عام، وبحارته بوجه أخص؛ وإلى جانبه البعد التاريخي، الذي يستقصي بعمق ودقة مختلف المفردات والاصطلاحات المرتبطة بموضوع البحرية السبتية، في سياقها الزمني المنحصر خلال الحقبة الإسلامية. وسوف يلمس القارئ الكريم الأصالة العربية لمعظم الألفاظ البحرية، التي يشتمل عليها هذا القاموس؛ مما يؤكد عروبة مدينة سبتة السليبة، مهما حاول الآخر التمويه والتشكيك في هويتها العربية الإسلامية العريقة، التي اكتسبتها عبر قرون مديدة من العطاء الحضاري الزاخر، وخاصة في مضمار البحر والملاحة وصناعة الأساطيل ومعدات الصيد البحري.