- أيُّها النَّاجي من الحَياة، هاتِ ما تَعْرِفُه عن حَقيقَتي أنا الإنسان. - يا مَن دَعا نَفْسَه إنسانًا، وهوَ الكائِنُ الحَيُّ المُعَقْلِنُ نَفْسَه، اِسْمَعْ: أنتَ من الطَّبيعةِ، وأنتَ الطَّبيعةُ، وأنتَ صانِعُ الطَّبيعة؛ فمَن غَيرُكَ من صُلْبِها، ومَن غَيرُكَ عائِدٌ إليها، ومَن غَيرُكَ مُظْهِرٌ لها؟ فما بالُكَ تَتَناسى أصْلَكَ ونِهايَتَكَ وما صَنَعَتْ يَداك؟ أما زِلْتَ تَخافُ الطَّبيعة؟ أما زِلْتَ في صِراعك مع الزَّمنِ الَّذي نَظَّمْتَ والمَعرِفَةِ الَّتي رَبَّيْت؟ أما زِلْتَ تَخْشى مَساوِئَ الحَياة، والمَوْتَ، فتُؤْمِنُ بقُدْرَةٍ فَوْقِيَّةٍ تَلوذُ إليها لدى الشَّدائِد وعندَ اقتِرابِ المَنِيَّة؟ أما اكْتَشَفْتَ بَعدُ أنَّ إلَهَكَ الواحِدَ هو أصْلُك ونِهايتُك وصِنعُك؟ وأنْ لا جَدوى من تَعَلُّقِكَ بالحَياة الأُخْرى وأنتَ حاصِلٌ، في الطَّبيعة، على كلِّ شَيءٍ وعلى لا شَيء. أَتُمَنِّي نَفْسَك بحَياةٍ أفضَل، فتَعِدُها بما قَد لا تَحْصُلُ عليه؟ أَوَلَيسَ من الأفضَل ألاَّ تَعِدَها بشَيء، ثمَّ تُفاجِئَها بكلِّ شَيء؟ أَوَتَكونُ خائِفًا من العَدَم وهو وُجودٌ بذاته، وُجودُ اللاَّوُجود؟ أَوَلَيسَ العَدَمُ وحدَه ما تَسْتَطيعُ تَحديدَه دونَما شُكوك؟ أَوَلَيسَ هو تلك الوَمضَةَ العَجيبةَ الَّتي تُحِسُّ بها أحيانًا، والَّتي تَفْصِلُك عن الحَياة مُؤَقَّتًا، وتُوصِلُك إلى الحَقيقة، وتَضُمُّك إلى الوَحدة الأزَليَّة، لهُنَيْهَةٍ من الوَقْت، هيَ الزَّمَنُ كلُّه، ثمَّ تُعيدُك لِتُكْمِلَ مِشوارَك مع الحَياة؟ أما حانَ لك، يا أخي، أنْ تَعْرِفَ أنَّ كلَّ شَيءٍ بِدايَتُه من شَيءٍ واحِد، ونِهايَتُه في شَيءٍ واحِد، وأنْ لا وُجودَ للواحِد؟ ما بالُك تَدورُ وتَدور، باحِثًا، مُحَلِّلاً. أَفَلا تَدْري أنَّك مَتى اكْتَشَفْتَ الحَقيقةَ كامِلةً لَن تَعودَ الإنسانَ الَّذي صَنَعْت؟ كُفَّ عن الدَّوَران، كُفَّ عن البَحث، كُفَّ عن التَّحليل، فمِنكَ الوُجودُ وفيكَ الحَقيقة.