الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيمات و مرتكزات التأويل في كتاب : " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون "
نشر في طنجة الأدبية يوم 05 - 08 - 2010


تقديم :
من غير تمهيدات نظرية حول الثقافة الشعبية و الحاجة إلى الاهتمام بها ، يضع كتاب
" الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون" ، قارئه بشكل عام في جوهر الكينونة الميمونية المتجذرة في العمق الشعبي المغربي. ذلك أن صاحبه الأستاذ محمد بازي، الباحث الأكاديمي المتخصص في قضايا الفهم و التأويل مثلما هو معلوم ، تناسى في كتابه هذا الأدوات المفاهيمية و النظرية الأكاديمية ، ليعانق بكل فطرية وتلقائية شجون الحكمة المستمدة من الأقوال و الأمثال و الحكم و الطرائف و العبارات التي شكلت وعي الإنسان الميموني و رؤيته للعالم من حوله.
لقد جاء هذا الكتاب لتلبية حاجة الثقافة المغربية عامة و الميمونية خاصة إلى كثير من التحصين ضد الهشاشة و الذوبان في زمن اختار أقوياؤه رفع شعار تنميط الثقافة الإنسانية عن طريق الاستلاب و التغريب، قافزين على الخصوصيات الثقافية لغيرهم الذي لا يريدونه إلا منتجا للفلكلور ومؤثتا لبزارات السياحة الثقافية .
لهذا الاعتبار اختار الأستاذ محمد بازي عن اقتناع ، الإبحار ضد التيار فعمد إلى النبش في ترسّبات ذاكرة أجيال الميمونيين انطلاقا من أمثالهم و حكمهم التي تعكسهم في جدّهم
و هزلهم و فرحهم و حزنهم . و لعل اختيار النبش في المتن الأمثولي و الحكمي بشكل أساس و التصدي له بالجمع و الشرح ، يعكس وعيا قويا بأهمية الأمثال و الحكم في واقع العلاقات الاجتماعية و الإنسانية ، إذ هي في كل الثقافات أداة تعبيرية هامة و مغرية وعميقة في إبلاغ معان تعكس هواجس الذاكرة الشعبية . من هنا لم يكن بدعا أن يلتجئ إليها الإنسان الميموني ، لتكون واحدة من أقوى آلياته الإبلاغية و البلاغية .
إن القراءة الأولية لكتاب : " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون " الذي يضم أكثر من ألفي مادة تم تدوينها في صورتها التلقائية ، تعكس رغبة في تجاوز ما ارتبط بهذا النمط من التراث الشعبي في عقول العامة من مظاهر الازدراء و مدلولات القدح إلى صيغة ترتفع بتذوقه لإدرك جوهر الألق الإنساني في الثقافة الشعبية. و في إطار هذا الطموح نتصور أن كتاب " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون " يسعى إلى توفير أرضية للإجابة و لو
لاحقا عن أسئلة ثلاثة مركزية نفترضها كالآتي :
كيف يمكن الحفاظ على أنماط الموروث الأمثولي و الحكمي في الثقافات الشعبية
الشفوية ؟
ما السبيل الأنجع الذي يمكن بواسطته نقل الرصيد الأمثولي و الحكمي داخل ثقافة
شعبية شفوية ما من السّلف إلى الخلف ؟
ما الذي يحول دون انتقال المتون الأمثولية و الحكمية في الثقافات الشعبية الشفوية
من مستوى المتعة و الترفيه إلى مستوى العبرة و التوعية ؟
قراءة تيماتية في الكتاب .
لقد اختار الأستاذ محمد بازي تنظيم متن كتابه وفق الطريقة الألف بائية ، لصعوبة الحسم في الموضوعات التي تستحق التقديم أو التأخير ، خاصة و أن جميع هذه الموضوعات تبقى على قدر المساواة من حيث الأهمية و صلتُها الحميمة بوعي منتجيها و متداوليها .
تبرز المادة التي تمدنا بها الأمثال والحكم و الأقوال الواردة في كتاب " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون " مدى تعلق مبدعيها بالحياة اليومية للإنسان الميموني اجتماعيا واقتصاديا ، خاصة و أن مجموع هذه الأمثال و الحكم و الأقوال يرتبط مكانيا بالقرية الميمونية و محيطها الجغرافي القريب ك : أيت عميرة و غزالة و الخربة و البرايج وتفنيت...ممن يعتبر أهلها آخرا بالنسبة للإنسان الميموني ، و أبلغ مثل في هذا الإطار (زيد
الما زيد الدگيگ را ولاد عميرة فالطريگ ) مثلما تعكس هذه الأمثال و الحكم و الأقوال القرية الميمونية إنسانيا بمثل :الرجال و النساء و الأطفال و الفلاحين و الحرفيين و الصناع، وتعكسها أيضا طبيعيا بمثل نباتات :الفرزيز و الدّلاح و الكرعة و الزرع و الزرْب و النخلة و البصلة ، و تعكسها أيضا حيوانيا بمثل : الذيب والحْمار و البْگر و المعز و الدجاج والكلب و البومة و الناگة و الجمل و العود ...
ويبقى أهم ما يلفتنا اجتماعيا فيما جمعه الأستاذ محمد بازي في كتابه ،هو الإلحاح على التضامن و التعاضد و الأخلاق و التحذير من عواقب الزمن و تقلبات الحياة ، و كأن الحكيم الشعبي الميموني يحرص على تحديد العلاقات الاجتماعية بما يرضي الله و العباد.
و إذا كان من اللازم تحديد التيمات الأساسية التي ينطوي عليها كتاب " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون " فلن نجد أهم مما يلي :
٭ الفلاحة : و من العبارات الدالة عليها نجد : ( إلاّ جات الشتا فالصمايم بيعْ الزرع و اشْري
البهايم ) / ( بلّغ يا حراث بين المراجع مال التاجر عندك راجع ) / ( ثبت و خلّي
الزرع ينبت ) / ( لا تْصاحبْ حتى تجرّبْ و لا تحرث حتى تزرّب و لا تضرب
حتى تقرّب ) / ( النعيجة و العويجة و العام إلى جاء ) / ( واحد البگرة تخسر
النوبة ) ( حصّاد بحْمارو شْهاب بنارو) / ( الشتاء ديال لليالي بحال لعْب دراري)/
( گعد ألجوع حتى ندرسو). ( اللّي حرث الجمل دكّو ) / ( اللّي نگى حصْد ).
إن تأمل مجموع هذه الأمثال والحكم ، يكشف عن زراعية تفكير الحكيم الميموني
الذي رأى في الزراعة و ما يتعلق بها من تربية الماشية واجبا يستلزم الاستعداد
و الإتقان و الاستمرار و الحيطة و الحذر...
٭ الرجولة : ومن الأمثال و الأقوال الدالة عليها : ( حتى يجو الرجال ) / ( الرجال يتْلاگاو
و الجبال ما يتلاگاو) / ( الراجْل بالهمة أما اللحْية حتى المعز عندو) / ( الرجل
بحال لفاس فين مّا مشى يحْفر ) / ( الرّجل يموت على بلادو ولاّ ولادو )
( الرّجْلة ما تتْباع ما تشرا ) / ( الرجل اللّي يتبع المرا مرا نيت هداك ) ...
من مجموع هذه الأمثال و الأقوال نلحظ تنصيص الحكيم الميموني على حقيقة
الرجل الذي لا يكون كذلك بالهيئة فحسب ، بل بالشهامة و القدرة على التحمل
و عدم الخضوع للمرأة .
٭ المرأة : كثيرة هي الأمثال و الأقوال المتصلة بالمرأة في التداول الأمثولي و الحكمي
الميموني ومن ذلك : ( خذ المجنونة بنت العاقلة و لا تاخذ العاقلة بنت المجنونة )/
( الرّبح من المرا و الخسارة من المرا )/ ( زمان الغرايب هذا المرا مكحلة
و الرجل غايب ) / ( سال على الأم قبل ما تلام )/ (فعرسها نعّاسة و فعرس الناس
رقّاصة ) / ( كاينة المرا اللي هي بالصح مرا ، و كاينة المرا اللي بحال مسمار
عشرة ،و كاينة مرا بحال مسمار عشرة مدگوگ فالعنگرة )/ ( كولْ مع المرا الوالدة
و ما تمشي معاها )/ (اللّي تزوج بنت عمو نسى همو)/ (اللّي طلقها ما يوريها دار
بّها)/ ( اللّي ما عندو بنات حد ما عرف باش ماتْ)/ (ما تاكل البلبولة المالحة غير
المرا الفالحة)/ ( ما تفهم المرا غير مرا)/ ( ماتدير يدّها فالماء )/ ( المرا اللّي تطوف
ما تغزل صوف )/ ( المرا بلا ولاد بحال الخيمة بلا وتاد)/ ( مرا لسّاسة تغلب ميات
سحاّرة و سحّارة )/ مراة المنحوس ما هي مطلقة ما هي عروس)/) معرفة الرجال
كْنوز و معرفة النسا خْنوز)/( مول الطاحونة و السانية و المرا الثانية عمرو ما
يشوف ليلة هانية)... من خلال التمعن في مجموع هذه الأمثال و غيرها كثير ،
نلاحظ أنها ذات طبيعة وعظية إرشادية تميز في المرأة بين المقبولة و المرفوضة .
فمن مواصفات المرأة المقبولة : العقل و الحشمة و الجد و القرابة و الإنجاب
وحسن النسب . فيما مواصفات المرأة المرفوضة : الخاملة و العاقر والمحتالة ...
و عموما تبقى قيمة المرأة في مجموع هذه الأمثال متوقفة على دورها الأسري
المنضبط ، مع ملاحظة تتعلق بالتنويه الواضح بالمرأة الأم و البنت . و لا ندري ما
إذا كانت هذه الأمثال صادرة عن حكماء ذكور أم إناث .
مرتكزات الخطاب الشارح في الكتاب.
سننطلق من أجل ملامسة مرتكزات الخطاب الشارح في كتاب " الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون " من قول مؤلفه : " حاولت ما أمكن أن أشرح القول أو المثل أو العبارة وأوضح سياقها ... كان القصد أولا و أخيرا التدوين و الشرح و التأويل و التصنيف "
من هذا الكلام يتضح لنا أن جهد المؤلف في هذا الكتاب انصب على ثلاث مسائل أساسية هي: التدوين و التصنيف و الشرح باعتباره مستوى من مستويات التأويل ، هذا مع العلم أنه إن كان الشرح ينطوي على رأي و اجتهاد ، فإن التدوين و التصنيف لن يتما من جهتهما من غير رأي مادامت أي عملية تدوينية للموروث الشفوي في كل حقبة زمنية هي بمثابة غربلة تسمح بمرور أشياء و تمنع أخرى ، ذلك أن التدوين " حتى بمعنى الجمع و التصنيف لا غير، لا يمكن أن يتم بدون رأي " حسب ما يرى محمد عابد الجابري .
لنترك جانبا عمليتي التدوين و التصنيف مركزين على عملية التأويل ، فنسجل أن التأويل في اللغة يعني التقدير و التفسير مثلما جاء في معجم لسان العرب في مادة " أول " " أوّل الكلام و تأوّله : دبّره و قدّره ، و تأوّله فسّره " . ينضاف إلى ذلك أن التأويل / الشرح تقليد علمي عربي قديم اتخذ أشكالا عدة في مختلف المصنفات العربية القديمة ، ككتب الطبقات والتراجم و كتب النقد والبلاغة و كتب التفسير و كتب الإعجاز .
إننا لاننكر وعي الأستاذ محمد بازي بالأبعاد العلمية و المنهجية لخطاب التأويل في أي ممارسة علمية ، و هو من اختبر في أكثر من بحث أسئلة و شجون التأويل في التفكيرين العربي و الغربي . لذلك ليس بدعا أن تحضر مرتكزات التأويل و آلياته الجوهرية في شرحه لأقوال و أمثال و حكم و طرائف أولاد ميمون . و بوسعنا أن نميز عنده في هذا الإطار بشكل مختزل جدا بين المرتكزات التأويلية الآتية :
٭ مرتكز التأويل بالقرآن :
اعتمد المؤلف في تأويل بعض الأمثال و الحكم و الأقوال على النص القرآني باعتباره
جزءا من ذخيرته المعرفية، و ذلك من أجل تأكيد مصداقية القول المؤوّل. و من نماذج هذا
المرتكز التأويلي ، تأويل الحكمة ( دوام الحال من المُحال ) ب: " أحوال الدنيا متبدلة ،
و كل من عليها فان و لا يبقى إلا وجه ربك ذو الجلال و الإكرام " . و تأويل المثل ( قدْ
الحْديد قدْ دقتو) ب : " على قدر أهمية الحديد في الحياة و منافعه تكون مصائبه و بأسه ".
و قد صدق الله تعالى : " و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس" . و تأويل القول
( كُنْ الدنيا تدومْ كون دامت للْولى ) ب : " كل من عليها فان و لا يبقى إلا و جه ربك ذو
الجلال و الإكرام " . ثم تأويل القول ( اللّي يصْلي و يقطع من جهنما ما يطْلع ) ب :
" عبارة سمعتها من غلام ينصح صاحبه بمداومة الصلاة . و فيها تخويف من قطع
الصلاة أو التهاون بشأنها أو السهو عنها . قال الله تعالى : " ويل للمصلين الذين هم عن
صلاتهم ساهون " .
٭ مرتكز التأويل بالحديث الشريف :
إلى جانب القرآن الكريم استند المؤلف في تأويله إلى الحديث الشريف و ذلك لنفس
الاعتبارات التي دعته للتأويل بالقرآن . و من نماذج هذا النوع من التأويل نجد : تأويل
القول ( شاوْرْ مراتك و ما تدير بكلامها ) ب : كما في الحديث : "شاوروهن و خالفوهن".
و تأويل القول ( عْلاهْ الشيطان درّي ) ب : الشيطان متمكن من ابن آدم تمكنا كبيرا ،
و قادر على إغوائه بكل الوسائل ، كما في الحديث النبوي : " إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع " . و تأويل القول : ( كرش بنادم ما يعمّرها غير
التراب ) ب : " في عدم محدودية طمع الإنسان و انفتاح شهيته للماديات . و هو نقل
للحديث " لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم
إلا التراب " . ثم تأويل القول ( مول الدار ما يفرط و الضيف ما يشرط ) ب :" المُضيفُ
يكرم ضيفه ، و الضيف يكتفي بما هو موجود . و في الحديث " من كان يؤمن بالله و اليوم
الآخر فليكرم ضيفه " .
٭ مرتكز التأويل بالشعر :
كثيرة هي الأمثال و الحكم و الأقوال التي عضّد المؤلف تأويلها بأبيات من الشعر العربي القديم ، و ذلك من باب تقوية مفعولها الإقناعي . و من اللافت جدا أن يأتي شعراء أمثال طرفة و المتنبي و المعري و أبي تمام و الشريف الرضي و عبد الرحمان المجذوب في مقدمة من استُحضرت أشعارهم لكونهم أكثر شعراء أزمانهم انفعالا و حدة عاطفة و أبعدهم تفكيرا ورأيا و أكثرهم ضربا للحكمة و المثل . و مما يعزز مرتكز التأويل بالشعر في الكتاب طي التقديم ، تأويل القول (ما كذبوش اللي گالو عيش تشوف) ببيت طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ٭ و يأتيك بالأخبار من لم تزود
و تأويل القول ( حدْ النزاهة ركوب الخيل) ببيت المتنبي :
أعز مكان في الدنى ظهر سابح ٭ و خير جليس في الزمان كتاب
و تأويل القول ( إلا جيت تحقّقْ تحمق) ببيت المعري :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ٭ و أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
و تأويل القول ( سْكن مع المحسادْ و ما تسكْن مع المْعْيان ) ببيتي أبي تمام :
و إذا أراد الله نشر فضيلة ٭ طُويت أتاح لها لسان حسود
و تأويل القول ( ما يْتْقرقب غير السطل الخاوي ) ببيت الشريف الرضي :
ملأى السّنابيل تنحني تواضعا ٭ و الفارغات رؤوسهن شوامخ
و تأويل القول ( راح داك الزمان بناسو و جا هاذ الزمان بفاسو) ببيتي عبد الرحمان
المجذوب :
راح ذاك الزمان بناسو ٭ و جا هاذ الزمان بفاسو
و كل من يتكلم بالحق ٭ كسرو لو راسو
و لاندري ما إذا كان العلاقة بين مجموع هذه الأبيات الشعرية و أمثال و حكم و أقوال الحكيم الميموني ، وليدة تناصات عفوية أم أن الأمر يتعلق بتناصات مقصودة ، مادامت الحكمة الإنسانية في جوهرها واحدة ، ولا يكاد يختلف سوى لغات التعبيرعنها .

٭ مرتكز التأويل بالشرح اللغوي :
لاعتبارات تعليمية تبسيطية للقارئ غير الميموني المفترض ، اعتمد المؤلف في تأويله
لنماذج من الأمثال و الحكم و الأقوال المتداولة في القرية الميمونية آلية الشرح اللغوي،
ضمانا للوضوح و يسر التلقي .
و من تجليات هذه الآلية في الكتاب قيد التقديم تأويل القول ( الخاوَة جْدام ) ب : " و الجدام
مرض كالبَرَص" . و تأويل القول ( خَرْجو رْجليه من الشواري) ب: " لمن تعدى حدوده ،
والشواري : الخُرْجُ الذي يوضع على ظهور الدواب لحمل البضائع و الحاجات ، و يصنع
من سعف النخل في الغالب " . و تأويل القول ( شادْ معاي حاشية السّطلة ) ب: " السّطلة:
و عاء الماء ، لمن لا يريد أن يستقيم و يركن للجهة التي تركن أنت إليها " . و تأويل القول
( الضربة للْفرطاس و الشّنْعة لْمولْ لگرون ) ب : الفرطاس : الخروف الذي لا قرون له،
فإذا ضرب خروفا آخر و آذاه ، فإن الأصابع تشير لصاحب القرون . يقال لمن شكله
و حاله سبب في توجيه التهم له رغم أنه لا دخل له فيما حصل . و تأويل القول ( اللّي جاب
الشقفة عطيه العفية ) ب : " الشقفة قطعة طينية أو حديدية يحمل فيها الجمر من الموقد .
أي من طلب منك شيئا و جاء بأسبابه ، فلاتردّه خائبا "
٭ مرتكز التأويل بالتفصيح .
نقصد بالتفصيح هاهنا انتقال المؤلف بمجموعة من الأمثال و الحكم والأقوال من مستوى
التداول اللغوي اليومي التلقائي ذي اللكنة الميمونية ، إلى مستوى التداول اللغوي الفصيح .
و ذلك من أجل ضمان تلق أوسع لهذه الأمثال و الحكم و الأقوال . و مما يعكس هذا
المرتكز التأويلي في الكتاب تأويل القول ( سيد الناس خديمهم) ب :" خادم الرجال سيدهم "
و تأويل عبارة ( عبّو سْكوبي ) التي تقال لمن ذكر الأمر الواحد أو فكر فيه عدة مرات بلا
جدوى ب: " و نظيره عند العرب قولهم : عُبّي و اسْكُبي " . و تأويل الحكمة ( قْطَع الرْجل
تْعْزازْ) بالحكمة العربية الفصيحة " زُرْ غِباّ قليلا تَزْدَدْ حُبا " . و تأويل عبارة ( كْثرة
الهَمّ تْضَحكْ ) الدالة على أن كثرة الهم تضحك ، بقول العرب: ( شرّ البَلية ما يُضحكُ ) .
و تأويل القول ( ما يْحك جَلْدك غير ظُفْرك ) الدال على أن عملك لا يقوم به من هو أفضل
منك ، ب: " أصله عربي : ما حَكّ جلدك غير ظُفرك " .
٭ مرتكز السياق .
من منطلق أن تأويل النصوص يتوقف على معرفة سياقها ، بما يكوّنه من أحداث
و شخصيات و زمان و مكان ، حاول المؤلف وضع قارئه في عمق سياق بعض الأمثال
و الحكم و الأقوال التي استوقفته . ومن ذلك تأويل عبارة ( الله يعطينا شي بغلة بحل هاذي)
بوضعها في سياقها الذي يتعلق " ببغلة ضربت برأسها امرأة وهي تسقيها ، و في رواية أخرى ألقتها عن ظهرها فماتت . فجاء الرجال لتعزية الرجل في وفاة زوجته . فكان بعض الرجال يعزي قائلا : رحم الله الفقيدة ...في حين كان بعض الساخطين على زوجاتهم يقول
علنا : رحمها الله ، ويُسرّ في أذن الرجل عبارة... " هل لك أن تعيرني بغلتك عدة أيام "
أو " آه لو كانت لي بغلة مثل بغلتك " . ثم تأويل القول ( ما بْقى لِيكْ غير شْويّ د الزيت
و دِير عْشاك ) الذي قاله رجل عرف بدعابته ، " و ذات يوم اختبأ فأر تحت سريره ،
فلما لم يجد ما يرميه به لإخراجه ، رماه بأنواع مختلفة من الخضر : بصلة و فلفلة
و بطاطس ثم طماطم ، لكن الفأر لم يخرج من مخبئه ، فخاطبه قائلا : لا ينقصك بعد
هذا إلا قليل من الزيت و تهيئ عشاءك . و مما اعتُمد في تأويله على مرتكز السياق
أقوال أخرى من قبيل " ( ما وُلدتْ أنا ما ولد الذيب ) و ( ما شي فوق الهيضورة فاش
غادي تشد يديك ) و ( ها. ها إبّا جاء ) و ( واش ابو منجل اللّي بندير فالگة) ...
٭ مرتكز القصد :
يعتبر القصد عنصرا آخر من العناصر الأساسية الموجهة للفعل التأويلي ، ذلك أن محاولة
الإمساك بقصد أي متكلم هي السبيل الأنجع للوصول إلى تأويل مقبول لكلامه . ضمن هذا الإطار وظف الأستاذ بازي في تأويله جملة من العبارات الدالة على مقاصد الحكيم الميموني
و منها : القصد و المقصود و المراد و المعنى ... و من الأمثلة الدالة على ذلك تأويل عبارة
( الجماعة سافرت و جوج عادو ثْلاثة و البْعاد قْربوا) ب : " المقصود أن الشخص أصبح هرما ، فالجماعة المسافرة هي الأسنان و القدمان انضاف لهما العكاز و العينان اللتان
كانتا تريان البعيد لم تعودا تبصران إلا ما هو قريب ". و تأويل عبارة ( دير الجّبّاد فالنّصْ)
ب : " ...و المقصود : لا تترك الثقل أو العبء على أي طرف " . وتأويل عبارة (عاونْ
الفْقيه إشاَرْطْ ) ب: " و القصد هنا تسهيل المهمة أمام من يُقبِل على الزواج مثلا أو البناء ،
بمعاونته بأي وجه من الوجوه " . ثم تأويل القول ( اللي نگّى حْصَد ) ب: المراد من اهتم
بشؤونه و رعاها بلغه منها ما يريد " ...
خاتمة .
تلك هي أهم التيمات و المرتكزات التأويلية التي عنّت لنا من خلا ل قراءتنا المتسرعة جدا لكتاب الأستاذ الدكتور محمد بازي ، آملين أن تكون لنا عودة إلى هذا الكتاب مرة أخرى لدراستة دراسة أفى و أفضل ، فهو بحق عمل يحضر فيه الأستاذ بازي باحثا لغويا وناقدا وجغرافيا و مؤرخا و طوبونيميا و سيوسيولوجيا . و لولا جميع هذه الصور لما قدم رؤية وصورة حية عن القرية الميمونية في ارتباطها الوثيق بهويتها الأصلية المستمدة من منظومة القيم المغربية و الإسلامية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.