القصيدةُ المائيّة : حيْنَ دخولِ النصّ تتكاثفُ مفرداتٌ متعلّقة بالبحر – بالماء – من هنا لا بدّ من قراءة النصّ من خلال هذا المناخ المائيّ الذي تفتقرُ النصوصُ إليه . دهشةُ ( سلطعون النسك ) تأتي متزامنة مع اللغة المرنة الأنثوية التي تجيدُها أسماء . لكني أقرأُ هذا النصَّ بأشكالٍ : كأنّه كُتبَ بغير العربية , ومِنْ ثَمَّ تُرجمَ إليها , مستفيداً من تقنية الشكل والخطاب :( المصطلح المغاربي) . أعني أنّ أسماءَ تقسّمُ الكلمات على البياض من خلال معرفة الكلمة التي تريدُ أنْ تكونَ في حيّزها الذي ترومه . ثمة لازمة :( أنتظرك) مُكرَّرة في النصِّ , متقنةُ المكان . و تالياً يأتي فراغٌ أو بياضٌ مهدورٌ , وهذا ما تريدُه كلمة الانتظار الذي يستدعي فراغاً ضروريّاً . ممّا يخوّلُ المقروءَ ليكونَ هامساً أو مستحيا,ويتطلبُ من القارئ أنْ يقرأه بعينيين ( مغسولتين) , أو أنْ يؤجّلَ قراءته ل(سلطعون النسك ) إلى زمنٍ يكونُ فيه متخلياً عن التعقل , أعني أنْ يكون قارئُه قارئاً ليليّاً ,متحلياً بكثيرٍ من الإحساس بالأشياء,و بما حولَه.مع تسجيل ملاحظةٍ أنّ هذا النصّ يحتفي جليّاً ببعض ما تحتفلُ القصائدُ العربية من سطوة الاستعارة بنوعيها , هذه الاستعارة التي تأبى إلا أنْ تكونَ حاضرة في النصوص ( غالباً أيّ نصّ كان ) ضمناً : ( سلطعون النسك ) هذه القصيدة فازتْ بها الأديبة المغربية أسماء غريب في ( إيطاليا ) بالجائزة العالمية للشعر . سلطعون النسك أتراها يا سيدي هذه المسام على جلدي؟ بإبرةٍ من فضةٍ مددتُ قطرها و تحتها زرعتُ بذورَ أعشابٍ عطرية , و أخرى غريبة و جلستُ أنتظرُك ... ... أنتظرُ أنْ تفتحَ لي السماءُ أبوابها و تسقي بمائها بذوري و عندما جاء الشتاءُ و تبعه الربيعُ تفتحتْ بعروقي زهورُ الزعفران و الريحان و القرنفل و جاءَ لزيارتي: النملُ و النحلُ و الفراشاتُ و الدعاسق و جئتَ أنتَ يا سيدي ! أتراه يا سيدي هذا البحر بعيني؟ حفرت أعماقه و تحتها زرعت ذرات من رمال ثمينة و جلستُ أنتظرُك ... ... أنتظرُ أنْ يفتحَ لي البحرُ مغاراتِه و تحدثني الأمواجُ عن أسرارها و عندما جاء الشتاءُ و تبعه الربيع تفتحتْ بقلبي محاراتُ اللؤلؤ و أشجارُ المرجان و جاء لزيارتي: بلحُ البحر و الحبارُ و القنفد وسلطعون النسك و جئت انت يا سيدي! بيدي قطفت من جسدي أزهار الريحان و القرنفل و زينت بها هديتي ثم لففت خصرها بجدائل الزعفران و ثبّتُّ فوقها نجوما من اللؤلؤ و المرجان و جلست أنتظرك ... ... أنتظر ان تخيط لي بإبرك الفضية مسامي و تأخذ قبل رحيلك قرباني إليك: سلطعون نسك مخبوء داخل باقة قرنفل و ريحان و مزين بلآلئ و أغصان من المرجان