أسدل صبيحة يوم السبت 17 دجنبر 2016، الستار على فعاليات "المنتدى الثاني للقراءة والإبداع"، الذي نظمه "الراصد الوطني للنشر والقراءة" بدعم من "وزارة الثقافة" وبتنسيق مع ثلة من الجمعيات والمؤسسات النشيطة بمراكش، بن جرير، تارودانت، آيت ملول (أكادير)، وذلك تحت شعار: "القراءة نافذة الذات على العالم"، من 14 إلى 17 دجنبر 2016، حيث أكد "رونق" مرة أخرى على سعيه الدؤوب في الانفتاح على مختلف المهتمين من مبدعين ونقاد وإعلاميين وجمعويين وتلاميذ وأساتذة، من أجل إيجاد حلول وبدائل لإشكالية القراءة بالمغرب. في ضيافة مراكش: احتضنت مكتبة آفاق بمراكش، افتتاح فعاليات "المنتدى الثاني للقراءة والإبداع" الذي نظمه "الراصد الوطني للنشر والقراءة" مساء يوم الجمعة 14 دجنبر 2016، بندوة: «تمثل المرأة في الرواية المغربية: رواية "نوميديا" للروائي طارق بكاري نموذجا»، بتنسيق مع مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال. وقد عرفت الندوة مساهمة الباحث عبد الرزاق المصباحي (الصويرة) بورقة نقدية تطرق فيها إلى مقارنة بين روايتي "نوميديا" لطارق بكاري و"الملهمات" لفاتحة مرشد، حيث اعتبر إدريس (بطل الملهمات) ومراد (بطل نوميديا) ساردين يتحكمان في أصواتية الروايتين ويجسدان تمثلا سالبا عن المرأة، الأول (إدريس) باستغلالها لتحقيق إلهام إبداعي كما جاء في علاقته بالكاتبة الناشئة ياسمين وما يطبعها من حضور قوي لمنطق الفحولة، والثاني (مراد) في الإغواء الشهرياري الذي يخفي شرخا سيكولوجيا هائلا، وهذا ما نجده في المذكرات التي تركتها خولة (حبيبة مراد)، وما يطبع علاقتهما من إذاية وتجبر فمراد ظفر بخولة واستغلها بمسميات الثقافة والحب والأستاذية. ويضيف الباحث عبد الرزاق المصباحي أن منطق الفحولة يتعطل في علاقة البطلين بالمرأة الغربية من خلال علاقة إدريس برجينا في "الملهمات" التي تعكس انتماء رجينا إلى ثقافة غربية متحررة قائمة على المساواة، وعلاقة مراد بجوليا في "نوميديا" التي تمكنت من استغلال مراد تحت غطاء الحب. وفي مقاربته لتمثل المرأة في رواية "نوميديا" للروائي طارق بكاري، تحدث الباحث سعيد موزون عن شخصية المرأة وعلاقتها بالشخصية المحورية مراد، من خلال تجاذبات الشخصيتيْن واندماجهما لتفصحا معا عن الإشكالات والتعقيدات والتناقضات القابعة في الذات الإنسانية، والتشكل المعماري للشخصية وتعالقها مع المرجع الواقعي، علاقة يهيمن عليها خطاب الذاكرة والألم حيث ميز الباحث في هذا الصدد بين ألمين: الألم النفسي مأتاه الأول ذكرى الأم الغائبة وجدانيا وجسديا؛ باعتبارها السببَ الأكبر لانكسار ذات الشخصية المحورية وإحساسِها بالعزلة النفسية الأبدية، والألم الجسدي المتمثل في ذكرى جسد مراد نفسِه، وتضايقه من شكله وجسده، ومقته له حتى وهو يتأمل ذاته في لحظات التماهي الحميمية والتحامه بالمرأة العشيقة/العاشقة. إضافة إلى علاقة اللاتوازن العاطفي المضمر بين الشخصية المحورية ونساء الرواية والذي يتجسد في: حب خولة، حب نضال، حب جوليا، حب نوميديا. وتعبر الرواية حسب - الباحث سعيد موزون - انفتاح على عوالم متعددة، وتتبنى التجريب كاستراتيجية نصية تقوم على البحث عن صيغ جديدة في القصّ واستحداث أشكال مبتكرة في الحكي. وفي كلمة بالمناسبة شكر الروائي طارق بكاري الراصد الوطني للنشر والقراءة ومؤسسة آفاق على الاحتفاء بروايته "نوميديا" كما حيى الحضور الذي لبى الدعوة، ثم تحدث عن تجربته الروائية وعن العوامل المؤثرة في أحداثها، كما تحدث عن وصول روايته إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر لسنة 2016، وكذا حصولها على جائزة المغرب للكتاب في السنة نفسها، ما ساهم في إشعاع الرواية وتوسيع قاعدة قرائها. ثم فتح باب النقاش أمام الحضور النوعي الذي ساهم في إغناء موضوع الندوة، واختتمت الندوة بتوقيع الرواية "نوميديا" على إيقاع الصور التذكارية. في ضيافة بن جرير: استمرت فعاليات المنتدى الثاني للقراءة والإبداع صبيحة يوم الخميس 15 دجنبر 2016، بورشتين في الكتابة القصصية لفائدة تلاميذ ثانويتي صالح السرغيني التأهيلية والمنصور الذهبي الإعدادية، انطلقت الورشتان اللتان أطرهما القاصان رشيد شباري وفاطمة الزهراء المرابط، بكلمة ترحيبية باسم إدارة المؤسسة المستضيفة ل"رونق المغرب"، والتنويه بالجهود التي يقوم بها في إطار التشجيع على القراءة والتنقيب على المواهب الشابة بالمؤسسات التعليمية. وقد قام المؤطران بتقسيم الورشة إلى مرحلتين: الأولى ذات طابع نظري، تطرقا فيها إلى مفهوم القصة، تعريفها، خصائصها وتقنيات كتابتها، مستعينين بمقطع حكائي من "ألف ليلة وليلة"، وفي المرحلة الثانية تمت دعوة التلاميذ إلى اختيار أحداث وقضايا معينة في خطاطة سردية قبل تحويلها إلى نصوص قصصية، وقد اختتم المؤطران الورشتين بتزويد مكتبة المؤسستين بمنشورات "الراصد الوطني للنشر والقراءة". وفي مساء اليوم نفسه، نظم "الراصد الوطني للنشر والقراءة" بثانوية صالح السرغيني التأهيلية ندوة: "التكنولوجيا في خدمة القراءة"، استهلها التلميذ عبد الكبير مسرور بكلمة ترحيبية بالراصد الوطني للنشر والقراءة وأساتذة وتلامذة المؤسسة، مشيرا إلى دواعي طرح هذا الموضوع للنقاش، ثم أعطى الكلمة للتلميذ إبراهيم زريق الذي تحدث في ورقته عن دور التكنولوجيا في حل بعض المشاكل التعليمية المعاصرة، تأثير التكنولوجيا على المردود المعرفي، تطبيقات عملية لاستعمال التكنولوجيا في التعليم والتحسيس بالقراءة، توصيات لتطوير الثقافة التكنولوجية على المستوى التربوي التعليمي، مستشهدا ببعض النماذج والصور. وفي ورقة حول "التكنولوجيا في خدمة القراءة" تحدثت الأستاذة فاطمة الزهراء المرابط عن مفهوم القراءة من منظور "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، باعتبارها رافعة أساسية للانتقال إلى مجتمع المعرفة، والانتقال بالمتلقي العادي إلى المتلقي العارف بآليات تحليل الخطاب وتأويله. كما تحدثت عن قدرة التكنولوجيا على تنمية مهارات القراءة والرفعِ من منسوب الذكاء لدى الإنسان ليكون قادرا على إنجاز الفعل القرائي التأويلي، مشيرة إلى التحدي الذي يعيق الاستثمارَ الجيد لوسائل التكنولوجيا في ترسيخ القراءة نظرا للإغراءات المتعددة التي توفرها هذه الوسائل في تكريس الابتذال في غياب المواكبة التربوية الموجهة، واختتمت ورقتها بالمساهمة الفعالة التي تحققها المواقع والمجلات الإلكترونية والكتاب الرقمي، من أجل ترسيخ فعل القراءة أمام إكراهات انتشار النشر الورقي، داعية الناشئة إلى ضرورة الاستثمار الجيد للوسائل التكنولوجية. وفي السياق نفسه، أشار الأستاذ عبد الغفور خوى في ورقته إلى ضرورة الاستعمال الجيد لمختلف الوسائل الإلكترونية من طرف الفئة الشابة وكذا ضرورة المتابعة من طرف الأسرة والمؤسسة التعليمية من أجل توجيه الناشئة للاستعمال الجيد لهذه الوسائل التي لها جوانب سلبية إلى جانب إيجابيتها، كما اعتبرها وسيلة ناجحة لتحقيق المعرفة في غياب مكتبات مدرسية وعمومية بالمدينة. وبعد الاستماع للأوراق، فتح النقاش أمام التلاميذ والأساتذة، الذين ساهموا بأفكارهم وتساؤلاتهم في إغناء محاور الندوة التي اختتمت بتوصيات للمؤسسة من أجل تحقيق فعل القراءة. في ضيافة تارودانت: وفي مساء يوم الجمعة 16 دجنبر 2016، استضافت الخزانة البلدية بتارودانت ثلة من المبدعين والنقاد والمهتمين بالشأن الثقافي لمواكبة فعاليات ندوة: «نحو تجديد القراءة لشعرنا القديم من خلال كتاب: "آليات الهزل وخصائصه في شعر المقلين في العصر العباسي للباحث عبد الكريم الفزني» التي نظمها "الراصد الوطني للنشر والقراءة"، بتنسيق مع "جمعية مبدعي ابن سليمان الروداني". وقد عرفت الندوة مشاركة الباحث الشريف آيت البشير بورقة اعتبر فيها الكتاب دعوة لإعادة كتابة التاريخ العربي الوسيط عن طريق الانصات إلى آنات المستضعفين، إذ يرسم الكتاب مجموعة من المفارقات بين الشعر المشهور والمنسي، فالأول نخبوي تتذوقه الخاصة في حضرة الحكام، أما الثاني فهو موجه إلى الفئة العريضة التي تعاني من الفاقة والتهميش، مشيرا أن الباحث الفزني من خلال كتابه يحمل النقد العربي قسطا من المسؤولية تجاه هذه الوضعية حين أهمل هذا الصنف من الشعر ولم يلتفت إليه، معتبرا الكتاب نوعا من الاعتراف بإبداعية شعر المقلين الصفة التي كانت مفروضة عليهم لأسباب خارج مدار الشعرية هو عمل أيضا فيه التفاف إلى الظل والمنسي. وتحدث الباحث بوبكر برزوق في ورقته عن تنوع المصادر التي اعتمد عليها الكاتب عبد الكريم الفزني في كتابه من مصنفات ونوادر ومجاميع وفهارس وكتب الطبقات القديم منها والحديث. ثم قدم قراءة في فصول الكتاب، الذي تناول في فصله الأول إشكالية الشعراء المقلين، معرفا المقل ومميزا بينه وبين المشهور، باحثا عن أسباب ذكرهم من عدمه. في حين ركز الكاتب في الفصل الثاني على مفهوم السخرية وأنواعها وتحديد وسائلها تنظيرا وتطبيقا، كما تضمن الكتاب مفهوم الهجاء وعلاقته بالضحك والهزل وآلياته في توليد الضحك في شعر المقلين، من قبيل: إظهار العيوب الخِلقية والخُلقية، والتعريض، والتصوير الكاريكاتوري، وأبرز علاقته بالضحك والهزل، وجلاه في شعر المقلين، أما الفصل الثالث فقد أفرده الكاتب للحديث عن خصائص الهزل والضحك في شعر المقلين. وبعد الاستماع إلى المداخلتين، أعطيت الكلمة للباحث عبد الكريم الفزني، شكر فيها "الراصد الوطني للنشر والقراءة" على إخراج الكتاب للوجود والاحتفاء به نقديا، كما شكر جمعية مبدعي ابن سليمان الروداني على الاستضافة وحيى الحضور الذي يشاركه لحظة الاحتفاء بكتابه "آليات الهزل وخصائصه في شعر المقلين في العصر العباسي"، ثم عن دواعي تأليف هذا الكتاب الذي يتمناه منطلقا لدراسات أخرى في هذا الموضوع لأنه يستحق المزيد من البحث والمقاربة، ثم فتح باب النقاش أمام الحضور النوعي الذين ساهموا بأفكارهم وتساؤلاتهم في إغناء الندوة. واختتمت الندوة التي عرفت حضورا نوعيا من مبدعين ونقاد وإعلاميين وأساتذة وطلبة وتلاميذ بتوقيع كتاب: "آليات الهزل وخصائصه في شعر المقلين في العصر العباسي" للباحث عبد الكريم الفزني. في ضيافة انزكان آيت ملول (أكادير): اختتمت فعاليات "المنتدى الثاني للقراءة والإبداع" صبيحة يوم السبت 17 دجنبر 2016 بثانوية المجد أزرو التأهيلية (انزكان آيت ملولأكادير) بعرض حول تجربة الراصد الوطني للنشر والقراءة في مجالي النشر والقراءة بمشاركة الأستاذ رشيد شباري، تلاه توقيع المجموعة القصصية "ماذا تحكي أيها البحر...؟" للكاتبة فاطمة الزهراء المرابط. وقد ساهم في تقديم المجموعة الباحث الحسين أخليفة بورقة أشار فيها إلى عتبات المجموعة ونصوصها الموازية التي تتقاسم عوالمها الدلالية والتخييلية: الذات السردية، والكتابة، والبحر، وتتبع الوشائج والعلاقات التي تنسجها الذوات السردية، بما يحيط بها من أصوات سردية ومواقف يومية وحوادث مؤرقة مثل: المدينة، والبحر، والإدارة، والدين، والسفر، والإبداع، والعلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة وغيرها. كما تحدث عن السمات والخصائص الجمالية لنصوص المجموعة منها: التكثيف والإيجاز والشحن الدلالي، غنية بحزم خصيبة من المعاني والدلالات والصور والاستيهامات، واختتم ورقته بالحديث عن نجاح الكاتبة في اقتناص تفاصيل حياتنا المعاصرة وتلامس جملة من سراديبها المظلمة، وتصوغها في لوحات فنية وصور سردية بديعة، جديرة بالقراءة والتأمل. وحول المجموعة نفسها، استهل الأستاذ محمد أيت عبدي ورقته بالحديث عن خصائص الخطاب السردي النسائي الذي تعد قراءته مغامرة ممتعة وشاقة، نظرا لتنوع التقنيات الموظفة كالحوار والحلم والاسقاط واعتماد القناع، ثم قدم قراءة في عنوان المجموعة الذي جاء على شكل سؤال غير مكتمل متبوع بنقط الحذف مما يحيل على تناسل الأسئلة، كما تناول في ورقته حضور مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها على القارئ، فهي أسئلة تسائل الواقع البئيس انطلاقا من وعي الذات المبدعة بمحيطها وتفاعلها معه. أما الباحث جامع هرباط فقد ساهم بورقة نقدية تحدث فيها عن نجاح الكاتبة في التعبير عن الجوانب النفسية والوجدانية للأنثى، خصوصا وأن الكتابة ظلت في الأدب المغربي حكرا على الرجل وكثيرا ما تميط العين عن معاناة المرأة وتطلعاتها بشتى مستوياتها، متسائلا عن مدى قدرة الأدب الذكوري في بلوغ مقاصد الأنثى وولوج عوالمها الخفية، وأن يترصد صمتها وأحلامَها، فمن هذا المنطلق تستمد المجموعة "ماذا تحكي أيها البحر..؟" أهميتها في عوالم السرد والسردُ النسائي تحديدا. كما تطرق في ورقته إلى البناء السردي في المجموعة الذي جاء متوازيا ومتناظرا في أحيان كثيرة، وذلك بتناول المستويات التالية: تيمة السؤال، تقابل الأنثى والرجل، التقابل اللغوي، البعد الاجتماعي والمرجعي، التناص والكتابة، تقابل الذات والأمكنة. وبعد الاستماع إلى الأوراق النقدية تناولت القاصة فاطمة الزهراء المرابط الكلمة للحديث عن تجربتها الإبداعية، ثم فتح النقاش أمام الأساتذة والتلاميذ الذين سجلوا حضورهم للاحتفاء بالمجموعة القصصية "ماذا تحكي أيها البحر...؟". وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأنشطة تندرج ضمن الأيام الثقافية التي نظمها نادي القراءة والإبداع بالثانوية أيام 15، 16، 17 دجنبر 2016، تحت شعار: "القراءة نافذة الذات على العالم". وبذلك يكون "الراصد الوطني للنشر والقراءة" قد ساهم وأوفى بما يملكه من إمكانات على تواضعها، بتحريك وخلخلة بعض القضايا ذات الصلة بالقراءة، منبها إلى ضرورة الانتباه إليها باعتبارها المدخل الوحيد لردم الهوة العميقة الفاصلة بيننا وبين مجتمع المعرفة الذي نطمح إلى الانتقال إليه، مع وعيه الأكيد أن ذلك لن يتحقق إلا بمساهمة كل المعنيين، مع ضرورة توفر الإرادة السياسية والقطع مع سياسة التضبيع والتدجين والتسطيح الراهنة.