المسرح والتأريخ والاستطلاع الصحفي: يعتبر التأريخ والتدوين فن من الفنون التي عرفتها الأمم القديمة والوسطى وطوره المؤرخون عبر التاريخ الحديث والمعاصر؛ إذ يقع على عاتق المؤرخ مسؤولية الوثيقة ودراستها وتحليلها ومقارنتها، هذه الوثيقة التي قد تنسخها وثيقة أخرى أو تتكامل معها أو تصحح وتقوم بعض من مسارها ما دام الاكتشاف متواصلا، ويندرج في هذا الإطار تحقيق الوثيقة من خلال آليات علمية؛ لذا من مسؤولية المؤرخ أن يتميز بالصدق والأمانة والقرب الزمني، ويمتلك في الوقت نفسه منهجاً علمياً يترجم من خلاله الأحداث والأفكار والتطورات لكتابة التاريخ بمرجعيات مشرعة على التطوير والتحديث، من هذا المنطلق أرى أن مهمة المؤرخ والمدون في جانب معين تلتقي مع مهمة الذي يقوم بها الاستطلاع، سيما والمؤرخ والمدون يعودا إلى الشهادات الشفاهية والعينية، ويشتغلا على الوثيقة عبر عملية تجميع المعطيات بل والعينات الأمر الذي يتطلب مهارة وتحديقا بالغين له أدلته ومرتكزاته، كما أن المشترك بين المستطلع والمؤرخ هو أخد مسافة من الحدث لتجميع المعطيات، وأظن أن المسافة التأسيسية لهذا المهرجان ووثائقه المتوفرة ورصيده المعرفي والإعلامي تعطي شرعية للمؤرخ المسرحي والمستطلع لتناوله ورصده من خلال تقطيع سيميائي أو قل مشهدي بلقطات وإيحاءات وترابطات وبناء داخلي منطقي يحكي ويسرد الحدث عبر كرونولوجية وتقنية تقطيعية تجزيئية لأن الاستطلاع يعد وحدة متكاملة بأجزاء مفككة لها تكاملية بنيوية تأريخية مستلهمة من محطات تاريخية، وعليه فمهرجان المسرح العربي في سيرورته وسيرته مشروع عربي كبير يدعم المسرح العربي ككل، هذا المسرح الذي يعيش نهضته الجديدة مع الهيئة العربية للمسرح ويحتاج لمقاربة المؤرخ المدون للقبض على فحواه وفلسفته عبر مادة استطلاعية لقراءة الدورة 14 لمهرجان المسرح العربي الذي أقيم ببغداد جمهورية العراق، ليست كدورة منعزلة، بل كدورة لها علاقة بالمحطات التي سبقتها زمانيا ومكانيا، والمحطات المقبلة على مستوى التاريخ القريب ومن خلال الحقب السالفة التي تسائل فيها الباحث والناقد والممارس المسرحي لماذا كان هذا التأخير أو التأخر على مستوى الحضور الوازن وعلى مستويات أخرى، وما هي مرجعياته وأسبابه، ولماذا تقدم وتطور الآخر وبقينا في مكاننا رغم تراثنا وإرثنا البشري؟ !، لكون مسؤولية المؤرخ والمدون والمستطلع، أكبر من وصف وأقرب من وصف الأحداث والمجريات الاستعدادية والتنظيمية ومعها المجريات اليومية والراهنية بأسلوب سرد يصور ويقرب المعنى لتصبح الأخبار قصة ورواية تقدم للمتلقي شريطا يتابع المشهد الآني ويعود بك إلى الخلف تم يمضي بك إلى الأمام، لغاية بناء جملة سردية استطلاعية تخدم الحدث البارز في الوطن العربي حاليا والمتمثل في "مهرجان المسرح العربي" الذي يعتبر أكبر من مناسبة إحتفائية في الزمان والمكان، لكونه مشروع عربي يبحث عن هويته وتأصيله وتخاطبه مع التراث المسرحي عبر العالم؛ وقد بدأت هذه المعالم تظهر للعيان. مهمة المؤرخ المسرحي: يعتبر ميلاد هذا المهرجان إعلان عن مولود جد شرعي، يصل الآن إلى عمر اليفاعة 16 سنة وهو مستمر في مراحل النمو والنضج، أولا؛ لأنه جاء بعد تاريخانية، ثانيا؛ أتى بعد تجارب ومحاولات عديدة كمطلب لأهل المسرح في الوطن العربي وقد سبقته إرهاصات هنا وهناك، في هذا القطر وذاك على مستوى لقاءات عربية عن المسرح كفعل لقاء وتلاقي، كما سبقته نماذج مسرحية مثل تجربة ربيع المسرح العربي، وتجربة فرقة المسرح العربي التي ضمت فعاليات ممثلة للأقطار العربية نموذج الفرقة التي قدمت مسرحية "ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ" سنة 1985 وكانت أول وآخر تجربة من نوعها، وغيرها كثير بأشكال مختلفة، هذه المبادرات التي راكمت عدة معطيات على مستوى الفكرة والبنية والتنزيل ووضعت سؤالا كبيرا عن طبيعة الاستمرارية كيف؟ ولماذا؟ ومن؟ ومع من؟، منذ سنة 1985، بقينا ننتظر، ولمدة 24 سنة إلى سنة 2009، لتأتي اليقظة والنهضة الجديدتين للمسرح العربي مع الهيئة العربية للمسرح التي يشهد لها بديناميتها وروحها وتدعيمها للشباب المجتهد الذين أصبح مكرسا الآن، ويشهد للهيئة العربية للمسرح بدعم المبادرات المهرجانية لهواة المسرح عبر بعض الأقطاع العربية ومناداتها وأجرأتها للمسرح المدرسي ليصبح مادة مدرسية قارة في المؤسسات التعليمية بالوطن العربي، وعيا من الهيئة لدعم المشتل الذي يمد التصور والمستقبل، ودعم التأليف والدراسات النقدية وغيرها مع استمرارية وتطوير مهرجان المسرح العربي فعلا ودعما وقيادة وتوثيقا وحركية لذاكرة ودينامية المسرح العربي بمناسبة اللقاء والحوار والمؤتمرات الفكرية ولقاءات الفرجات المسرحية، وإلقاء كلمة بمناسبة اليوم العربي للمسرح، تتشرف به في كل سنة شخصية فاعلة مسرحيا على مستوى الوطن العربي، كلمة اتخذت من 10 يناير من كل سنة مناسبة مسرحية عربية لها مهمة تشخيص الوضع وتأكيد المكانة ووضع الأصبع على الجراح أو على النجاح أو على الأفق المنتظر، غير أننا نلاحظ ولحد هذه اللحظات أننا لم نلتف حول هذا اليوم العربي للمسرح، ولم نحتفي به في مسارحنا العربية، كما نحتفي باليوم العالمي للمسرح، الذي تضاء فيه المسارح عبر العالم، وتروج فيه كلمة اليوم العالمي للمسرح التي تعطى في كل سنة لفاعل مسرحي من الثقافات العالمية، هو سؤال مفتوح أمام الأقطار العربية التي مر منها قطار المسرح العربي والأخرى التي سيمر منها وغالبا سيعود إليها كما باقي الأقطار؟ !.
رصديات المؤرخ المسرحي: قدم ذ.عقيل المهدي بيان بغداد، الذي أقيم بمحاوره الخمسة وجلساته 15 عشر والذي كان موازيا مع أيام المهرجان ويمثل الشق الفكري للمهرجان وجاء البيان كالتالي: فيما يخص جلسات المؤتمر الفكري.. اليوم الأول: يوم النص وعلاقته بالمؤلف؛ إذ تم تناول قضية متى يموت المؤلف مجازا، ومتى يكون حيا بالضرورة؟ ماذا عن الكتابة المسرحية؟ ما علاقتها بالمخرج والمؤلف، وبالمؤلف المخرج في تجارب مسرحية عربية التي لها الأثر المجتمعي المطلوب. إذ لامست المداخلات في تكاملها وجدلها، أن التأليف لا يموت، بل هو باق ما بقي العرض المسرحي . اليوم الثاني: يوم الحساسيات الجديدة؛ ما بين المسرح الدرامي وما بعد الدرامي، حساسيات لها افقٌ المجايلة والمغايرة في تجارب عربية، تبحث في المحلية بوصفها هوية جمالية لها قدرة التناسج الثقافي عالميا . اليوم الثالث: يوم التفاعلية والعضوية؛ متى يكون المسرح تفاعليا مع الجمهور المشارك ومتى يكون عضويا؟ هل الجواب في المسرح الشعبي، بآفاقه المحلية بين النفي والضرورة، وصولا الى مسرح يعيش بين الناس، تنعكس فيه قضاياهم ورؤاهم، أم في مسارح وتجارب أخرى.. اليوم الرابع: يوم الصورة؛ هل يوجد مسرح من دون صورة، وهل نجد صورة مسرحية من دون فواعل أدائية؟ هل تكاملت العلاقة في مسرحنا العربي بين الدرامي والفنون البصرية؟ لماذا هيمنت الصورة وتغولت؟ ماذا عن الواقعية؟ هل تمتلك صورة منفصلة عن الواقع كتلك التي نجدها في اللاواقع؟ أسئلة واجابات تناولتها الأوراق البحثية واتفقت أنَّ المسرحَ صورة مشهدية تجمع في بنيتها السمعي والبصري والحركي. اليوم الخامس: يوم المستقبل؛ يوم للرؤى الجديدة، التي لا تنفصل عن الماضي، بل تنطلق منه الى آفاق الأسئلة الجديدة والاجابات الجمالية التي نجدها في العروض. عرف هذا اليوم تدخل تجارب نسوية متنوعة، قدمت تساؤلات، ماذا عن صورة المرأة في المسرح؟ من يرسمها؟ كيف ظهر الجندر؟ هل كان ضروريا أم متطرفا؟ متصلا أم منفصلا عن محيطهِ، ليقترح بالضرورة، عوالمَ جديدة ومؤثرة على الجمهور. إلى جانب المؤتمر الفكري كمجال أول انطلق المجال الثاني بيوم المسرح العراقي مسارات المستقبل (كتب وكتاب) وتمت قراءات وافية للكتب من حيث الفكر والأداء البحثي. ثم جاء المجال الثالث الذي يحمل عنوان: المسرح العراقي في المهجر، التأثير والأثر؛ تحدث فيه المسرحيون عن تجاربهم في المهجر وارتباطهم الجدلي بالأصول، وتلى ذلك الندوة المحكمة للمسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي، بعنوان: الخصوصية الفكرية والجمالية في التجربة المسرحية النسوية – انموذج تطبيقي على تجربة مسرحية نسوية معاصرة.
توصيات المجالات الفكرية، أفق تحقيق بين يدي المؤرخ: جاءت هذه التوصيات من خلال الجدل الذي خلقته المداخلات ولوحظ أنها متأثرة بالنظريات الغربية والتجارب الغربية، مهملة لتجاربنا العربية وإبداعانا ومجايلتنا وحساسياتنا القديمة والجديدة والمتجددة، ومهملة شيء ما للنقد والدراسات العربية التي راكمتها الخزانة العربية وأنتجها العقل العربي، لذا جاءت التوصيات من خضم التجاذب الفكري.. 1 السعي إلى حوار متواصل في الخطاب المسرحي يهدف الى خلق تثاقف تنظيري بين المفهومين الغربي والشرقي؛ 2 ينبغي على المشتغلين في الحقل المسرحي الانطلاق من مفهوم البيئة لتكوين هوية مسرحية عربية متوائمة مع الطروحات المسرحية الأجنبية؛ 3 التأكيد على مواكبة الجوانب الاجتماعية للخطاب المسرحي؛ 4 توفير الفرص المتناسبة ما بين الرجل والمرأة في مجمل تفاصيل الحركة المسرحية. ولتنزيل هذه التوصيات خرجت المؤتمرات الفكرية بمقترحات هي كالتالي: 1 ضرورة الاعلان عن مؤتمر ترعاه الهيئة العربية للمسرح، يهدف الى فك الاشتباك المفاهيمي للمصطلحات الأجنبية التي استقدمت في خطاب المسرح العربي؛ 2 تأسيس مركز عربي للدراسات والبحوث حول المسرح العربي، من شأنه أن يوثق اسهامات رواد المسرح العربي، واكمال عملية توثيق المنجز المسرحي العربي، وجمع ودراسة التنظيرات العربية المسرحية وتحقيقها، ويعنى أيضا بالترجمة من وإلى العربية واللغات الأخرى؛ 3 الاعلان عن مشروع توثيق التراث الفرجوي العربي بهدف إقامة ورش وملتقيات ومهرجانات في هذا الحقل؛ 4 الاعلان عن تأسيس منتدى داخل موقع الهيئة العربية للمسرح لإغناء الفعل المسرحي العربي. ملاحظات المؤرخ المسرحي: فعلا نعيش خلال العقدين الأخيرين مرحلة مسرحية متميزة على مستوى الوطن العربي يمكن أن ننعتها بالنهضة المسرحية، مع جل مبادرات الهيئة العربية للمسرح هذه المبادرات التي تتوج بمهرجان سنوي جوال ومتنقل للمسرح العربي والذي تنظمه وتشرف عليه وترعاه الهيئة العربية للمسرح بتنسيق مع الدولة المستضيفة، في ضيافة عاصمة عربية أو قطر عربي، وقد عشنا محطة جديدة مع الدورة 14 في عاصمة جمهورية العراقبغداد من 10 إلى 18 يناير 2024، هذا المهرجان الذي يقدم فرصة للحوار والتثاقف للباحثين والدارسين والفنانين بكل تخصصاتهم من الممثلين والمخرجين والمؤلفين والتقنيين والفنيين، ويعطي فرصة لفعاليات كل قطر على حدة لإبراز قدرتهم التنسيقية والتنظيمية، من خلال الأهداف التي سطرها والمتمثلة في المساهمة في خدمة الثقافة العربية عامة والمسرح العربي بصفة خاصة وتنفيذ أهداف الاستراتيجية العربية للتنمية المسرحية والمساهمة في إيجاد مساحات لتطوير وتنمية الإبداع المسرحي العربي والمساهمة في ترويج المنتوج المسرحي العربي الجيد وترسيخ الاحتفال باليوم العربي للمسرح (10 يناير من كل سنة) كتقليد مسرحي عربي سنوي والمساهمة في توسيع ودعم البحث العلمي المسرحي والتأليف المسرحي العربي الموجهة للكبار والصغار، إلى جانب المساهمة في خلق فرص للتكوين والتكوين المستمر للمسرحيين العرب والمساهمة في رفع مستوى المحتوى المسرحي العربي من خلال النشر والتوثيق وتبادل التجارب والخبرات بين المسرحيين العرب ومع نظرائهم بمختلف المناطق وتمكين المسرحيين العرب بالمهجر من الاندماج في الدينامية التي يعرفها المسرح العربي والانفتاح على التجارب المسرحية العالمية وتقريب المسافة بينها وبين المسرح العربي وإعطاء الفرصة للبلدان العربية للاستفادة من التظاهرة لخلق دينامية جديدة ومتجددة في المجال المسرحي الوطني. تميز مهرجان المسرح العربي ببغداد بحضور 136 فنانا واكاديميا يساهمون بالمحاور الفكرية! أما بالنسبة للجلسات النقدية فقد كان جديد بغداد تأسيس "الاستوديو التحليلي"، الذي اوكلت إدارته للفنان حاتم عودة، وهي طريقة جديدة تختصر الزمن وتقدم بطريقة تقنية كأنه برنامج تلفزيوني قابل لإعادة المشاهدة؛ إذ يتم استضافة ناقدين متخصصين بالإضافة لمؤلف ومخرج كل عرض مسرحي على حدة، لتقديم وجهات نظرهم أو مناقشة ما يطرحه النقاد وهذا يفسح المجال لأكبر عدد ممكن ممن يتلقون منجز هذا الأستوديو. يضاف إلى جديد هذه الدورة نوعية العروض المسرحية الجديدة وما تقدمه من طرح جديد في العديد من المجالات الجمالية سواء على مستوى النص أو السينوغرافيا أو الاخراج، والتي تضاف إلى التراكم المعرفي بدلالاته الجمالية لمجمل حركة وحركية المسرح العربي. مهرجان المسرح العربي ببغداد راهن على عدة مستويات تنظيمية ولوجستيكية وإبداعية، صرح في شأنها، الأستاذ طه رشيد في النشرة الخاصة بالمهرجان أن الدورة 14 تأتي تقديرا للدور التاريخي الحضاري الكبير لبغداد، حيث وصل عدد كتب العراقيين التي أصدرتها الهيئة على شرف المهرجان، بحدود عشرين مؤلفا تدور جميعها حول الفن المسرحي بجوانبه المختلفة،. ولأول مرة تشارك دولتان في هذا المهرجان وهما جيبوتي والصومال ليصل عدد الدول العربية المشاركة إلى 21 دولة ! (ملاحظة غابت السودان بسبب حربها الداخلية) ونتيجة لضخامة البرنامج المعد لهذه الدورة فقد زادت عدد أيام المهرجان ليومين آخرين لاستيعاب كل فقرات البرنامج، وكان الرد عن الغياب لفرقة السودان من طرف حافظ السر وديناموا المؤتمرات الفكرية والمكلف بالنشر في الهيئة العربي للمسرح ورئيس لجنة اختيار العروض، الدكتور يوسف العيدابي، كالتالي: "رغم ويلات الحرب الطاحنة في وطن مجروح الكرامة كوطني السودان، إلا أن النزوح القسري دفع بالمسرحيين إلى تلمس الطريق الوطني إلى آخر النفق حيث اشعاع الحرية، فلقد سارع المسرحيون إلى سعي فني ضروري لإبعاد الفضاءات العمومية من سطوة العسكر ولهاث الموت وذلك بالمضي قدماً في انجاز أعمال مسرحية وفنية وتكاملية بين المبدعين النازحين تحت شعار (نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً).. فتغنوا بالوطن ومسرحوا حالات ألم وأمل وأمعنوا في الظهور في شوارع البلاد على جراحاتها ونحيب بعضها وتشظي بعضها الآخر، هذا السعي الفني وجد صداه بحركة المجتمع نحوه والتعاطي الايجابي معه رغم ازيز الرصاص وانفجار القنابل وانهيار الجدران والمباني بين حين وحين. في الشرق مثل الغرب، وفي الغرب مثل الشمال، وفي الشمال قبل الجنوب، وفي الجنوب والاتجاه الآخر قدمت عروض مسرح متفاعل تفاعلي، بل وذهبت العروض إلى مراكز إيواء النازحين إلى المدارس الخاوية من تلاميذها المكتظة بالجرحى والمرضى من نازحين من مناطق غير مأمونة، لقد أفسح المسرح للتعددية والتنوع، للمشارب المختلفة وللمشارق أن تعبر بلغاتها عن حكاية الحرب والسلام، عن حكاية الحياة والخراب، عن حكاية الموت والشوق إلى الحياة.. الأشهر القاسية الكئيبة بدأت تكتسي، وهي (متشائلة) بشبه ابتسامة ما، مثل لهفة إلى وقت لا يأتي بعد، إلى شمس بعيدة في الخيال، لا شمس رابعة النهار القاسية، حبالها المسرحية ككل بائس لا أكثر.. يا أهل المسرح العربي نعتذر عن حضور أفراحكم، ولكن
دعونا بعيونكم نشاهد عروض كل ليلة من مهرجان المسرح العربي في دورته التي نغيب عنها لأسباب حربية لا أكثر، فأنتم أشقاء الروح، ونحن بحبكم نكون". هي مرحلة مسرحنا وبكل هذا الاسهام أراها أنها تمثل نهضة جديدة ومتجددة ومجددة للمسرح العربي من خلال نوعية الإشكاليات والأسئلة والفرضيات والخلافات والتوافقات التي تطرحها وحتى من خلال أنواع النقد الممارس من داخل المهرجان ومن خارجه عبر الوطن العربي وخارج الوطن العربي، إلى جانب دراسات ورصديات التي بدأت تصحح فيها الكثير من الفرضيات من خلال نوع العروض وقوتها وفارقها الإبداعي بفضل المنافسة وتقديم صورة مسارح العرب أمام مبدعي العرب، ومن خلال القراءات النقدية والدراسات والتآليف التي ترصد تاريخ المسرح في كل قطر عربي على حدة، وهي معطيات تقترح نفسها على الجيل المقبل لتفكيكها ودراستها وتحقيقها نحو كتاب جديد أو قل تأريخ جديد للمسرح العربي وعن المسرح عند العرب والمسرح في الوطن العربي امتدادات ومدارس واتجاهات وتعالقات، للتأصيل الفاعل والمتفاعل للمسرح العربي مع المسرح في العالم بين الجذور والحفريات، من منطلق الحوار مع المسرح العربي فعلا وتفاعلا ومكانا وزمانا وأثرا ومأثورا؛ إذ أصبح للعالم العربي عبر تاريخ الممارسة المسرحية جيل مارس المسرح بشكل تلقائي وكان التأثير والتأثر وجيل درس المسرح واعتمد الممارسة الأولى كأرضية انطلاق وجاءت نظرية قتل الأب، وجيل جمع بين تاريخ الممارسة المسرحية والممارسة المسرحية الفعلية وبعدها جاءت مرحلة الدراسة المسرحية وحساسيتها الجديدة التي تتجدد عبر مراحل وهنا تكمن حياة المسرح، ونعني بالممارسة الفعل داخل المسرح وبالمسرح وللمسرح، تأليفا وإخراجا وتشخيصا ودراسة وتنظيرا واجتهادا فنيا وتقنيا وحتى عمرانيا، من خلال مراحل التطوير والتحديث والتلاقح الثقافي، وهي المرحلة التي وضعت فيها المحاور الخمس للمؤتمرات الفكرية ببغداد، وخرجت بتوصيات عنوانها أننا فعلا خرجنا من مرحلة التبعية والتلمذة ونحن على أهبة قيادة القاطرة، في انتظار تأسيس مهرجان المسرح الدولي، تشارك فيه كل الدول بعد الاقصائيات القارية.. وثائق المؤرخ المسرحي، تساند فرضية نهضة المسرح العربي: عبر كلمة دالة وموجه ومشخصة لأدوار الهيئة العربي للمسرح، صرح الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، ذ.إسماعيل عبد الله، في افتتاح هذا العرس المسرحي العربي الكبير، "اليوم في بغداد نرفع راية المسرح انتصاراً للجمال والحق والخير، انتصارا للحياة في مواجهة الموت، ولنعلن جدارتنا بالحياة والإبداع، فروح العروبة المبدعة حية لا تموت رغم كل من يريد لها أن تندثر"، وزاد في ترافعه "الحق لا يتجزأ بل يتكامل، تماماً كما هو تاريخنا ومصيرنا، والمسرح ظل على مدار الحقب والفترات وفياً وصامداً، أوليس الإبداع طريقنا لإحداث الفارقة، فالمسرح إذن ليس بوصلة فقط بل هو السالكون والطريق، وهو لا ينتصر فقط للحق والخير والجمال لأننا في لحظة تاريخية معينة كالتي نعيش، بل هو دوماً يصنع الوعي الذي يحاكم ما مضى من التاريخ وما نعيش من التاريخ، ويصنع القادم من التاريخ". في نفس اللحظة والمكان، خشبة مسرح الافتتاح، وقفت نضال الأشقر التي اعتادت أن تتبادل العشق مع الخشبات وتتناغم مع كاشفات الضوء والإنارة، لتعلن حياة المسرح من خلال كلمتها بمناسبة اليوم العربي للمسرح، وجاءت كلمتها وكأنها جوابا وردا وتناغما مع كلمة الافتتاح للسيد الأمين العام، "إنه زمن التحولات والحصارات وحروب التصفية والإلغاء..وسط هذا كله، وسط هذه الفوضى العارمة، وسط كل هذا الدمار، وسط هذا القتل والفساد، ومع كل ما يجري من حولنا من تدمير متعمّد لمدننا التاريخية الرائعة ولإنساننا وتدمير أرضنا وبحرنا وساحلنا ومدارسنا وتاريخنا وثقافتنا وذاكرتنا، وسط هذا كله نقاوم ونستمر..اليوم فهمت المسرح إلا حياةً تستبق الحياة… كيف لنا نحن المبدعون أن نشاهد المجازر والأطفال والقتلى والعائلات المدمرة والبيوت التي سُطحّت على الأرض في فلسطينوالعراقولبنانوسوريا وليبيا والسودان، وأن لا نعّبر بأعمال مسرحية وعلى مدى قرن كامل ما كنا شهوداً عليه.. ألسنا نحن مؤرخين من نوع آخر؟ ألسنا نحن مشاهدين ومسجلين للحاضر؟ ألسنا نحن ناقلين التراجيديا الإنسانية على المسرح كي تصل إلى قلوب الناس وعقولهم؟ ألسنا نحن من ينتزع الأقنعة عن كل وجه مزيف وعن كل قضية فاسدة؟" تجاوب السيد وزير الثقافة والسياحة والآثار جمهورية العراق، أ. د . أحمد فكاك البدراني بدوره مع هذه الكلمات الدالة والموجه للمعنى بمناسبة الحدث، وصرح "يعد المسرح مدرسة حياة متكاملة في جميع جنباتها ومن كل الزوايا، إذ أنه يبدأ بالمجتمع ليتبنى ظواهره الإيجابية والسلبية ويضعها تحت المجهر، بغية إيجاد الحلول للمشاكل والتحديات، أو زرع القيم الأصيلة وتوريثها لجيل بعد جيل، وقد ينقلها بشكل تراجيدي ودرامي أو بشكل كوميدي وساخر، لكن الهدف الأساس يبقى إيصال الرسالة للمتلقي وللمجتمع". ألسنا نحن مؤرخين من نوع آخر؟ فعلا أستاذتنا وفنانتنا ورمزنا، نضال الأشقر، نحن مؤرخين من نوع آخر ونوع مختلف، نحن مؤرخين للمسرح وبالمسرح وللمسرح ولهذا وبهذا اهتمت الأمم بالمسرح وسخرت له الطاقات وخصصت له الأموال وأغدقت عليه بكل التفاصيل، ليشكل بصمة ثقافية وفنية واقتصادية واجتماعية في ذات الوقت، فالمسرح الذي أضحك وأفرح الجمهور أبكاهم وآلمهم أيضاً وخلد أسماء مؤلفين وممثلين ومخرجين وعكس ثقافة المجتمعات، وقد أغنى هذه المنحى صوت نقيب الفنانين العراقيين الدكتور جبار جودي بترحيبه وتوجيهه "أهلاً بكم في بغداد الحضارة والابداع بعد محطات عربية عدة، يحط مهرجان المسرح العربي رحاله في بغداد الحضارة والتاريخ والإبداع، الدورة التي حرصنا على أن تكون الأكبر والمغايرة والاستثنائية شكلاً ومضموناً، ليلتئم في رحابها شمل المبدعين من صناع الجمال ورموز القوة الناعمة، في الدورة الرابعة عشر من المسرح العربي التي تقيمها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ونقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح، برعاية كريمة من لدن رئيس مجلس وزراء العراق المهندس محمد شياع السوداني، وننتهز هذه اللحظة الإبداعية الكبرى، لنرفع لمقام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أسمى آيات التهاني والتبريكات والشكر الجزيل. بهذه المعطيات يجد هذا الاستطلاع نفسه مرغما أن يقدم التحية لكل الفاعلين بتعدد مواقعهم على رأسهم ممثلي وأطر وخبراء الهيئة العربية للمسرح بكل مكوناتهم من السيد الأمين العام للهيئة الأستاذ إسماعيل عبد الله، والمستشار ودينامو المؤتمرات الفكرية الدكتور يوسف العيدابي، والمبدع والمخطط والمؤطر الأستاذ غنام غنام وباقي الأطر الإدارية والفنية والتقنية التي تتميز بورح عالية من الإنسانية والمهنية، وضمنهم الرجل الذي يؤكد أنه نقيب بالفعل والقول والعمل ومن الأكيد قد ترافع ليصل عدد المكرمين إلى 23 مبدعا وفنانا مسرحيا عراقيا، وأن يصل عدد أيام المهرجان إلى 9 أيام، وهو رهان غير سهل، لأن الرجل يفكر في أثر المهرجان في الوسط المسرحي العراقي حين المهرجان والأهم بعد المهرجان؛ إذ أن مهمة الدكتور جبار جودي كمنسق عام للمهرجان مرحلية وصفته النقابية مستمرة بل أن صفته كمسرحي وعراقي دائمة، وعليه فهو ملزم بأخلاقيات محددة، وعلى رأسها احترام الرواد والمجايلات الفنية وعدم إغضاب أو قلق فاعل مسرحي ما.. لذا من الطبيعي أن يعبر نقيب المسرحيين العراقيين د.جبار جودي عن سرورهِ كمسرحي أولاً وكنقابي ثانياً وكإداري ثالثاً بأن يُكرم 23 فنانا مسرحيا وفنانة مسرحية ضمن كوكبة من نجوم المسرح العراقي اذ لم يسبق أن كُرموا سابقاً أو بالأحرى لم يكرموا في محفل مسرحي عربي كبير مثل مهرجان المسرح العربي، وأن يتم إنصاف مسيرتهم الفنية المتميزة على صعيد التمثيل والاخراج والبحث المسرحي في بغداد وباقي المدن العراقية بالإضافة الى المهجر، ممن أثروا الحركة المسرحية وهو تكريم لمكونات فنية تمثل مجموعة من المدن العراقية بتاريخها ووهجها واسهامها التاريخي والمسرحي، وتكريم صريح للمهن المسرحية، من مؤلف ومخرج وممثل وتقني وسينوغراف وباحث مسرحي بل حتى الصحافة المسرحية ممثلة في أشخاص يجمعون بين الفنين، وهو تحفيز واعتراف وامتنان وذكاء تدبيري وتسييري من طرف السيد النقيب جبار جودي، اقنع به الطرف الرئيسي في عملية التكريم الهيئة العربية للمسرح، في بوتقة مهرجان له صفة المشروع الثقافي المسرحي العربي لكل العرب وعبر جغرافية الوطن العربي. رصديات المؤرخ المسرحي خدمة للاستطلاع: أصبحت معظم المهرجانات المسرحية والسينمائية تعان مؤخرا من إشكاليتين كبيرتين الأولى تتلخص في لجنة اختيار العروض والثانية في لجنة التحكيم، من تم أرى أن قوة مهرجان المسرح العربي في دورته 14، تتجلى في هاتين اللجنتين اللتين كانتا في مستوى الحدث، اللجنة الأولى اختارت أجود الأعمال، والثانية كان تحكيمها مهنيا بامتياز، لم يتجل ذلك على مستوى النتيجة فقط بل على مستوى التقرير والملاحظات الهامة التي قدمتها اللجنة والتي تعتبر رسالة للمستقبل انطلقت من حالات ولبوسات حالية، وفق تقرير الجهة المنظمة اختارت اللجنة العربية للمشاهدة والاختيار الأعمال 13عرضا للمسار الأول، وفي المسار الثاني والثالث 7 مسرحيات، مسار التنافس على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تميزت هذه العروض المسرحية المختارة للمهرجان بطرح أسئلة حارقة في فضاءات الحرية والعدل وحقوق الإنسان، ودافعت عن الحياة وعن الخير، حاملة رؤى فنية رفيعة ومبتكرة تناولت قضايا كونية وعربية تهز كيان العالم، وطرحت أسئلة على بُنَانا الاجتماعية، كما طرحت رؤى معاصرة لإعادة إنتاج فنوننا الشعبية وثقافاتنا بتعددها واختلافها وغناها، مسرحيات تعددت تيماتها بين الفانتازي والواقعي والتراثي تشخيصا للواقع العربي والعالمي والمحلي، مما يوحي أن عروض الدورة 14 إطلالة على العالم من خلال وعي المسرحيين العرب واشتباكهم مع المسار التاريخي لأمتهم وأوطانهم وإنسيتهم، عروض يقدم فيها المسرحيون العرب رؤاهم الجمالية والفكرية والفلسفية، فالمسرح العربي غادر المقطورة وصار يساهم في توجيه القاطرة، تشكلت لجنة المشاهدة واختيار الأعمال المسرحية المتأهلة للدورة 14 لمهرجان المسرح العربي من د. يوسف عايدابي، السودان، رئيسا، والأعضاء: مهند الهادي العراق، د. محمد خير الرفاعي الأردن، د. عبد المجيد الهواس المغرب، معز حمزة تونس، يظهر من خلال مكونات لجنة الاختيار أنها تضم الباحث والتقني والفني وغيره، والتي يترأسها عضو الهيئة العربية للمسرح الدكتور يوسف العيدابي، أن الهيئة العربي للمسرحي تدرك جيدا أن نجاح المهرجان إبداعيا وفنيا يتم في البدء من خلال هذه اللجنة، وفعلا كانت لجنة الاختيار في مستوى الحدث واختارت عروضا مسرحية رفعت الإيقاع عاليا على مستوى الإبداع وحساسياته التجريبية والتطويرية والاجتهادية نحو مسرح مخالف ومجدد ومتجدد. تقييم المستطلع استلهاما من المؤرخ: يلاحظ بالفعل والتفاعل أنها دورة صفها الانتصار للحياة باسم المسرح، دورة كما أشرنا من أهم مميزاتها لجنة اختيار العروض وبعدها تسلمت المهمة لجنة التحكيم التي كانت لجنة لطرح قضية وسؤال المسرح العربي وإبداعه ونقده، تجاوبت ضمنيا مع المبدعين والنقاد من داخل المهرجان ومن خارجه بشكل تلقائي على اختلاف وجهات النظر التي تخدم المسرح عموما وضمنيا من خلال المؤتمر الفكري الذي شخص الوضع وطالب بهوية مسرحية عربية، هذا وجاءت كلمة لجنة التحكيم في تقييمها وتقريرها الختامي مايلي: تنافس على المسار الأول فنانون أبدعوا اثني عشر عرضاً مسرحياً، وصلت المرحلة النهائية من مسابقة جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عرض عربي من العروض التي تقدمت للتنافس في العام 2023.هذا وقد تشكلت اللجنة برئاسة، أيمن زيدان. من سوريا، الأعضاء: حسام أبو عيشة من فلسطين، د. سامح مهران من مصر، علي الفلّاح من ليبيا، د. هشام زين الدين. من لبنان. وجهت لجنة التحكيم التحية لإدارة الهيئة العربية للمسرح التي وضعت ثقتها في أشخاص أعضائها، وتمنت دور الأخوة العراقيين في تنظيم هذه الدورة الهامة، وزارة الثقافة والسياحة والآثار، نقابة الفنانين العراقيين، ودائرة السينما والمسرح، وشكرت بغداد المنارة أرضاً وشعباً على الرحابة ورفعة الثقافة والخلق، وأشرت لجنة التحكيم أنها عقدت تسعة اجتماعات لمناقشة العروض المتنافسة على نيل جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ضمن المسار الأول من مسارات المهرجان، وعددها اثنتا عشر مسرحية، وهي حسب تسلسل عرضها في برنامج المهرجان، وقبل أن تضع اللجنة ملاحظاتها وتوصياتها التي ستوردها على شكل دعوات موجهة للمجتمع المسرحي وجهت تحية الاهتمام لعروض المسار الثاني والتي شهدت أيضاً عروضاً لافتة. بهجة التلقي وأشارت اللجنة أنها شاهدت وتفحصت وحللت بروح المسؤولية، كل العروض المتنافسة من أجل نيل هذه الجائزة المهمة، التي تعتبر تتويجا لمنظومة عمل في كافة المجالات التي يشهدها المهرجان، مما دفعها حسب مسؤوليتها أن تضع توصيات لمجمل العمل الذي يقوم عليه المهرجان بما فيها العروض المتنافسة وتأتي هذه التوصيات كما صرحت اللجنة من باب كون هذا المهرجان يهمنا جميعاً، ومن باب الشراكة الحقيقية والمسؤولية التاريخية تجاه مسرحنا العربي، ونبل وأهمية الفرصة التي توفرها الهيئة العربية للمسرح، لذا صرحت اللجنة أنها تأمل من المسرحيين التبصر في أن شعار "نحو مسرح جديد ومتجدد" لا يعني الانسلاخ عن مسارنا العربي ثقافة ومصيرا وهوية وانتماءً، ولا يعني بالمقابل الانغلاق عن الإرث الإنساني، ودعت المسرحيين للسعي من أجل الارتقاء إلى مستوى الاحتراف في تنفيذ المقاصد والرؤى التي يبنون عليها عروضهم والتي تقتضي أصالة المقترحات الفنية والتقنية، ومراعاة حقوق الملكية الفكرية والحقوق المجاورة، منوهة بالعروض المسرحية التي قدمت حلولا مسرحية جديدة، ومنبهة للعروض التي وقعت في ضعف تطبيق تلك الأفكار بإتقان وجمالية ودعت اللجنة المسرحيين إلى العمل بشكل أكبر وأعمق على الصياغات الدراماتورجية المحكمة لنصوص عروضهم، إذ لاحظت معاناة بعض العروض من فقدان السيطرة على هذه العناصر المهمة في بناء العرض كما دعت اللجنة الهيئة العربية للمسرح إلى النظر في فتح مسار التنافس على جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أمام كل العروض التي تنفتح على نصوص غير عربية، سواءً عن طريق الاقتباس أو إعادة الكتابة، وذلك لفسح المجال أمام المسرح العربي للاشتباك مع النص غير العربي، تمامًا كما يشتبك مع مناهج أداء وإخراج جاءت من مصادر غير عربية وصارت ملكاً للإنسانية، مما سيثري المشهد ويرفع مستوى التنافس، وعليه دعت اللجنة الهيئة العربية للمسرح للاستمرار بالفكرة النبيلة التي تتلخص في تجوال هذا المهرجان بين الحواضر العربية، مما يخلق دينامية تفاعلية تجعل المهرجان رسالة متحركة تساهم في النهوض والتنمية المسرحية. وختاماً باركت اللجنة للعروض المشاركة في المهرجان بمساريه، وهي مشاركة تشكل بحد ذاتها فوزراً كبيراً، واعبرت كل من تأهل فهو فائز، خصوصاً بوجود هذا الجمهور المسرحي العراقي الذي يدهش ويفرح القلب، أشارت اللجنة أنها بعد التمحيص والتحليل الذي أولته اللجنة للعروض بعناية فائقة، والذي فرضه التنافس الشديد بين هذه العروض، تعلن العروض المترشحة في الحلقة الأضيق لنيل الجائزة وجاءت الترشيحات على النحو التالي وفق تسلسل عرضها في المهرجان: * مسرحية ثورة من الجزائر؛ * مسرحية زغنبوت من الإمارات؛ * مسرحية تكنزا قصة تودة من المغرب؛ * مسرحية حياة سعيدة من العراق. وبناء عليه قررت اللجنة في المداولات النهائية وبالإجماع منح جائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لمسرحية تكنزة قصة تودة من المغرب. محاورات المؤرخ للمستقبل: سألخص كل المهرجان في نقطة هامة أتت بها ملاحظات وتوصيات لجنة التحكيم، والمتجلية في حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وهو حكم قيمة وتقييم تجاوبت معه لجنة التحكيم بوعي تام وأدرجته كوصية تحتاج إلى قرار الجهة المنظمة، لكون هذا القرار سيطور عمل لجنة الاختيار ولجنة التحكيم معا، مع العلم أنها مهمة تحضى بالرعاية ويؤخذ بها وهي مدرجة ضمنيا في شروط المشاركة في المهرجان، ومسألة إدراجها حرفيا ستعطي السلطة للهيئة العربية للمسرح بأن تأخد قرارها وموقفها فيمن تورط في إشكالية السرقة الأدبية والفنية وفيمن لم يحترم حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والمسألة ترتبط كذلك بكل الإبداع المسرحي من التأليف مرورا بالسينوغرافيا والإخراج مرورا بالتقنيات والفنيات الأخرى ومنها الموسيقى والملابس وغيرها، وسيدعم هذا الأمر المساهمة في رفع الإيقاع عاليا بحكم الصدى الكبير الذي وصله المهرجان على عدة مستويات ومنها الجانب الإعلامي الذي كان ناجحا إلى أبعد الحدود بل تجاوز صداه كل الحدود، وهو إسهام إعلامي لإشاعة المهرجان في محيطه العربي وخارج العربي، سيما وهو مهرجان مختلف عن باقي المهرجانات العربية والعالمية بصفته التجوالية على العواصم العربية وبصفته التنقلية بين البلدان والثقافات والخصوصيات والحفريات، الأمر الذي أسس لديبلوماسية عربية مسرحية موازية فوق العادة. المؤرخ المسرحي في نظر هذا الاستطلاع الصحفي، هو كل الجمهور العربي والعواصم العربية التي مر منها المهرجان والتي سيمر منها، وهو كل الفعاليات التي ألقت كلمة اليوم العربي للمسرح وهو كل الفرق التي شاركت وكل الجمهور الذي تلقى وكل الأساتدة والباحتين الذي شاركوا في المؤتمرات الفكرية وهو كل اللجن العملية والتنظيمية وهو كل فقرات المهرجان ونشراته وتدويناته وتسجيلاته وتداولاته وهو كل أطر الهيئة العربية للمسرح وكل جهات التنسيق. هذا ونشير أن الدورة 14 لمهرجان المسرح العربي ببغداد، رفعت بالفعل والعمل الإيقاع عاليا، إلى درجة لأنه لم يعلن عن العاصمة أو الجهة العربية المقبلة التي ستحمل الدورة 15، هذه الدورة التي ستبقى أفق انتظار، مابعد التقييم والتقويم الذي ستقوم به حتما الهيئة العربية للمسرح.