في فيلمه الأخير “عفوا لم أجدكم”، الذي عرض يوم أمس ضمن العروض الخاصة خارج المسابقة الرسمية بمهرجان الجونة السينمائي، يعود المخرج الإنجليزي كين لوش إلى مواضيعه الأثيرة المتمثلة في معاناة الطبقات الكادحة والمسحوقة تحت نير الاستغلال الاقتصادي لمن هم أعلى منها طبقيا. وفي هذا الفيلم نتابع قصة أسرة فقيرة تناضل فقط من أجل حياة كريمة عادية، إذ أن رب الأسرة يقوم بتوصيل الإرساليات بعد أن اشترى سيارة جديدة يشتغل بها لحساب شركة لكن صاحب الشركة لايرحمه وعند كل تأخيرأو تغيب عن العمل، مهما كان السبب عاجلا وضروريا، يخصم منه مقادير من المال، ليصل معه بعد أن تعرض لحادث اعتداء وسرقة إلى مبالغ كبيرة لايستطيع أداءها. إضافة لهذا نتابع في الفيلم المشاكل الاجتماعية للأسرة والتي أغلبها ناتج عن مشاكل اقتصادية وعن الحالة المتواضعة لها، إذ يعاني الإبن المراهق من مشاكل دراسية ينقطع على إثرها عن الذهاب للمدرسة وفي نفس الوقت يحتقر عمل أبيه ومساره في الحياة فتنتج بين الإثنين مشادات ومشاحنات نتيجة ذلك والبنت الطفلة ذات العشر سنوات تعاني من اضطرابات في النوم وتتبول في السرير ليلا، أما الأم فتضطر للاشتغال ساعات إضافية في عمل جد مرهق ومقرف بدون مقابل مادي إضافي على تعبها ذاك. على العموم يظل كين لوش أهم مخرج معاصر يستطيع الغوص في قضايا اجتماعية لأناس طحنتهم الآلة الرأسمالية وجعلت منهم عبيدا معاصرين لايفعلون سوى الدوران في ترسانتها الهائلة ليضخوا الأموال لها ويظلوا في شقاء طوال عمرهم، وهو يفعل هذا بسلاسة وبشكل يبدو أول الأمر بسيطا لكنه عميق في نفس الوقت ، إذ نشاهد في هذا الفيلم كما كل أفلامه الأخرى شخوصا من لحم ودم أمامنا على الشاشة ونتابع معاناتهم الحقيقية دون مساحيق ولا ادعاء فني مبالغ فيه.