بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الاتحاد الأوروبي يعلن تعليق عقوبات مفروضة على قطاعات اقتصادية أساسية في سوريا    رصاصة شرطي توقف ستيني بن سليمان    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    وزير يقاتل في عدة جبهات دون تحقيق أي نصر!    فنلندا تغلق مكتب انفصاليي البوليساريو وتمنع أنشطتهم دون ترخيص مسبق    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    ائتلاف مغربي يدعو إلى مقاومة "فرنسة" التعليم وتعزيز مكانة العربية    أمن مراكش يوقف مواطنين فرنسيين    دينغ شياو بينغ وفلاديمير لينين: مدرسة واحدة في بناء الاشتراكية    المعرض الدولي للفلاحة بباريس 2025.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما في مجال الفلاحة الرقمية    إصابة نايف أكرد تقلق ريال سوسييداد    ألوان وروائح المغرب تزين "معرض باريس".. حضور لافت وتراث أصيل    انفجار يطال قنصلية روسيا بمارسيليا    البيضاء.. توقيف 5 أشخاص للاشتباه في تورطهم في السرقة باستعمال العنف    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    وزيرة الفلاحة الفرنسية: اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    الملك يأمر بنقل رئيس جماعة أصيلة إلى المستشفى العسكري بعد تدهور حالته الصحية    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    طقس بارد نسبيا في توقعات اليوم الإثنين    الداخلة تحتضن مشروعًا صحيًا ضخمًا: انطلاق أشغال بناء المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بسعة 300 سرير    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    اتحاد طنجة يسقط أمام نهضة الزمامرة بثنائية نظيفة ويواصل تراجعه في الترتيب    غياب الإنارة العمومية قرب ابن خلدون بالجديدة يثير استياء وسط السكان    قاضي التحقيق بالجديدة يباشر تحقيقًا مع عدلين في قضية استيلاء على عقار بجماعة مولاي عبد الله    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    آزمور.. مولود نقابي جديد يعزز صفوف المنظمة الديمقراطية للشغل    نقابة UMT تختم المؤتمر الوطني    قطار يدهس رجل مجهول الهوية بفاس    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    اختيار المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس يعكس جودة التعاون الثنائي (وزيرة الفلاحة الفرنسية)    ألمانيا.. فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية واليمين المتطرف يحقق اختراقا "تاريخيا"    نجوم الفن والإعلام يحتفون بالفيلم المغربي 'البطل' في دبي    الملك محمد السادس يهنئ سلطان بروناي دار السلام بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    الإمارات تكرم العمل الجمعوي بالمغرب .. وحاكم دبي يشجع "صناعة الأمل"    إسرائيل تنشر فيديو اغتيال نصر الله    مودريتش وفينيسيوس يقودان ريال مدريد لإسقاط جيرونا    لقاء تواصلي بمدينة تاونات يناقش إكراهات قانون المالية 2025    جمال بنصديق يحرز لقب "غلوري 98"    هل الحداثة ملك لأحد؟    نزار يعود بأغنية حب جديدة: «نتيا»    نجاح كبير لمهرجان ألوان الشرق في نسخته الاولى بتاوريرت    سامية ورضان: حيث يلتقي الجمال بالفكر في عالم الألوان    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنكيران يلقي الدرس الحسني الثالث أمام الملك حول ‘رعاية أمير المؤمنين'
نشر في القناة يوم 20 - 05 - 2019

ترأس الملك محمد السادس، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن، والأميران مولاي رشيد، ومولاي إسماعيل، اليوم الاثنين بالقصر الملكي بمدينة الدار البيضاء، الدرس الثالث من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.
وألقى درس اليوم بين يدي الملك محمد بنكيران، عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش، متناولا بالدرس والتحليل موضوع: "صيانة حديث الرسول الأمين برعاية أمير المؤمنين" انطلاقا من الحديث الشريف: "نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه فإنه رب حامل فقه غير فقيه".
واستهل المحاضر درسه بالتذكير بأن الأمة المغربية شهدت هذا العام، وشهد الناس حيثما بلغهم الإعلام، أن الملك أمر العلماء بإحياء برنامج أطلق عليه اسم "الدروس الحديثية لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم"، وهو برنامج دشنه الملك بعنايته وأعطى التوجيه بما يجب أن يكون عليه، حتى يؤدي مهمته في توعية الناس بعظمة الحديث وحرمته، وواجب الأمة في حمايته من الجهل والكذب والاستعمال الفاسد والمتطرف.
وأبرز المحاضر أن الملك أولى الناس بحماية هذا الحمى، وقد صارت جهات كثيرة تحاول العبث به واقتحام صرحه المتين، مشيرا إلى بعض موجبات الغيرة الدينية التي صدرت عنها هذه المبادرة الملكية، سواء فيما يتعلق بمكانة الحديث في دين الأمة، أو في ما يتعلق بالمآلات التاريخية التي أفضى إليها التعامل معه، أو بما يضطلع به البرنامج الذي ابتكره الملك من أجل تدارك التقويم بما ينبغي في هذا الموضوع من الرد إلى الجادة بإسداء النفع العميم.
وشدد محمد بنكيران على أن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لها في الدين قدر كبير، ولها عند المسلمين ما يوازي هذا القدر من الإجلال والتعظيم، وذلك اعتبارا لما لها من الخصائص المميزة والوظائف الجليلة، إذ هي معبر الوحي الواصل لأهل الأرض بالسماء، ومفتاح الاطلاع على مكنوناته وأسراره الغراء، مستشهدا بقول حسان بن عطية: "كان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن".
كما أنها، يضيف المحاضر، مصدر المعرفة الحقيقية والشاملة، بما تكشف عنه من الغيوب والحقائق والعلوم، وبما تفتح من الآفاق الواسعة للمعارف والفهوم، وهي الطريق الدالة على الله، والموصلة إليه، والهادية إلى ما أراده ودعا إليه، من المقاصد المستقيمة الكريمة، والمعاني السوية الحكيمة، كما يدل على ذلك قوله عز من قائل: "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله".
وهي، أيضا، المبينة والمفسرة للقرآن الكريم، على نحو جعل آياته ومجموع بصائره واقعا حيا يراه الناس ويعيشونه، من خلال الأقوال والأفعال والأحوال النبوية، فكانت بذلك المصدر الذي لا غناء للناس عنه، والممدة بالأحكام والتشريعات المطابقة لمراد الله، مصداقا لقوله تعالى: "وأن احكم بينهم بما أراك الله"، وقوله سبحانه: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى".
وأضاف المحاضر أن السنة النبوية هي كذلك مجمع الفضائل المزكية النفوس، والمرقية للأرواح، في معارج الطهر والصفاء، بما هي مجلى الصفات الإلهية والأسماء، وهي المعيار والمرجع للأخلاق والآداب المرضية، مصداقا لقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وهي باب الدخول إلى الحضرة الربانية.
وباتباعها، يؤكد عضو المجلس العلمي المحلي للعرائش، يتحقق القرب والحظوة من رب العالمين، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما يدخل إلى ربه من حيث أدخله الله إليه، وهو بعض معاني قوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم".
واستشهد في هذا الصدد بقول الإمام الجنيد رحمه الله: "الطرق كلها مسدودة إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتبعين سنته وطريقته، فإن طرق الخير كلها مفتوحة عليه، كما قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة".
وأوضح المحاضر أنه بهذا المقدار نظر إلى السنة عامة علماء الأمة وأعلامها، الذين ما منهم أحد إلا وهو آخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متبع لهديه وبيانه، كل في مجاله وميدانه، وفي ضوء كل هذا نفهم لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على نشر سنته، ويحض على رواية أحاديثه وآثاره، فيقول: "بلغوا عني ولو آية"، ويقول: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب".
ولفت بنكيران إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام بين كيفية هذا التبليغ وصورته وشروطه، فدعا إلى الاحتياط التام فيه، والالتزام الدقيق بالألفاظ المسموعة منه، من غير تصرف ولا اجتهاد، فقال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه: "نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه، فإنه رب حامل فقه غير فقيه"، مشيرا إلى أن الحديث صحيح مشهور، له مخارج كثيرة متعددة عن جماعة من الصحابة، منهم عمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وابن عمر وابن مسعود وأنس وابن عباس وأبو هريرة، وكثير غيرهم.
وأوضح أن قوله "نضر الله امرءا" هو دعاء منه صلى الله عليه وسلم بحسن الوجه والحال في الدنيا، والمجازاة بنعيم الجنة ونضارة أهلها في الآخرة، وهو دال على مقدار العناية بالسنة وعظم أجر المشتغل بروايتها، وأن قوله: "سمع منا حديثا فأداه عنا كما سمعه" هو القيد الذي علق به الدعاء، وهو الغاية في الضبط والتحري، "كما سمعه من غير تبديل ولا تحريف، ولا حتى أدنى تصرف يمكن أن يغير المعنى أو يوجهه توجيها ما بناء على فهم معين من الناقل الذي قد يكون فاقدا للأهلية الفقهية، أو محصلا لمستوى أقل من المبلغ، فيحول بينه وبين المعنى الصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأضاف أنه بغض النظر عما ذهب إليه بعض العلماء اعتمادا على هذا الحديث من منعهم الرواية بالمعنى، واختلاف آرائهم في ذلك، مع اتفاقهم وإجماعهم على عدم جوازها للجاهل بمعنى الكلام، وموقع الخطاب، ودلالات الألفاظ، فإن هذا الحديث هو في حقيقته تنبيه صريح منه عليه الصلاة والسلام على ضرورة ابتناء الرواية على العلم والتبصر، وعلى وجوب التفقه فيها، وتوجيه إلى التعامل مع الحديث على أساس النظر في دلالاته، واستنباط معانيه، وتدبر مقاصده ومراميه.
ولأجل ذلك، يوضح بنكيران، أقام المسلمون أمر روايتها على مبدأي الضبط والتفقه، وشددوا في ذلك بما لا مزيد عليه، وكان هذا منهم استجابة بالدرجة الأولى لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في موضوع الرواية، ثم تفاعلا مع وضعها الذي اعترته ظروف وملابسات جعلتها عرضة للكذب والافتراء في زمن مبكر نسبيا، وهو معطى لا يخلو من إيجابيات وفوائد، لأنه كان سببا في انتباه العلماء للأمر في تلك المرحلة التي كان جيل الصحابة فيها لا يزال على قيد الحياة، وهم الحلقة الرابطة بين النبي صلى الله عليه وسلم والأمة.
وظل التفقه، يورد المحاضر، معلما رئيسا من معالم الانتساب للمجال، كما كان في الصدر الأول، على اعتبار أن السنة مكون من مكونات الصناعة الفقهية، ومرتكز من مرتكزاتها، وذلك حذرا من أن يقع الاستقلال بالحديث دون الفقه.
وذكر في هذا السياق بأن أشهر من عرف بالتشدد في هذا الأمر في الأزمنة الأولى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يمنع من الإكثار من الرواية والتحديث اتقاء لمحاذير تتعلق بالتفقه بالدرجة الأولى، بحيث كان يخشى أن تصل للناس أحاديث يصعب عليهم فهمها فيحملونها على غير وجهها، أو يأخذون بظاهر لفظها في غياب ما يسدد فهمها من أحاديث أخرى.
ولفت إلى أن المرأة انخرطت بدورها في هذا الشرف، وكان لها حضور كبير، وإسهام غني ووفير، فكانت راوية حافظة، ومتفقهة وناقدة، وكان حضورها على مستوى كل الطبقات بدءا من جيل الصحابيات، ومرورا بالأجيال المتعاقبة، ووصولا إلى رواية المصنفات المشهورة والأصول المعتمدة.
وذكر المحاضر بأن المدونات الحديثة سجلت لنا سننا وأحاديث لا تعرف إلا من رواية النساء، فكانت بذلك مرجعا في موضوعها ومادتها، مشيرا إلى أنه للمرأة خاصية استثنائية في هذا المجال لم توجد في الرجال، وهي أن هؤلاء وجد فيهم المتهم والضعيف والردود، وليس في الروايات إلا الصادقات المقبولات كما قال الإمام الذهبي رحمه الله "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها".
وأكد أن المحدثين تمثلوا في اشتغالهم بالسنة أعلى درجات التحقق بالأخلاق المؤهلة للانتساب لهذا المجال الشريف، وكان الواحد منهم كما قال سفيان الثوري يتعبد عشرين سنة، ثم يكتب الحديث، مبرزا أن علاقاتهم بهذا المصدر العظيم تقوم على أساس الإجلال الكبير الذي يكنونه لصاحبها عليه الصلاة والسلام.
وأشار المحاضر إلى أن المحدثين نالوا بذلك قدرا كبيرا من الاحترام والتقدير من لدن العلماء، وكانت لهم على سائر التخصصات سبق وحظوة بينها الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه "شرف أصحاب الحديث" وفيه يذكر عن الشافعي أنه كان يقول "إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث، فكأني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حيا".
وشدد على أن هذه الصورة الرائعة للوضع الذي كانت عليه السنة الشريفة قد أعقبتها متغيرات كثيرة، اقتضت كثيرا من التطوير في إجراءات خدمتها مما تقدم ذكره، بحيث صار الاشتغال بالحديث عند أهل السنة والجماعة يسفر في كل مرحلة عن مستويات أعمق وأوسع وأنضج في البحث والتنقيد، مع الالتزام التام بالموضوعية وقواعد المنهج.
فكان أن انتقل، يضيف المحاضر، العلماء من التدوين إلى الشمولي إلى التصنيف بحسب الموضوع، الذي كان الإمام مالك أحد رواده الكبار بكتابه الموطأ الجامع بين صرامة النقد الإسنادي ودقيق النظر الفقهي الاستنباطي المؤسس على قواعد فقه أهل المدينة المنورة.
وأشار إلى أن المصنفات تكاثرت بعد ذلك في شتى الربوع آنذاك على أساس ما وقع من تأصيل وبلورة للإسناد ومزيد من ترسيخ وتقعيد لقضاياه وفروعه، ليسفر الأمر في النهاية عن مؤلفات هي أشبه بالموسوعات الضخمة الموضوعة بأبعاد استراتيجية تروم كفاية الأمة في قضايا السنة لآماد طويلة، مضيفا أن الدليل على ذلك ما صرح به الإمام مسلم رحمه الله في حق كتابه الصحيح حيث قال "لو أن أهل الإسلام يكتبون الحديث مائتي عام لكان مدارهم على هذا المسند".
وقال المحاضر إن كتب الموطأ وصحيحي البخاري ومسلم تمثل قمة الإبداع الذي تفتقت عنه عبقرية المحدثين، وهي تصنف في المراتب الأولى من مجموع كتب الحديث اعتبارا لرسوخ أصحابها وعلو كعبهم في هذا الميدان، ثم بسبب اتفاق كلمة النقاد على تصحيح ما تضمنته من الحديث.
وأبرز أن تاريخ السنة المشرفة ليدل على مدى اليقظة التي تحلى بها العلماء في دفاعهم عن هذا المصدر العظيم بالشكل المناسب والصارم، حيث كانوا يقفون بالمرصاد أمام أي تحد يقف في وجهها وأي شكل من أشكال العبث بها أو المس بقدسيتها.
وأوضح المحاضر أنه يمكن حصر هذه التحديات، من ذلك الوقت وإلى الآن، في ثلاث ظواهر رئيسة تتعلق الأولى بظاهرة الكذب والوضع والتزوير التي كانت تقف وراءها تيارات مختلفة منها الزنادقة وأعداء والدين، ومنها أهل الأهواء والنحل الخارجون عن مذهب أهل السنة والجماعة، ومنها تيار المذاهب العقدية وتيار المذاهب الفقهية وتيار التعصب للجنس أو القبيلة أو اللون، ثم سائر أصحاب الأغراض والمصالح الدنيوية والوعاظ والقصاص، مضيفا أن الروافض، وهم فرقة كانت ترفض خلافة أبي بكر وعمر، يعدون أكثر هذه التيارات كذبا في الحديث، معتبرا أن أهم الأسباب لذلك انخراط كثير من أعداء الدين في صفوفهم.
وسجل المحاضر أنه كان لكل تيار من هذه التيارات دوافع يتراوح مجملها بين الديني والمذهبي والسياسي والاجتماعي والتجاري، مبرزا، في هذا الصدد، أن الآثار والنتائج كانت خطيرة جدا، حيث وجدت أحاديث موضوعة في مختلف الموضوعات، احتاجت ولا تزال إلى نقد علمي صحيح وعميق.
وأشار إلى أن الظاهرة الثانية تتعلق بظاهرة التشكيك في السنة والتشويش على مرتبتها في الدين، وذلك من خلال الهجوم على رموز الحديث النبوي ورواته عند أهل السنة والجماعة من الصحابة خاصة كأبي هريرة وعائشة، والانتقاص من مصادر السنة الصحيحة المشهورة، ولا سيما الجامع الصحيح للإمام البخاري، والطعن في تاريخها ومناهج تدوينها، وادعاء وجود الخلل في طرائق توثيقها، مبرزا أن هذه الظاهرة لم تعرف التوقف على مر التاريخ وإلى اليوم، تبنتها في القديم تيارات مختلفة أشهرها المعتزلة، وتبنتها في العصر الحالي تيارات أخرى بعضها ينحدر من الروافض، ثم بعض التيارات التي ترفع شعار القرآنيين.
ولهذه الظاهرة، يقول المحاضر، من الآثار السيئة على السنة ما لا يقل عن السابقة، فهي تزعزع ثقة المسلمين في الحديث الشريف، وتفتح الباب على مصراعيه للمتجرئين على حرمتها، والخروج عن الجماعة فيما تعتقده من قدسيتها.
أما الظاهرة الثالثة، فقد أبرز بنكيران أنها تتعلق بالتضخيم والتحنيط واعتماد الإسناد وحده وإهمال النقد المتعلق بالمضمون، بحيث إذا صح السند وجب العمل به مطلقا، من غير مقابلة بالقرآن الكريم ولا ببقية الأحاديث أو بالقواعد الشرعية المقررة، أو بالحس أو بالتاريخ أو بغير ذلك من الأمور التي نبه عليها العلماء.
وقال، في هذا الصدد، إن ذلك ظهر على يد بعض التيارات التي حرصت على أن يكون أمر التصحيح والتضعيف في يد شخص واحد، بحيث يكون ما حكم به هو المعتمد، حتى ولو كان مخالفا لما قاله كبار الأئمة، مع أن الحكم على الأحاديث كان في جميع المراحل جماعيا، وكانت العادة أن يعرض المؤلف كتابه على عدد من شيوخ العلم وأئمته فلا يخرجه إلا بعد أن يجيزوه.
وقد كان لهذه الظاهرة، حسب المحاضر، نتائج وخيمة على وضعية الدين وأفكار المسلمين، منها التبخيس للقواعد والأصول التي سار عليها الأئمة في التعامل مع السنة، والاحتجاج بأحاديث ليس عليها العمل، وإيقاع الناس في اللبس والاضطراب جراء التعامل مع الحديث بغير فقه، وانتزاع المرجعية النقدية وما يتصل بها من المرجعية العقدية والفقهية من أصحابها الحقيقيين، ثم وجود نزعات تحزبية تفرق الأمة وتزعزع الجماعة.
ومما زاد من استفحال السلبيات المتعلقة بهذه النتائج وجودها في زمن الأنترنيت، حيث وقع استغلال العديد من المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي لبث الأفكار المنحرفة وزعزعة ثوابت الأمة بخصوص السنة النبوية.
وأمام هذا الوضع المختل، أثنى المحاضر على المشروع العلمي الرائد الذي أعطى انطلاقته أمير المؤمنين في 2 نونبر 2018، والمتمثل في برنامج "الدروس الحديثية لإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم"، الذي أوكل جلالة الملك تأطيره إلى ثلة من العلماء والمتخصصين، وأمر بأن يبث في قناة (السادسة) وعلى أمواج إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وعلى شبكة الأنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، معتبرا أن المشروع يعد سبقا في هذا المجال يواجه التحديات الراهنة بالأساليب اللائقة.
ورأى المحاضر أن أمير المؤمنين، بهذا البرنامج، يكون قد أحلل السنة محلها المعهود عنده من الإجلال والاحترام والتعظيم وبنى معالم صحوة جديدة في موضوع السنة. ومن شأن ذلك أن يرسم للعلماء في المملكة خارطة طريق للتعامل مع السنة النبوية. وخلص إلى القول إن هذا المشروع ليس إلا جزءا من نسق فكري متكامل يطبع مسار جلالته في حماية الدين وصون ثوابته ومرتكزاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.