رغم اختلافاتهم الإثنية، والثقافية واللغوية، توحد مسلمي بلجيكا خلال شهر رمضان إرادة واحدة تتمثل في إحياء قيم التسامح والتآلف والتضامن. ويعيش مسلمو بلجيكا أيام هذا الشهر الفضيل في أجواء من التقوى والتدبر، يجمعهم في ذلك هدف واحد، تطهير النفس والتقرب إلى الله. وفي سياق أوروبي يشهد تنامي التوترات الدينية وخطاب الكراهية، يشكل شهر رمضان أيضا فرصة لمسلمي بلجيكا لإظهار صورة الإسلام الوسطي والمعتدل. وهكذا، تكثف الهيئات التي تمثل المسلمين، وكذا النسيج الجمعوي في بلجيكا جهودها خلال شهر رمضان لتعزيز قيم العيش المشترك من خلال مجموعة من المبادرات. وفي هذا الإطار استقبل تجمع المسلمين في بلجيكا عشية شهر رمضان وفدا من الأئمة والمرشدين والمرشدات سيشرف على التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية خلال شهر رمضان من خلال إمامة الصلوات وإلقاء محاضرات بمختلف المساجد وأماكن العبادة الإسلامية ببلجيكا. كما ينظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، وككل سنة، ندوات وورشات لفائدة الشباب المسلم بهدف التحسيس بالقضايا المتعلقة بالدين الإسلامي. وبالإضافة إلى الواجب الديني، يشكل شهر رمضان مناسبة لإحياء تقاليد عريقة، لازالت تصارع الزمن، من أجل نقلها إلى الأجيال الصاعدة. وفي هذا السياق يحرص مغاربة بلجيكا على الاحتفال بهذه الطقوس خلال هذا الشهر الفضيل في بلد الاستقبال، يؤكدون من خلالها على تشبثهم بهويتهم الثقافية في مجتمع متعدد. وتتفنن الأسر، في جو من الفرح والبهجة، في إعداد موائد الإفطار والسحور على الطريقة المغربية التقليدية التي تذكرهم بأصولهم وتنسيهم، في نفس الوقت، غربتهم والبعد عن الأهل. ويكفي أن تقوم بجولة بسوق (بارفي سان جان باتيست) ببلدية مولينبيك لترى كيف يمكن للتنوع أن يشكل قوة بين جميع الجاليات التي تعيش في تماسك وانسجام بعيدا عن الصور التي ظلت لصيقة بهذا الحي عقب اعتداءات باريس وبروكسل. ويعرض هذا السوق، جميع المنتجات التي تميز الطبخ المغربي الأصيل خلال شهر رمضان الكريم. ويقول عبد الله الذي جاء لاقتناء بعض حاجياته من السوق، إنه يحرص على احترام التقاليد المغربية العريقة خلال شهر رمضان الكريم من خلال إعداد مائدة تضم أشهى أصناف الأطباق والمأكولات. وأضاف عبد الله (60 سنة) الذي جاء إلى بلجيكا قبل ثلاثين سنة قائلا » نحرص أيضا خلال هذا الشهر الفضيل على صلة الرحم وتعزيز الروابط بين أفراد الجالية المغربية من خلال إفطار جماعي أو بعد صلاة التراويح من أجل إحياء الليالي الرمضانية على الطريق المغربية » مؤكدا في نفس الوقت أن أجواء رمضان في المغرب « لا مثيل لها « . فمن خلال الحفاظ على هذه التقاليد، يقول عبد الله، » نريد تعزيز تشبث أطفالنا بجذورهم حتى يعيشوا هويتهم المتعددة بشكل أفضل « ، من خلال تلقينهم فضائل شهر رمضان وتحسيسهم بأبعاده الروحية وفوائده المتعددة. فعلى غرار باقي الجاليات الإسلامية المقيمة ببلجيكا، يكثف مغاربة بلجيكا خلال رمضان من أعمال الإحسان ومبادرات الخير التي تعكس روح التعاون والتماسك الذي يسود هذا الشهر الفضيل. هذا الزخم من التضامن يتجسد أيضا من خلال عمليات الإفطار الجماعي، وتوزيع وجبات بالمجان تقدمها جمعيات ومطاعم، بالإضافة إلى مبادرات لجمع التبرعات. فعلى الرغم من بعد المسافة عن بلدهم الأم، وساعات الصيام الطويلة ونمط الحياة الصعب، فإن مسلمي بلجيكا يحرصون على إحياء شهر رمضان في جو من الطمأنينة والتقوى، والتشبث بالتقاليد والإقبال على العبادات التي تكثر في هذا الشهر الفضيل.