تنتشر مؤخرا دعوات واسعة في الجزائر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاستئناف الحراك الشعبي في ذكراه الثانية يوم 22 فبراير/شباط الجاري، بعد توقف اضطراري لمدة عام تقريبًا بفعل جائحة كورونا. وقد بدأت أولى شرارات الدفع نحو تفعيل الحراك الاثنين الماضي، بتظاهرة مدينة خرّاطة (200 كيلومتر شرق العاصمة)، ثمّ تبعتها مسيرات أخرى الجمعة بمحافظة خنشلة (400 كيلومتر شرق جنوب العاصمة)، باعتبارهما مهد مظاهرات 22 فبراير/شباط 2019. وبحسب مراقبين، فإنّ تداعيات كورونا الاقتصادية والاجتماعية تشحن الشارع مجددا، حيث تمنح الفرصة للمعارضة للاستثمار في الاحتقان الشعبي، خاصة أن الرئيس عبدالمجيد تبون نفسه وجّه مؤخرا انتقادات متكررة لأداء الحكومة والمحافظين، بالإضافة إلى ما اعتبره الحراكيون انتكاسة عن مطالبهم في التغيير الفعلي نحو الديمقراطية، في ظل مؤشرات الوضع السياسي القائم. رسائل مشفرة وقد أخذت السلطة دعوات التظاهر هذه المرّة مأخذ الجدّ، بل إنّ قيادة المؤسسة العسكرية حذّرت الجزائريين من الخروج إلى الشارع. وفي محاولة لاستباق الموعد، أعلن الرئيس تبون حزمة قرارات وقائية لاسترضاء الغاضبين، من خلال تقرير حلّ البرلمان وتعديل الحكومة والإفراج عن عشرات السجناء من نشطاء الحراك. أما مجلة الجيش فقد بعثت برسائل مشفرة إلى مدبّري التظاهر، قائلة إنّ "البيادق ومرتزقة الأورو يتأهبون هذه المرة لمحاولة شن حملة تحريضية تدعو الجزائريين إلى التظاهر في الذكرى الثانية للحراك". بل وقامت المؤسسة العسكرية بالتنديد بجهات خارجية دون تسميتها، قائلة إن أطرافًا أجنبية تقوم بتحركات أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة ويائسة تستهدف المساس بالبلاد وزعزعة استقرارها. كما بثّ التلفزيون العمومي الأربعاء الماضي اعترافات خطيرة منسوبة لأحسن رزقان المعروف باسم "أبو الدحداح" الموقوف منذ أشهر قليلة، حول "مخططات لاستغلال الحراك الشعبي وتحويله عن سلميته، بالتواطؤ مع معارضين وهاربين في الخارج". وقد خلّف الخبر استهجانا واسعا لدى رواد الفضاء الأزرق، معتبرين إياه فبركة لتشويه الحراك وترهيب الراغبين في المشاركة بتظاهرة الاثنين المقبل. تعبئة وانقسام في غضون ذلك، تتواصل التعبئة الافتراضية لذكرى الحراك الثانية، بينما تعبر أطراف من داخله عن خيبتها في أدلجة الاحتجاج ويصفونه بالمختطف، ما يؤشر على انقسام واضح بشأن العودة إلى الشارع. ويتداول بهذا الصدد نشطاء بيانًا موقعًا باسم "منبر الجزائريين الأحرار"، جاء فيه أنّ تعليق المسيرات مع استفحال وباء كورونا ابتداء من 13مارس/آذار 2020 كان قرارا إراديا ومسؤولا، اتّخذه الحراك حفاظا على سلامة الجزائريين. وأكد المصدر أنّ "الحراك الشعبي السلمي يبقى الوسيلة المتاحة لتحقيق تغيير جذري وقطيعة نهائية مع ممارسات بالية وذهنيات الاستبداد والشمولية، لبناء دولة القانون والمؤسسات والحريات والسيّادة الشعبية الحقيقية". من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي، عبدالغني بادي أن الدعوة للخروج مجددا منطقية جدا ومعقولة ومنتظرة كذلك، لأن النظام يجتهد في إجهاض التحول السياسي المرتجى دون التفكير في الإرادة الشعبية التي رسمت تصوراتها بشكل واضح. وقال في تصريح للجزيرة نت، إنّ النظام رفض الإرادة الشعبية وقاومها بالتخوين وتوالي الاعتقالات والتضييق على الحريات، في مشهد أسوأ مما كان عليه الوضع في عهد بوتفليقة. وشدّد على أنّ هذه الممارسات خلقت غضبا عارما في نفسية الناس الذين يحضّرون للعودة بقوة للشارع، "من أجل صناعة القرار السياسي الذي ينتظره الجميع". غير أنّ رياض هويلي، مدير نشر جريدة أخبار الوطن، ظهر متحفظًا على طريقة تحريك الاحتجاجات ورموزها، حيث كتب "أمام دعوات رُسل الفيسبوك وأئمة اليُوتيوب إلى حراكٍ جديدٍ، نتساءل: هل وُقِّعتْ شهادةُ وفاة (عفوية) حراك 22 فبراير/شباط، وبالتالي قُبضَت روحه الطاهرة؟!". ثم أردف السؤال "هل يريد أبطال اللَّايفَات (البث المباشر) تدنيس الحراك السلمي النظيف العفيف من خلال دعواتهم مجهولة الأهداف؟!". الجيش يحذر من مدبري التظاهر ويتهم جهات أجنبية بالسعي للفوضى في البلاد (الجزيرة) سياق مختلف على صعيد آخر، قال نور الدين بكيس، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، إن السياق تغيّر كثيرا قياسًا بما قبل اندلاع حراك 22 فبراير/شباط 2019. وأوضح أنّ طرفيْ التدافع قد تغيرا بشكل محسوس، حيث إن النخب الحاكمة اليوم تحاول تقديم نسخة منقحة عن النظام السابق على الأقل في مستوى الممارسة. وبحسب بكيس فإن تيار الاعتراض، لم يعد يتمتع بالعذرية والعفوية نفسيهما اللتين أسهمتا في صناعة جمالية المشهد السابق، حين تمظهر في شكل الخير المطلق في مواجهة الشر المطلق، وأعاد إحياء الشعار العاطفي "الشعب يريد إسقاط النظام" في نسخته الجزائرية بعنوان "يتنحّاو قاع". لذلك توقّع بكيس في تصريح للجزيرة نت أن تراقب السلطة التطورات عن كثب وتسايرها وفق منطق الاستيعاب، لتمرير هذه الأيام التي أصبحت لها قيمة عاطفية لدى غالبية الجزائريين. وختم كلامه بالتأكيد على أن السياق المستجد لا تتوفّر فيه شروط إعادة بعث الحراك بفعل امتصاص جزء مهم من التذمّر الذي غذى انفجار 22 فبراير/شباط 2019. *الجزيرة