اعترف محمد عبد الجليل، وزير النقل واللوجستيك، ب"الاختلالات والنقائص" التي سبق أن رصدها المجلس الأعلى للحسابات، وذلك خلال إنجازه لعدد من المهام الرقابية للمؤسسات العمومية العاملة بالقطاع، وكذا السياسات المعتمدة في القطاع. وفي إطار تحليل وتقييم الاستراتيجية الوطنية لتطوير التنافسية اللوجستيكية، سجلت التقارير المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات عدة اختلالات ونواقص، بعد عمليات التدقيق في أنشطة الشركة الوطنية للنقل واللوجستيك، وافتحاص تسيير المطارات من طرف المكتب الوطني للمطارات. كما أجرى قضاة المجلس الأعلى للحسابات افتحاصًا لكل من المكتب الوطني للسكك الحديدية والخطوط الجوية الملكية المغربية، وكذا تدبير رخص السياقة والبطائق الرمادية الإلكترونية، إضافة إلى افتحاص نظام رصد مخالفات السير بواسطة الرادارات الثابتة وتدبير النقل الحضري وشبه الحضري بواسطة الحافلات. ونبّه عبد الجليل، في معرض جوابه عن سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني عن الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، حول تقييم السياسة العمومية في مجال النقل، إلى حالة الاستنكار التي سجلتها اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي خلال جلسات الإنصات والزيارات الميدانية، من قبل غالبية المواطنين أمام ضعف توفر وسائل النقل وصعوبة الولوج إلى خدماته، وأيضًا عزلة سكان المناطق القروية والجبلية التي تشكل عائقًا أمام تطوير أنشطتهم الاقتصادية الحيوية. وأقرّ المسؤول الحكومي بضعف شبكات التنقل، وضعف توفر وسائل النقل المتخصصة والنقل المدرسي وسيارات الإسعاف، مما يفاقم من صعوبة الولوج إلى المرافق العمومية. مشيرًا في السياق ذاته إلى ضعف توفر وسائل النقل العمومية السهلة الولوج والآمنة وبالكثافة الكافية في المجال الحضري، وهو ما يشكل في نظر النساء والشباب، خاصة، عائقًا أمام تنقلاتهم واندماجهم. وذكّر وزير النقل بتأكيد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن نموذج الحكامة المعتمد في مجال التنقل على الخصوص "قد بلغ مداه"، مبرزًا أن السبب وراء ذلك يرجع بالأساس إلى اعتماد سياسات عمومية ترتكز على البنية التحتية الطرقية، والسيارات الخصوصية، بدلاً من التركيز على الفرد وحاجياته في مجال التنقل. معتبرًا أن النقل العمومي المتوفر غير كافٍ وغير ملائم بما يكفي مقارنة بحاجيات الساكنة. وأمام الطلب المتسارع الذي يعرفه نقل الأشخاص والبضائع في الوسطين الحضري والقروي، أشار عبد الجليل إلى تشديد المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ضمن رأي سابق له، على ضرورة تطوير منظومة مندمجة للتنقل المستدام يمكن من خلالها ممارسة حرية التنقل والحق في الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية وإلى الشغل، وذلك عبر وسائل نقل ذات جودة وسهلة الولوج وأكثر احترامًا للبيئة. ولتجاوز نقائص النقل العمومي بالمغرب، كشف وزير النقل واللوجستيك عن إطلاق الوزارة لطلب عروض بغية دراسة إعداد ميثاق وطني للحركية الشاملة والمستدامة، بهدف تحسين جودة وسائل النقل وتعزيز الولوجية لجميع المواطنين. ويتضمن الميثاق، حسب الوزير، خططًا لتنسيق السياسات الوطنية والمحلية، لتعزيز استخدام وسائل النقل المستدامة مثل النقل الجماعي والمركبات الكهربائية. وتروم الوزارة من خلال هذه الخطوة، وفق ما أوضح عبد الجليل، إنجاز تخطيط طويل المدى لتوجيه أولويات مشاريع إنجاز وتطوير البنية التحتية للنقل، مع مراعاة الاحتياجات الحالية والمستقبلية للسكان، وإشراك المواطنين في تخطيط وتنفيذ سياسات النقل، مما يسمح بأخذ احتياجات المواطنين وتفضيلاتهم واهتماماتهم عند تصميم شبكات النقل. بالإضافة إلى تنسيق ومواءمة سياسات النقل على المستوى الوطني والجهوي والحضري والقروي. وسجل المسؤول الحكومي أن المبادرة تسعى لتعزيز وسائل النقل الشاملة والمستدامة، مثل النقل الجماعي العمومي والمركبات الكهربائية وأنظمة النقل الذكية وركوب الدراجات، من خلال تقديم حوافز لاستخدامها. ما سيساعد في تحسين السلامة الطرقية وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتقليل الضغط على البنية التحتية للطرق، وأيضًا لتحسين ولوج المواطنين إلى وسائل النقل العمومي عبر توفير خدمات ذات جودة وبتعرفة مناسبة ووتيرة كافية، مع تطوير وسائل نقل متكاملة متعددة الوسائط. وفي هذا الإطار، قال عبد الجليل إن الحكومة ما فتئت تتخذ عددًا من التدابير والإجراءات لتشجيع المستثمرين المغاربة على إحداث مقاولات مؤهلة في مجال النقل الطرقي، ولاسيما بعد أن تم تبسيط مسطرة ولوج مهنة النقل الطرقي وإرساؤها على أسس موضوعية ومهنية، تمكن مؤسسات النقل الوطنية من إنجاز عمليات النقل داخل التراب الوطني وخارجه بدون تمييز بين النقل الدولي والنقل الطرقي الداخلي. كما تم إقرار تشجيعات ذات طابع ضريبي مرتبطة باقتناء شاحنات النقل الطرقي وقطع الغيار واسترجاع الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على مادة الغازوال، ووضع برامج لتجديد حظيرة العربات. وسجل الوزير أن المجهودات المبذولة في القطاع جعلت المملكة في منأى عن الصدمات الفجائية التي عرفها العالم، حيث مكنت المنظومة الوطنية للنقل واللوجستيك، رغم الصعوبات المرتبطة بالعوامل الخارجية، من ضمان استمرارية تزويد الأسواق الوطنية بالمواد والسلع وربط الشركات الإنتاجية الوطنية بالأسواق الدولية، سواء بالحصول على مواد الإنتاج أو تسويق منتجاتها. مبرزًا أن المنظومة الوطنية للنقل العمومي أبانت عن قدرتها على الاستجابة لحاجيات المواطنين من التنقل، خاصة خلال فترات الذروة بمناسبة الأعياد والعطل، وكذا رجوع أفراد الجالية المقيمة بالخارج.