يمكن تعريف التسول بأنه ظاهرة اجتماعية مبنية بالأساس على طلب الحاجة أو المساعدة من الناس علنا. وإن اختلف علماء الاجتماع القدماء أو المعاصرين في تعريف هذه الظاهرة إلا انهم أجمعوا على أن سببها اجتماعي واقتصادي. فالتسول إن كان لحاجة ملحة تتعدى استطاعة المتسول فلا ضير فيها، وحتى الإسلام يحث على مساعدة أصحاب الحاجة. مما لا شك فيه أن التسول بغير حاجة قاهرة ويهدف من خلاله إلى الاستغناء والكسب السهل فهو مكروه اجتماعيا، ثقافيا، دينيا وأخلاقيا. هذا ما صرنا نراه في السنين الأخيرة، المتسولون في كل مكان أمام المساجد، المحلات والأسواق، الشوارع وطرقات و صاروا أيضا يطرقون أبواب المنازل. كبارا صغارا رجالا نساء وحتى الأطفال. أغلبهم إن لم نقل كلهم يتظاهرون بالمرض إما بأوراق طبية مزيفة أو ادعاء الضرر الجسدي (الكسور والعمى...) صرنا نرى عصابات مختصة في مهنة التسول. الادهى والأمر من هذا الإتجار في البشر، إما من خلال خطف الأطفال والرضع أو استئجارهم من أهاليهم بأثمنة بخسة. وكذا استغلال المتشردين واليتامى. فأصبحنا نرى أغنياء وصل بعضهم الى الغنى الفاحش اللامشروع من خلال هذه المهنة، وقد تم كشف حالات عديدة تؤكد هذا الطرح. بعد انتشار واستفحال هذه الآفة في مدن المملكة، وصرنا لا نميز بين النصابين والمحتاجين، كان لزاما على المشرع المغربي أن يضرب بقبضة من حديد ويعاقب كل شخص يتخذ التسول حرفة ومهنة. القانون الجنائي المغربي يعالج هذه الظاهرة في الفصول من 326 إلى 333، إلا أنه يميز بين المتسولين والمتشردين، حيث يخص المتسولين بالفصول من 326 إلى 328، والمتشردين بالفصول من 329 إلى 333، ويفرض عقوبات إضافية على من يرتكبون الجرائم المعنية في الفصلين 331 و332. ففيما يتعلق بجريمة التسول، يعاقب المشرع في الفصل 326 كل من يمتلك وسائل للعيش أو يستطيع الحصول عليها بالعمل أو بوسائل شرعية، ومع ذلك يصر على ممارسة التسول، بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر. وفي الفصل 327، يشدد المشرع العقوبة حيث يرفعها إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة في حق كل متسول، حتى لو كان ذو عاهة أو معدوم، ولكنه يلجأ إلى التهديد أو التظاهر بالمرض، أو يستصحب طفلًا غير فرعه، أو يمارس التسول بشكل جماعي. التسول كباقي الظواهر، قد أولاها القانون الوضعي بعض الاهتمام، وهذه الإشارة تبدو واضحة في الفصول من الفصل 326 إلى 333 من القانون الجنائي المغربي. في الفصل 327 حدد القانون الجنائي المغربي أهم طرق التسول المعاقب عليها، بعدما حدد عقوبتها في الفصل 326 والتي تتراوح ما بين "شهر واحد و ستة أشهر، كل شخص كانت لديه وسائل للتعايش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة"، كما قنن القانون المغربي شرعية العقوبة بتوفر عنصر الاعتياد في أي مكان كان. إذن جريمة التسول حسب القانون الجنائي لا تقوم إلا بتوفر عنصر الاعتياد، بهذا يمكننا اعتبارها من الجرائم الاعتيادية أو المسترسلة. ستكون عناصر جريمة التسول إذن على الشكل التالي: 1. فعل مادي هو التسول 2. خطأ الفاعل 3. العادة 4. النية الإجرامية وحتى تكتمل الصورة القانونية لهذه الجريمة، ينبغي لنا تبيان أركانها أو عناصرها الأسس المعتمدة في تجريمها. كما هو متعارف عليه قانونيا، لا عقوبة إلا بنص قانوني، وأن كل فعل مجرم قانونيا يتوجب أن تتوفر فيه أركان أو عناصر قانونية، هي ما تسمى بالعناصر التكوينية. هذه العناصر ذكرت بالفصل 326:"يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التعايش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان."، إذن من خلال هذا الفصل أو المادة، فإن العناصر التكوينية لجريمة التسول تتمثل في فعل يصدر عن المتسول، أي فعل التسول في حد ذاته والذي يتمثل في استجداء عطف المواطنين عن طريق أقوال أو إشارات أو أي وسيلة يقصد منها الإيحاء للمواطن أو أي شخص بأن المعني في حالة تستوجب تقديم المساعدة المالية إليه، ثم هناك خطأ صادر عن المعني الذي يبقى دائما هو المتسول، و الخطأ هنا يقصد به أن المتسول يتوفر أصلا على وسيلة للعيش أو أنه في حالة صحية تسمح له بممارسة أية مهنة شرعية و يعيش من مدخولها وتجعله في غنى عن استجداء الإحسان من الغير، و يمكننا القول بأن جريمة التسول يمكن اعتبارها جريمة قائمة بذاتها في حالة ما إذا تذرع المتسول بتقديم خدمة ما كبيع مثلا المناديل الورقية أو باقات الورود أو غيرها من الأنشطة التي تبدو ظاهريا نوعا ما تجارية، فيما واقع الحال يبين بأن الممارس لهذا النوع من النشاطات ما هو إلا ممارس للتسول من بابه الأوسع، أي ممارسة التسول المقنع. من بين العناصر التكوينية لجريمة التسول أيضا نجد عنصر العادة أي أن المعني اعتاد أو تعود على ممارسة هذا النوع من النشاط الغير مشروع، فجريمة التسول تعتبر من الجرائم المستمرة إذ لا يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة وقيام المسؤولية الجنائية، بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه الواقعة ذاتها – في أوقات متقاربة نسبيا أي في نفس اليوم أو خلال عدة أيام – مع توافر العناصر الأخرى لقيامها. والعنصر الأخير هو النية الإجرامية أو القصد الجنائي والمتمثل في إرادة المتسول وإصراره على ارتكاب جريمته التي يهدف منها إلى إتيانه السلوك المحرم و تحقيق النتيجة التي يبتغيها ألا و هي الحصول على المال بشكل غير قانوني و غير شرعي. تجدر الإشارة إلى أن مجرد محاولة أي شخص القيام بجريمة التسول لا تكون جريمة معاقبا عليها بل تعتبر مجرد محاولة ما دام أنها لم ترتكب عمدا. إذن ففي حالة عدم إبراز عنصر النية الإجرامية لدى أي شخص مشتبه بارتكابه السلوك الإجرامي نكون غير محقين بوصفه متسولا. إن القانون الجنائي لا يعاقب على النية الإجرامية إذا ما بقيت مختمرة في ذهن المعني، فمن الشروط الأساسية لأجل قيام أية جريمة هو تسببها في ضرر بغض النظر عن ماهيته، و قد لا يعاقب المعني أيضا و لو في حالة المراحل التحضيرية للجريمة التي لم تتعد حدود الشروع أو البدء في تنفيذها و حكمة المشرع في هذا هو إعطاء "الجاني" فرصة للعدول عن جريمته بمحض إرادته و دون أي تدخل خارجي. هذا ينجلي بوضوح في المادة 114 التي جاء فيها أن:" كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة." نص الفصل 327 على أنه يعاقب الشخص المتسول بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، إذا أحاطت بالجريمة الصادرة عنه ظروف جعلت منه شخصا خطرا على النظام العام. لا تهمنا هنا حالة الشخص المتسول سواء الصحية أو الاجتماعية سواء أكان ذا عاهة أو معدما، ما دام أنه يستجدي بوسائل معينة قد حددها المشرع في خمس حالات وهي: 1. استعمال التهديد : أي لجوء المتسول إلى التهديد باستخدام أية كلمة أو إشارة يرمي من ورائها إلزام المتسول منه أو إجباره عن الاستجابة لمطلبه. 2. التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة هذا يدخل في إطار الاحتيال، بحيث أن المتسول يوهم "الزبون" على أنه يعيش حالة عاهة مؤقتة أو مستديمة أو يعيش وضعا صحيا يوجب الإشفاق عليه بمقتضاه. 3. تعود استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه : هذه الحالة تحيلنا على المادة 328 الذي يكفي فقط ظهور الأطفال في واجهة العمل التسول ولو لم يؤدوا أي دور كيفما كان سلبيا أم إيجابيا مادام أن الغرض من ظهورهم هو استجداء عطف المواطنين. تجدر الإشارة إلى أن الشخص المتسول لا يسقط تحت هذه المادة أو الفصل في حالة ما إذا كان الأطفال من أصوله أو فروعه، أما في حالة العكس فإن المتابعة تكون مبنية على الفصل 328. 4. الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله : تتحقق هذه الحالة بولوج أي مسكن دون إذن من صاحبه، حيث أن المتسول في حالة دخوله أي مسكن أو أحد من ملحقاته يكون في وضعية قد تسهل عليه عملية ارتكاب السرقة في غفلة من أعين رقابة المالك الأصلي للمحل المتواجد فيه. 5. التسول جماعة، (إلا إذا كان التجمع مكونا من الزوج وزوجته أو الأب و الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما) : باستثناء التجمع أو الجماعة مكونة من الزوج و زوجته و أبنائهما أو أحد الوالدين وأبنائه، أو في حالة كون المتسول أعمى أو عاجزا و في حاجة لمن يقوده. جاء الفصل 328 ليحدد لنا العقوبة المشار إليها في الفصل 327 بحيث اختص كل شخص يستخدم أثناء ارتكابه لجريمة التسول، إما بشكل صريح أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما. يجب التذكير على أنه لا يهم جنس أو جنسية المتسول، فكل شخص يقوم بهذه الأفعال فوق تراب المملكة يتوجب اعتباره متسولا وبالتالي يخضع للقانون الجنائي المغربي انطلاقا من مبدأ أو مفهوم إقليمية القوانين حيث أن كل دولة تمارس قانونها بمجموع ترابها وملحقاته أو أجزائه أينما كانت. وبالرغم من كل هذه الفصول والمواد إلا أن هذه القوانين تعتبر ضعيفة خاصة إذا كانت مغيبة ولا يتم تفعيلها بالشكل المطلوب، ودليل ذلك هو الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، ونخص بالذكر مدينة العيون التي لم يكن فيها أي مظهر من مظاهر التسول. يمكن إرجاع السبب الى الخصائص الثقافية والاجتماعية للمنطقة، فالتسول يعتبر من المحرمات بنسبة للصحراوين في الأقاليم الجنوبية. لكن في الآونة الأخيرة انتشرت إلى حد كبير ابتداءا من النساء المنقبات صاحبات الأطفال والرضع، إلى الشيوخ وصولا إلى الشباب. فبين كل متسول ومتسول نجد متسولا آخر. ومنهم من يتخذ التجارة (بيع المناديل والورود والحلوى) رداءا ليمارس التسول. ومنهم أطفال يجبرون على التسول من طرف أهلهم، إن لم يجمعوا مبالغا محددة كل يوم يتعرضون للتعنيف بشتى أشكاله. ما مصير هؤلاء الأطفال الذين يستعملون في هذه العملية؟ وكيف ينظر لهم المجتمع؟ وما محلهم منه أصلا؟ إشكالات كبيرة تحتاج إلى أن تطرح وتناقش. غالبا يحرمون من التمدرس ويتعرضون لأشكال الإهانة والذل، عاقبتهم إما أن يستمروا في عملية التسول أو يتطور الأمر إلى السرقة والعنف اللامشروع فيصبحون عالة على المجتمع وعلى أنفسهم. أما النساء ما مآلهن هن الأخريات؟ غالبا ما يتم إستغلالهن جنسيا فتتحول من متسولة إلى عاهرة، في أحسن الأحوال تنجب ابنا غير شرعي لا ذنب له في كل هذا. الأضرار مع اختلاف الأسباب لا تعد ولا تحصى. السؤال المطروح هنا هو أين المؤسسات الحقوقية وجمعيات حماية المرأة والطفولة والجمعيات التنموية؟ كيف يمكننا فعلا أن نعالج هذه الظاهرة ونتخلص منها؟ الحل الأول هو العقوبة الحبسية بهدف الردع، وإذا غضضنا الطرف عن أحوال السجون فالحبس ليس حلا قاطعا بل يمكن أن تتفاقم هذه المعضلة أكثر وأكثر. فبالتالي نحن في حاجة الى حلول بديلة فعالة. وهذا ما حاول المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فعله خلال دورته العادية 151 سنة 2023. بعد دراسة معمقة لهذه الظاهرة، يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الحد من ظاهرة التسول يقتضي التنزيل المتجانس والمنسق لجملة من الإجراءات الرامية إلى تحقيق هدفين، هما ضمان احترام مقتضيات الدستور، لاسيما فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول. دون أي تمييز أو وصم، وضمان احترام النظام والأمن العام وتنتظم هذه الإجراءات ضمن أربعة محاور متكاملة: يتعلق المحور الأول بالقضاء على جميع أشكال تسول الأطفال، من خلال تعزيز آليات حماية الطفولة على صعيد المجالات الترابية (وحدات حماية الطفولة على مستوى الهيكلة والتنظيم وتوفير الموارد البشرية والمادية الضرورية، وكذا عبر تشديد العقوبات في حق مستغلي الأطفال والمتاجرين بهم، سواء كان هؤلاء من أسرة الطفل أو غرباء عنه. يهدف المحور الثاني إلى حماية الأشخاص في وضعية هشاشة من الاستغلال في التسول، من خلال تشديد العقوبات على الجنح والأفعال الجنائية التي يتم ارتكابها تحت غطاء التسول، طبقا المقتضيات القانون الجنائي، لاسيما ضد مستغلي النساء والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بالسياسات المتعلقة بحماية ومساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين وتعزيز تدابير المواكبة والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين المعرضين لممارسة التسول إما احتياجا أو في إطار عصابات منظمة. يهم المحور الثالث إعادة تأهيل وإعادة إدماج الأشخاص في وضعية تسول، وذلك عبر مراجعة الإطار القانوني الحالي، لاسيما من خلال إلغاء تجريم التسول، بالنظر إلى صعوبة تحديد دافع الحاجة ولأن الجرائم الفردية أو الجماعية المرتبطة بهذه الممارسة معاقب عليها في العديد من أحكام القانون الجنائي. وبالموازاة مع ذلك، ينبغي اقتراح بدائل دائمة للتسول، من خلال تعزيز السياسات المتعلقة بالمساعدة الاجتماعية وتطوير الأنشطة المدرة للدخل وتحسين التكفل بالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية. أما المحور الرابع، فيتعلق بالوقاية من التسول، من خلال تعزيز قدرة الأسر على الصمود اجتماعيا واقتصاديا، وذلك عبر محاربة الفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية وتحسين الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليم والتكوين والشغل. كل هذه المخرجات سواء من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أو غيره من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لا تعدو كونها مخرجات كتابية حبرا على ورق. نحن في حاجة ماسة إلى تنزيل فعال لهذه المخرجات وتفعيل المساطر القانونية، نحتاج إلى عمل جاد ومشترك بين كل الأطراف لحل هذه الإشكالية.