احتفت مؤسسة أرشيف المغرب، باليوم الوطني للأرشيف الذي صادف يوم الثلاثين من شهر نونبر المنصرم، وذلك، بعقد ندوة ومعرض عن " إدمون عمران المليح، مغرد تامغربيت "( 1917-2010(، وعدا هذا النشاط العلمي والثقافي والإشعاعي الذي اعتادت المؤسسة تنظيمه كل سنة، تزامنا وذكرى إصدار أول قانون منظم للأرشيف العمومي ( 30 نونبر 2007 (، مر هذا اليوم الأرشيفي مرور الكرام، إذا ما استثنينا بعض المقالات الإخبارية والتغطيات الإعلامية التي واكبت الحدث، وهذا معناه أن صدى الأرشيف في يومه الوطني، لا يتجاوز أسوار الرباط العاصمة، ما لم نقل أبواب وعتبات أرشيف المغرب، ولم يصل بعد، إلى مستوى اليوم الوطني، الذي يزف فيه الأرشيف "عريسا" عبر ربوع الوطن؛ أرشيف المغرب ورغم قلة ذات اليد ومحدودية الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية، تجتهد ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، لتحمي قلعة الأرشيف، والإبقاء على أسوارها صامدة وثابتة، في واقع سياسي وسوسيوثقافي، لم يتملك بعد ثقافة الأرشيف، وفي هذا الصدد، وبقدر ما نثمن ما حققته المؤسسة الأرشيفية، من مكاسب ومنجزات أرشيفية رغم عمرها القصير، ونقدر ما تتحمله من مهام وأعباء خدمة للمسألة الأرشيفية الوطنية، ومواكبة للتوجهات الاستراتيجية للدولة، بقدر ما نرى حسب تقديرنا، أن حضور الأرشيف، لازال محتشما وخجولا في أوساط الكثير من الإدارات والمؤسسات، أمام هيمنة نظرة متجاوزة للأرشيف، لا تتجاوز حدود تلك "الوثائق منتهية الصلاحية" التي لا تصلح إلا للركن في أقبية الإدارات؛
يوم الأرشيف يفترض أن تحضر طقوسه، في أوساط الوزارات والبرلمان والإدارات المركزية واللاممركزة والمؤسسات العمومية، والمؤسسات الحارسة على التراث، والجامعات والمدارس والمعاهد والمجالس العلمية المحلية والمؤسسات الإعلامية والأحزاب السياسية وغيرها، من منطلق "المسؤولية الفردية والجماعية" في صون التراث الأرشيفي الوطني، باعتباره ملكا جماعيا وتراث الأمة المشترك، وبين الافتراض والواقع المعيش، مسافات زمنية قد تطول وقد تقصر، تدعو المؤسسة الحاضنة للأرشيف العمومي، إلى المزيد من الصبر والتحمل، في ظل بنية سياسية ومجتمعية، لازال فيها الأرشيف، خارج دائرة "الأولوية" و"الاهتمام" لاعتبارات ثلاثة، أولها: ضعف ثقافة الأرشيف بالنظر إلى حداثة التجربة الأرشيفية الوطنية، وثانيها: محدودية وسائل "الرقابة"، التي تضع الفاعلين في الأرشيف وطنيا وجهويا وإقليميا، أمام مسؤولياتهم القانونية أمام الأرشيف، وثالثها: ضعف منسوب المواطنة، التي بدونها، يصعب احترام الأرشيف، كما يصعب تقدير أهمية حفظه وتنظيمه وتدبيره الأمثل؛
ومهما كانت شطارة أرشيف المغرب، في منح الأرشيف ما يستحقه من عناية واهتمام، فيصعب أن تكسب وحدها كل معارك الأرشيف، ما لم تتحمل جميع الإدارات والمؤسسات، مسؤولياتها المواطنة أمام الأرشيف والتشريع المنظم له، وما لم تحضر مقتضيات قانونية ملزمة قادرة على ضبط أوثار الأداء الأرشيفي في أوساط مختلف الإدارات والمؤسسات، وتمكين المؤسسة الأرشيفية، من الوسائل المادية والبشرية، لتضطلع بأدوارها في فرض الرقابة على الشأن الأرشيفي، وفي ظل الوضع الأرشيفي السائد، ننتظر" الاستراتيجية الجديدة للأرشيف"، المرتقب الإفراج عنها في قادم الأسابيع، لإحداث نقلة نوعية في مجال الأرشيف، في زمن الإعلام والاتصال والرقمنة والذكاء الاصطناعي، وهذه الاستراتيجية، من الصعب إدراك ما سطر لها من أهداف وغايات ومقاصد، ما لم تحضر ثقافة "المسؤولية" و"الجدية" في أوساط الفاعلين في الأرشيف، ويحضر معها الإحساس الفردي والجماعي، بقيمة الأرشيف كتراث وحداثة؛
ونحن نحتفي بالأرشيف في يومه الوطني، لا يمكن إلا أن نستحضر عددا من واهبي الأرشيف، من عالم السياسة والفكر والعلم والثقافة والفن والإعلام، الذين ائتمنوا أرشيف المغرب منذ تأسيسها، على ما يحتضنونه من وثائق أرشيفية، إسهاما منهم في صون التراث الأرشيفي الوطني، في مبادرات جادة ومسؤولة، عاكسة لحس وطني عال، دالة على أن "المواطنة الحقة" متى حضرت، كان بالإمكان كسب الرهانات ورفع التحديات، ومهما قيل أو ما يمكن أن يقال بمناسبة هذا اليوم الوطني الأرشيفي، فلابد لأرشيف المغرب، أن تستمر في سياسة التواصل والانفتاح والتعاون والتشارك، كمدخل لا محيد عنه، لنشر ثقافة الأرشيف، التي لازالت تقف سد منيعا، أمام إدراك التنمية الأرشيفية المأمولة؛
ولا يمكن أن ندع الفرصة تمر، دون تهنئة أرشيف المغرب، في شخص مديرها الدكتور جامع بيضا، وكافة أطرها ومستخدميها، لما يضطلعون به من أدوار متعددة الزوايا، خدمة للتراث الأرشيفي الوطني، وبفضل اجتهادهم ومثابرتهم، تحولت المؤسسة، إلى واحدة من المؤسسات العمومية الاستراتيجية، الأكثر دينامية ونشاطا وإشعاعا، وهم يستحقون كل الدعم والتحفيز والتشجيع، لأنهم حراس الذاكرة الجماعية وحماة الهوية المشتركة...