أوجه هذه الرسالة النابعة من القلب إلى الشعب الجزائري الشقيق وخاصة من لا زال منهم يدعم انفصال الصحراء المغربية. وسبب توجيه هذه الرسالة إلى الشعب الجزائري وليس إلى نظامه السياسي، هو ما أومن به من أن الشعوب في الحقيقة هي التي يجب أن تصنع السياسة وتحددها،والأنظمة إنما تنفذ إرادة الشعوب. والمفروض في الشعوب التي تحترم نفسها أن تفرض قناعاتها على النظام الذي يحكمها وليس العكس! وحينما أرى مواقف النظام الجزائري من قضية الصحراء المغربية أتساءل كغيري من المغاربة عن موقف الشعب الجزائري الشقيقمن قضيتنا ومدى مسؤوليته فيما يحاك ضد وحدتنا الترابية؟ طبعا هناك أصوات من داخل الجزائر لا تساند انفصال الصحراء. ولا يسعني إلا أن أشكر كل هؤلاء وأحييهم من أعماق القلب لوفائهم للروابط الكثيرة التي تجمعنا.لكن ومع كامل الأسف، فإن الصوت الغالب والمرتفع جدا هو الصوت الآخر المعادي للمغرب. فإلى هؤلاء الإخوة الذين بغوا علينا أقول: إخواني وجيراني الأعزاء، لقد علّمناديننا الحنيف أن من كمال الإيمان أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسهوأن يكره له ما يكره لنفسه أيضا. ومن لازم ذلك أنيحب لبلده ما يحب لبلد أخيه وأن يكره لبلد أخيه ما يكرهه لبلده تماما. من هنا لا يسعني بصفتي مواطنا مغربيا إلا أن أتمنى لبلدكم الشقيق كامل الخير والاستقرار والرفاهية كما أتمنى ذلك لبلدي. وأسأل الله أن يحفظ الجزائر من كل مكروه كما أسأله أن يحفظ المغرب الحبيب. ومن هذا المنطلق الإيماني والمشترك الإنساني أبدي في نفس الوقت امتعاظي وسخطي من كل التصرفاتالتي يقوم بها البعض من أبناء البلدين تجاه البلد الآخرمثل نشر الأخبار السيئة (والتي قد تكون مكذوبة في الكثير من الأحيان)، بغية التشفّي والتشويه والانتقاص. ناهيك عن أساليب السب والشتم المتبادل التي لا تليق بإنسان يحترم نفسه ولا بذي لبّ يحترم عقله ولا بمؤمن يراقب ربه. إلى جانب روابط الدين والإنسانية التي تحتّم علي أن لا أتمنى للجزائر إلا الخير، هناك روابط ولوازم الجوار أيضا. كيف لا أتمنى الخير لجيراني والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:"والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يارسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه". إضافة إلى هذا النهي النبوي الشديد، فإن استقرار أحد البلدين رهين باستقرار البلد الآخر. ولو وقعت فوضى أو مشاكل لا قدر الله في أحد البلدين فلا بد أن البلد الجار سيكون أول من يكتوي بنارها! ولننظر كيف أثر الوضع في سوريا على جيرانها وكيف يؤثر الوضع في ليبيا الآن على تونس مثلا. إذا، فليس هناك أي مبرر إنساني ولا ديني ولا منطقي يبيح لأي مغربي أن يتمنى الشر للجزائر ولا لأي جزائري أن يتمنى الشر للمغرب. وكل من فعل أو يفعل ذلك فقد ظلم نفسه وإخوانه وجيرانه ظلما مبينا. ومن أراد أن يحفظ عرضه وعرض بلده فليوفر أعراض الآخرين! إخواني الأشقاء، لقد سبق لي أن كتبت مقالة حول العلاقة بين البلدين تحت عنوان:"أليس المغاربة والجزائريون إخوة؟.. فأصلحوا بين أخويكم". وقد حاولت خلال تلك المقالة التركيز على أهمية إصلاح ذات البين وعلى العواقب الوخيمة لحالة عدم الاستقرار التي تعرفها العلاقة بين البلدين الجارين. كما نبهت إلى خطورة انتشار النزاع بين البلدين ليشمل كل مجالات الحياة تقريبا، مع أن أصل الخلاف قضية واحدة، ألا وهي قضية الصحراء المغربية. لذلك سيكون كلامي في هذه المقالة مركزا حول هذه القضية بالذات وما ننتظره منكم نحن المغاربة. وأرجو منكم أن تفتحوا لهذه الكلمات قلوبكم وتوسعوا لها صدوركم. إن قضية الصحراء المغربية قضية شعب مغربي بأكمله، وإنكم تخطئون حينما تعتقدون أنها مسألة تخص النظام المغربي فقط! إنني تجاوزت الأربعين من عمري، وخلال ما سبق من حياتي التقيت ربما مآت الآلاف من المغاربة من كل أنحاء المغرب، داخل المغرب وخارجه (باعتباري أقيم ولمدة طويلة في أوربا). وإلى حد الآن، أقسم بالله أنني لم ألتق ولا مغربيا واحدا يشكك في مغربية الصحراء أو مستعدا للتنازل عنها. بل حتى المعارضون للنظام ولطريقة تدبيره لهذا الملف، كلهم يؤمنون بأن الصحراء(المتنازع عليها) مغربية حتى النخاع. ولا أدل على ذلك من المشاركة المكثفة لملايين المغاربة في مسيرة 13 مارس المنددة بتصريحات بان كيمون التي اعتبر فيها الصحراء محتلة. ومع أنني وغيري من المغاربة نقيم خارج المغرب ولم نحظ بشرف المشاركة في تلك المسيرة، إلا أن قلوبنا جميعا كانت مع المتظاهرين. ولم أتمالك دموعي وأنا أتابع المسيرة على شاشة التلفازتأثرا بمشهد تلك الملايين وهي تهتف بوحدة الوطنمن جهة. وحسرة على عدم مشاركتي في هذا الاستحقاق الهام من جهة أخرى. لأنني ببساطة (ومعي كل المغاربة) "أعتبر كل من يدعو إلى بتر شبر من بلدي كمن يدعو إلى بتر عضو من جسدي". نعم هناك فئة من الصحراويين لا ترضى بحكم المغرب وتريد الانفصال. وهذا أمر لا تكاد تخلو منه دولة من الدول. وحتى في بلدكم الجزائر، هناك من يطالببتقرير المصير في منطقة القبائل وربما في غيرها من المناطق. فهل يعني ذلك أن كل من طالب بتقرير المصير يجب أن يستجاب له؟ لو فعلنا ذلك ما بقيت دولة واحدة مجتمعة موحدة أبدا. أحبتي، إن من بين المبررات التي يسوقها من يقفون خلف أطروحة الانفصال من الجزائريين، مسألة الوقوف إلى جانب "الشعب الصحراوي" باعتباره مظلوما محتلة أرضه... وربما رأىالبعض في الوقوف إلى جانب البوليساريو نوعا من الرجولة والنخوة ووفاء وامتدادا لقيم التحرر التي قامت عليها الثورة الجزائرية. أقول لمن يفكر بهذا الشكل: إنكم مخطئون وواهمون بل وظالمون للمغرب في تبنيكم هذا الموقف. فمسألة الصحراء ليست مسألة استعمار. ولو كانت كذلك لحسم فيها المجتمع الدولي منذ زمان! كل القرارات والتوصيفات الدولية تصف الصحراء بأنها منطقة متنازع عليها. أنتم وحدكم ومعكم بعض الدول ممن تأثروا بموقفكم، من تعتبرون الصحراء مستعمرة! انظروا إلى مواقف الدول العربية والإسلامية. بل انظروا إلى مواقف الدول الغربية نفسها. كلها إما مساندة للمغرب أو محايدة. ولا توجد دولة غربية واحدة تعتبر المغرب مستعمرا! أيرضيكم هذا الموقف إخواني؟ أيرضيكم أن يعدل فينا البعيد وتظلموننا أنتم جيراننا وإخواننا؟ لنفرض أنكم ولاعتبارات معينة لا تستطيعون أن تتبنوا موقف المغرب من القضية. فلماذا تتبنون موقفا عدائيا إذا؟ لماذا لا يسعكم الحياد على الأقل؟أتهون عليكم مشاعر ملايين المغاربة بهذه البساطة؟ لقد وقفتم إلى جانب البوليساريو لمدة أربعين سنة خلت. ولكن، ماذا كانت النتيجة؟ هل استقلت الصحراء؟ هل تحسن الوضع؟ هل حل المشكل؟ لم يحقق وقوفكم إلى جانب البوليساريو إلا المشاكل للمغرب وللجزائر وللبوليساريو أيضا. فلولا دعمكم اللامشروط لفقد الانفصاليون الأمل ولقدموا تنازلات من شأنها أن تساهم في حل القضية، مما سينعكس بالإيجاب على وضع البلدين والمنطقة بأكملها. لقد أعاد الكثيرون من الصحراويين النظر في مواقفهم. ومنهم مؤسسون لجبهة البوليساريو ومسؤولون سابقون في الكيان، رجعوا إلى المغرب وتخلوا عن فكرة الانفصال. أما آن لكم أن تعيدوا النظر في مواقفكم؟ اسألوا أنفسكم: ماذا يستفيد الشعب الجزائري من مساندة البوليساريو؟ احسبوها بميزان الربح والخسارة من الناحية الدينية والدنيوية معا. ستجدون أن الخسارة اكبر من الربح بكثير. بل لا ربح ثمت أصلا. ماذا ستستفيدون إذا قسّم المغرب لا قدر الله؟ وماذا سيتفيد المغرب إذا قسّمت الجزائر لا قدر الله كذلك؟ إن كلا البلدين في الحاجة إلى جار قوي مستقر آمن. وإنه لمن العيب والخبل أن يحرص بعضنا كل الحرص على إضعاف وتمزيق جاره، بينما نجد الدول المتقدمة في الغرب تحرص كل الحرص على تنمية وتقوية جيرانها كما يفعل الاتحاد الأوروبي مع اليونان وكما فعلت ألمانيا الغربية مع جارتها الشرقية. في الأخير أقول لكم إخواني: إننا لا نكرهكم ولا نحسدكم أبدا كما يتوهم البعض. وإذا صدرت مواقف عدائية من بعض المغاربة تجاه الجزائر وشعبها الشقيق، فهي في الغالب ردود أفعال على ما يعتبرونه ظلما في حقهم فيما يخص موقفكم من هذه القضية. وأذكركم ونفسي وكل القراء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اعتبر فيه فساد ذات البين الحالقة التي تحلق الدين. فليتق الله كل من يقول كلاما أو يقف موقفا يفسد به بين الشعبين. عاشت الصحراء مغربية إلى الأبد... والسلام عليكم ورحمة الله