الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم. رؤية تحليلية مُفصلة تحت عنوان " خطاب ثورة الملك والشعب رسائل واضحة للشركاء التقليديين والجيران... الصحراء المغربية هي النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم" : يحفتل المغاربة قاطبة بذكرى سعيدة تتجلى في ثورة الملك والشعب وما تحمله من دلالات عميقة في نفوس الشعب المغربي، ذكرى وطنية تاريخية جسّدت كما قال جلالة الملك محمد السادس في خطابه الملكي " عمق روابط المحبة والتعلق بين ملك فضل المنفى على المساومة بوحدة الوطن وسيادته؛ وشعب قدم تضحيات جسيمة من أجل عودة ملكه الشرعي، واسترجاع الحرية والكرامة."، ففي هذا الخطاب الملكي قدّم جلالة الملك حصيلة ما تحقّق من انتصارات دبلوماسية كبيرة كرّست مسار قضية الصحراء، وأشاد من خلالها بثبات مواقف دول عظمى كالولايات المتحدةالأمريكية، ألمانيا وإسبانيا، كما أثنى جلالة الملك على دول العالم التي فتحت قنصليات بأقاليمنا الصّحراوية، في مقابل ذلك أكد الملك على أنّ المملكة المغربية صارمة وحازمة مع أصحاب المواقف الغامضة والمُزدوجة، حيث قال جلالة الملك " لذا ننتظر من بعض الدول من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل". إذا نظرنا بنوع من التّمحيص لما يقع من مستجدات إقليمية ودولية، خصوصا شركاء المغرب، نجد الخطاب الملكي لم يذكُر فرنسا عندما تطرّق لمواقف الدول الصديقة، بل وضعها في خانة الشركاء التقليديين الذين تظلّ مواقفهم غير واضحة، وتلك لها دلالة قوية فالآونة الأخيرة تشهد توتّرا قد لا يطفوا إلى السطح بشكل ملحوظ، لكن بعضاً من مؤشراته بدأت تظهر، فالموقف الفرنسي يبدو جامدا وغير متحرك منذ سنوات مُقارنة بالعلاقات المتينة التي تجمع فرنسا والمغرب، فعلى سبيل المثال فرنسا ليست لديها قنصلية عامة بالأقاليم الصّحراوية، كما أنّ مَوقفها لا يَتوازى مع حجم التغيرات الجيو_سياسية الكبيرة التي عرفها ملف الصحراء المغربية، وبالتالي فإذا كانت الدولة الفرنسية مُنزعجة من تعدد الشركاء الإستراتيجيين لدى المغرب خصوصا الولايات المتحدةالأمريكية، ألمانيا، إسبانيا، هولندا، صربيا والبرتغال فلأنّ هذه الدول قد فهمت جيدا رسالة خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين حينما أكد الملك على أنه لا علاقات تجارية_إقتصادية لا تشمل أقاليمنا الصحراوية، نفس الأمر عبّر عنه الملك في خطاب الذكرى التّاسعة والستين لثورة الملك والشعب حينما قال جلالته"إن ملف الصّحراء هو النظّارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات." ، وبالتالي فمن وجهة نظري تلك رسالة واضحة لفرنسا لإعادة ترتيب أوراقها في علاقاتها مع المغرب، وهي كذلك رسالة قوية قُبيل زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الجارة الشرقية بأنّ قضية الصحراء المغربية خطّ أحمر. أمّا بخصوص موقف المملكة المغربية من ممارسات نظام الجارة الشرقية فقد أبانت المملكة المغربية من جديد عن نواياها الصّادقة من أجل عودة العلاقات الطبيعية مع الجارة الشّرقية الجزائر، وبالتّالي إحياء جديد للإتحاد المغاربي الذي توقّف منذ مدة ليست بالقصيرة، نوايا المملكة المغربية لَيْست جديدة فمنذ سنة 2008 والملك محمد السادس يحثّ في مجموعة من المُناسبات الإقليمية والدولية على ذلك. لقد أكّدت السّنوات الأربعة الأخيرة على نُبْل وصِدق نوايا المغرب، وخير مثال على ذلك تطرّق الملك محمد السادس لذلك من خلال ثلاث خُطب ملكية تهُم مناسبات وطنية يعتزّ بها المغاربة؛ ففي الخطاب الملكي السّامي بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء في السادس من نونبر سنة 2018، أكدّ عبره الملك على أنّ المملكة المغربية تعتمِد مقاربة إستراتيجية شعارها الوضوح والطّموح ركيزتان رئيسيّتان للسّياسة الخارجية، كما أكّد الملك على أهمية تحقيق الوحدة المغاربية التي أُعلن عن انطلاقتها خلال مؤتمر طنجة سنة 1958، وفي هذا الإطار وجب التّذكير بأنّ فكرة تأسيس اتحاد المغرب الكبير وإعلان نَشأته كانت من أرض المغرب، بدأ بِعقد أول مؤتمر للأحزاب المغاربية بمدينة طنجة ما بين 28 و 30 أبريل 1958 ضمّ ممثلين عن حزب الإستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، ثم تلتْها بعد ذلك في سنة 1964 إنشاء اللجنة الإستشارية للمغرب الكبير لتنمية العلاقات الإقتصاد ية، هذا دون نسيان بيان جربة ومعاهدة مستغانم سنة 1988، واجتماع زرالدة ,ليُعلن عن تأسيس الإتحاد المغاربي بِدوله الخمسة في 17 فبراير 1989 من مدينة مراكش المغربية، وبالتّالي فكما ذكّر الملك في خطاب الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء بدور المغرب المُساند للثورة الجزائرية، فالتاريخ شاهد على التّضحيات الجِسام للمُقاومين المغاربة في سبيل استقلال الجزائر، فالشّعبان الشّقيقان تَجمعهما روابط الدّم وأواصر القرابة. لقَد عبّرت المملكة المغربية عنْ استعدادُها للحوار المباشر والصّريح ،وهذا ماعبّرت عنه المُبادرة الملكية سنة 2018 من خلال وضع آلية سياسية مُشتركة دورها دراسة جميع القضايا المطروحة بموضوعية وبدون شروط مُسبقة، كما أنّ هذه الآلية تُشكّل إطارا عمليّا للتعاون لتوطيد العلاقات الثنائية وخاصة في ما يتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنموية، إضافة إلى تعزيز التنسيق والتّشاور الثّنائي لرفع التحديات الإقليمية والدولية لاسيما المُتعلقة بمحاربة الإرهاب وإشكالية الهجرة والمخدرات و الإتّجار بالبشر، وبعدها بثلاث سنوات جدّدت المملكة المغربية نُبل مبادراتها في سبيل تحقيق استقرار بالمنطقة المغاربية و إقامة مناخ استثماري /إقتصادي بها مع الجارة الشرقية، تجسّدت تلك النوايا الصادقة من خلال خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لعيد العرش يوم 31 يوليوز من سنة 2021، الخطاب الملكي خصّص حيّزا مهمّا للتّعبير عن نوايا المملكة المغربية الصّادقة لإقامات علاقات متينة مع الجزائر، فالمغرب مشهود له قاريا ودوليّا بمُبادراته النّبيلة لتوطيد الأمن والإستقرار في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي وخاصة جواره المغاربي،وخلال هذا الخطاب الملكي السّامي جدّد الملك الدّعوة للجزائر من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار، فَفتح الحدود هو الوضع الطبيعي بين الجارين و إغلاقها يتنافى مع حق طبيعي تكرسه المواثيق الدولية بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لإتحاد المغرب الكبير التي تنصّ على حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسٍلع بين دول الإتحاد المغاربي، كما أكّد الملك محمد السادس على أنّ الشّر والمشاكل لن تأتي جارتنا أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد لأن مايمسكم يمسنا وما يصيبكم يضرنا، فأمن الجزائر واستقرارها من أمن واستقرار المغرب لِنَصل خلال هذه السنة لدعوة ملكية ثالثة من خلال خطاب الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش ،مبادرة ملكية نبيلة وموقف إنساني جديد يُؤكد التّعامل الرّاقي الذي تُعبّر عنه المملكة المغربية بقيادة ملكنا الحكيم السّاهر والضّامن على تنزيل الأوراش الإستراتيجية المبنية على بعد النّظر من النّاحية الجيو_سياسية، النّوايا الصّادقة ظاهرة بشكل جلي عبر دعوة جديدة للرئاسة الجزائرية لِوضع اليد في يد لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك، تحدث الملك في نفس الخطاب عن أهمية الإستثمار في ظل اللمسات الأخيرة لإخراج الميثاق الجديد للإستثمار الذي وضع سنة 2035 كطموح لِقلب قاعدة هرم الإستثمار بالمغرب لتكون الثلثين للقطاع الخاص عوض الثلث حاليا، وكما لا يخفى على أحد فتأخر إعادة عمل الإتحاد المغاربي قد ضيّع ومازال يُضَيع فرصا كبيرة للإستثمار، نتحدث حسب مجموعة من الخبراء الإقتصاديين عن ثلاث نقط من نسب النمو ما يعني تضييع مئات الآلاف من مناصب الشغل لدى بلدان الإتحاد جميعاً. وفي هذا الإطار وجب الإنطلاقة من مؤشر تحليلي مهم يتمثل في أنّ كل هذه المبادرات الملكية الحكيمة وهذه الدعوات الإنسانية الصّادقة تنطلق من موقع قوة المغرب في شتّى الميادين والمجالات ، وهذا أمر واقع فالمملكة المغربية قُطبٌ جيو_استراتيجي إقليميا وقاريا ، وهذا ما يؤكده شركاؤه المتعددون من مختلف القارات، فكما أشادَ الرئيس الألماني شتانمايير من خلال رساله إلى الملك محمد السادس على دور المغرب ومبادراته النبيلة لتحقيق الإستقرار بالمنطقة مُستدلاّ بالمجهودات المارطونية للمغرب لحلحلة الملف الليبي، هذا بالإضافة للدور المغربي الرائد دوليا على مستوى مكافحة الإرهاب والتّطرف، وكذا حديثه عن مبادرات الملك الإبتكارية على مستوى التّغيّرات المناخية، كما لاننسى محورية المغرب استثماريا، فهو بوابة إفريقيا كما أكدت على ذلك الولايات المتحدةالأمريكية عبر إحداث مكتب إزدهار إفريقيا، دون أن تفوت المناسبة للإحاطة بقوة المغربية العسكرية التي تظهر جليّا من خلال مناورات الأسد الإفريقي. إنّ ما يجب على نظام الجارة الشقيقة اعتباره أمرا واقعا لا رجعة فيه هو سيادة المملكة المغربية خط أحمر لا تفاوض بشأنها، فمغربية الصحراء كما قال الملك في أحد خطبه هي حقيقة تاريخية ثابتة، وهذا ما عبّر عنه رئيس حكومة الجارة الشمالية إسبانيا بيدرو سانشيز، وهو موقف تاريخي وخطوة كبيرة جدا خاصة والتاريخ يُسجل دور الإسبان في هذا النزاع الإقليمي المُفتعل ، كما وجب التّذكير على أنّ المُكلف الحصري بالملف هي الأممالمتحدة، ونُذكر في هذا الصدد بمضامين تقارير الأمين العام للأمم المتحدة وكذا قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة 24.14, 24.40, 24.68, 24.94 ،25.48، وصولا للقرار الأخير 26.02 إذا قمنا بتمحيصها نجدها تُركّز على نقاط جوهرية، أولها اعترافها بسموّ مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 11 أبريل 2007، ثانيا عدم تطرّقها لدبلوماسية القنصليات التي وصلت للعدد ستة وعشرين مع قرب وصولها للرقم سبعة وعشرين بتدشين قنصلية دولة الرأس الأخضر، قنصليات تم تشييدها بكل من مدينتي العيون(12قنصلية) والداخلة( 15 قنصلية) هي تأكيد على التّزايد الدولي الكبير بالإعتراف بمغربية الصحراء ، أما ثالثا فيتجلى في استحقاقات الثامن شتنبر سنة2021 التي شكّلت صفعة قوية لكيان البوليساريو بعد اعتراف دولي بنزاهتها وشفافيتها، فمئة وتسعة وعشرون باحثا دوليا من تسعة عشر منظمة كانت شاهدة على المشاركة المدنية القياسية بالأقاليم الصحراوية، نتحدث عن %66.97 بجهة العيون الساقية الحمراء، و أزيد من 63% بجهة كلميم واد نون وأزيد من 58% بجهة الداخلة واد الذهب، وبالتالي فهؤلاء المنتخبون هم المُمثلون الشرعيون لساكنة الأقاليم الصحراوية، أما رابعا فيتمثل أساسا في التأييد العربي الكبير باللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر المواقف المُؤيدة لمغربية الصحراء عبر كل من دول المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين ودولة قطر ، هذا دون نسيان دعم أفريقي واسع وهذا ما يُلاحظ من خلال الإختراقات الدبلوماسية التي حققها المغرب على غرار مواقف دولة نيجيريا والشّراكة معها لتشييد أنبوب الغاز الذي سيصل لأوروبا مرورا بإحدى عشر دولة إفريقية، هذا دون نسيان شراكة المغرب وامتدادها لتصل دول أمريكا اللاتينية والكاريبي ، فسياسة تعدد الشركاء التي تنهجها المملكة المغربية وصلت أبعادها للدول الكبرى بشرق آسيا على غرار اليابان والعلاقات الإستراتيجية مع الصين سواء عبر الإتفاقيات التاريخية على مستوى الشّراكة الصّحية وكذلك من خلال دينامية التجارة المغربية_الصّينية التي انتقلت من 4 ملايير دولار سنة 2016 إلى 6 ملايير دولار السنة الماضية ، أو من خلال الشراكة المغربية مع التنين الصيني من خلال مبادرة الحزام والطريق، أمّا قاريا فشراكات المغرب متعددة بلغت ألف اتفاقية مع مُعظم الدول الأفريقية من خلال رحلات مكّوكية مارطونية للملك محمد السادس الذي ما فتئ يؤكد على أنّ تنمية إفريقيا لن تكون إلا بسواعد الأفارقة أنفسهم، هذا دون نسيان الأنشطة المُكثفة للمغرب خاصة بعد العودة للإتحاد سنة 2017،وكذا مبادراته الإنسانية ومؤازرته من خلال تقديم المملكة المغربية لمجموعة من الدول الأفريقية عددا كبيرا من التّجهيزات الطّبية لمواجهة جائحة كورونا،ووضع عدد من المركز الإستشفائية على غرار "صابينينكورو" رهنَ إشارة السّلطات الصحية بدولة مالي. هذه نقاط من بين أخرى تُؤكد كما قلتُ سلفاً قوة المملكة المغربية ومكانتها داخل المحفل الدولي والإحترام الكبير الذي تحظى به، لذلك فدعوة المغرب لعودة العلاقات مع الجزائر فهي من باب حسن الجوار الذي يُعدّ أمرا واجبا أوصى به الإسلام ولأنه بُعد أخلاقي نبيل، وكذا بُعدٌ استراتيجي أساسي سَيُمكن أولا من فتح الحدود ليعود الدفء بين الشعبين المغربي والجزائري، فعلاقات وأواصر القرابة والدم تجمعهما، وثانيا الإعلان عن عودة إحياء إتحاد المغرب الكبير وما سيكون لذلك من رجّة اقتصادية واستثمارية كبيرة بالمنطقة المغاربية سَتَسْتفيد منها كافة شعوب دوله الخمس، وبالتالي هنا تكمن الرؤية الثاقبة للملك محمد السادس وهنا يكمن حسّه الإنساني ورِفعة أخلاقه، وهذا يُجسّد عراقة تاريخ دولة من طينة المملكة المغربية. خِتاماً ،هل يا تُرى ستَتَفاعل هذه المرة رئاسة الجارة الشرقية بإيجابية مع اليد المدودة وحسن الجوار؟، أمْ أنّ دار لقمان ستبقى على حالها إلى أجل غير مُسمّى؟ * رضوان جخا، باحث في الدراسات السياسية، ناشط شبابي،فاعل مدني :