بصوت حاد، ونظرات ثاقبة، ونظارات لا تفارق العين، وبدلات أنيقة، مع ربطات عنق جيدة الربط، يطالع عبد الحق الخيام ضيوفه من الصحافيين في قاعة كبيرة، بعد أن تحلق الصحافيون حول طاولة كبيرة ومستطيلة ودائرية الطرفين يقدم التفاصيل الأولية من القصة الخبرية للخلية الإرهابية، قبل أن يفتح باب الأسئلة، لتبدأ لعبة سؤال جواب، ولا تنتهي الحصة الصحافية في الغالب، إلا بعد يرتوي الصحافيين أخبارا لإشباع عطشهم ولكل قصة جميلة نهاية ولو بعد حين، فللأسف الشديد، خسر المغرب رجلا استثنائيا، رحل في صمت، بعيدا عن الأنظار، بعد أن ابتعد في صمت عن المشهد العام، بعد أن نجح في بناء صرح أمني مغربي قوي اسمه المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ومقره في مدينة سلا بقرب العاصمة المغربية الرباط. حظي الراحل الخيام باحترام جماعي من الصحافيين المهنيين المغاربة، لأنه أنصت دائما وطويلة لأسئلتهم في ندواته الصحافية. يبقى الموت خير واعظ للناس في دنياهم، لما يفقدون عزيزا. في مساري المهني البسيط، التقيت قامات وتعرفت على نساء ورجال يشتغلون في صمت، من أجل أن يكون المغرب أفضل، بروح من التفاني، وبمستويات استثنائية من المهنية. برحيل السي الخيام، فقد المغرب أمنيا اشتغل بخلفية اقتصادية، بعد أن ترك من وراءه بناء أمنيا مستقيما ضد الإرهاب، وترك مدرسة للاشتغال، تلقى المغرب عليها تهاني من العالم، واحتراما من الأعداء قبل الأعزاء. في مكتبه، وجد الصحافيون استقبالا إنسانيا، وسعة صدر، ومعطيات إخبارية متنوعة، وقدرة على التعامل مع الكاميرا، وطبعا فنجان قهوة. أعتقد أن السي الخيام، وصل إلى مثواه الأخير مرتاحا مهنيا، بعد أن أدى الأمانة اتجاه المغرب والمغاربة، فكان الساهر طيلة سنوات على أمنهم، في عز سنوات قوة تنظيم داعش الإرهابي، ومع توالد الذئاب المنفردة. في كل زيارة صحافية مهنية إلى مكتب محاربة الإرهاب، المكتب المركزي للأبحاث القضائية، ترتيبات دقيقة ترافق الزيارة من أولها إلى آخرها، وعند لقاء المسؤول الأول عن هذه المؤسسة الاستثنائية مغربيا، تغيب الخطوط الحمراء، لينطلق السؤال الصحافي. في خسارة الكبار، غصة في الحلق، ودمعة في العين، وحزن في القلب، لأن الخسارة فادحة، وليس من السهل تعويضها، ولو أن المغرب ولاد دائما.