انتشر في الأيام الأخيرة، عبر مختلف الوسائط الإعلامية، مقطع ترويجي لفيلم سينمائي مغربي كوميدي، يحمل عنوان (الإخوان!!)، ويرتقب أن يعرض في القاعات السينمائية المغربية ابتداء من 11 ماي الجاري، كما جاء على لسان منتجه. وهو في الحقيقة تقليد ساذج لبعض الأعمال السينمائية المصرية، التي عرف أصحابها بعدائهم لكل أشكال التدين في المجتمعات الإسلامية، بل وللظاهرة الإسلامية عموما … وكل من تتبع المقطع الترويجي للفيلم السينمائي المذكور، يتضح له أن المقصد الأسنى من إنتاجه هو محاولة تشويه ملامح الشخصية المتدينة عموما داخل المجتمع المغربي، برسم صورة نمطية سوداوية للمتدين، ولنفسيته وأفعاله وتصرفاته في ذهن المتلقي، باستعمال مختلف أدوات ووسائل الإثارة والتأثير… !! فالمتدين عموما -كما يروج له في هذا الفيلم السيء- هو إنسان سلبي، جاهل، وسخ، قذر، بطّال، فاشل في حياته، كئيب، عابس، يعاني من عقد واختلالات نفسية واجتماعية، ساخط على مجتمعه، كاره له، ناقم عليه، عدواني، لا يأمن الناس بوائقه، متطرف، إرهابي… !!! والمتهتك، الماجن، المنحرف في المقابل -كما يروج له في الفيلم المذكور- إنسان إيجابي، متعلم، مثقف، رشيق، ظريف، لطيف، هادئ، فرح، مسرور، سعيد، محب لمجتمعه، مسالم … !!! – صحيح أن الشكل الخارجي المظهري لا يعكس بالضرورة التدين الحقيقي الصحيح، وأنه وجد ويوجد في مجتمعاتنا من يبالغون في العناية بالمظهر على حساب الجوهر، فتراهم يحرصون كل الحرص على التحقق بالسمت الظاهري، معتقدين أنه المعبّر بصدق عن الالتزام والتدين الصحيح، ويهملون في المقابل الجانب الباطني، أو تقل عنايتهم به، وتجد بعضهم قد نخرت قلوبهم آفات باطنية مهلكة، من كبر، وأنانية، وعجب وغرور، وما إلى ذلك من الآفات التي تنعكس سلبا على سلوكاتهم … وهذا هو عين التدين الزائف المغشوش.. وقد يكون من ورائه شهوات نفسية خفية ، ولا يخفى ما له من آثار سلبية على أصحابه وعلى المجتمع… أما التدين الأصيل الحقيقي فهو الذي يُعنى أساسا بالجوهر والمخبر، أي بإصلاح القلوب، وتخليتها من كل الأرجاس والملوثات، وتحليتها بالفضائل والقيم النبيلة، مما ينعكس إيجابيا على السلوك، فيثمر (حسن الخلق) الذي عده النبي صلى الله عليه وسلم من كمال الإيمان، وأخبر أنه من موجبات دخول الجنة وتبوئ منزلة سنية رفيعة فيها بجواره عليه الصلاة والسلام فقال -فيما صح عنه- : « إن من أحبّكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا…» وأصحاب هذا النوع من التدين المغشوش لا يمثلون في الواقع إلا نسبة ضئيلة بالمقارنة مع نسبة المتدينين حقا.. لكن المنتجين للفيلم السئ المذكور يتعمدون انتهاج أسلوب التعميم، فيحاولون جاهدين تصوير كل متدين على هذا النحو السلبي البئيس، وكأن هذا هو الأصل في كل متدين… وبدلا من تعميم النماذج القليلة السيئة من المتظاهرين بالتدين على كل المتدينين، كان على المنتجين للفيلم المذكور –لو كانوا منصفين- أن يبرزوا الحجم الطبيعي والواقعي لهم، ويتركوا أمر تقويمهم وإصلاح اعوجاجهم للمتخصصين من أهل العلم ، وينقلوا الصورة الحسنة للمتدينين حقا… لكنهم –للأسف الشديد- يصرون على الإساءة إلى شخصية المتدين عموما، ورسم صورة سوداوية له، واستثارة مشاعر السخط والكراهية إزاءه… !! – ومن الملاحظ أيضا أن المنتجين لهذا الفيلم السيء، وكذا قدواتهم من المنتجين لبعض الأفلام السينمائة العربية، يحاولون استغلال الشخصية المتطرفة الإرهابية، الممقوتة والمذمومة شرعا وعقلا وعرفا، استغلالا سيئا بشعا، من أجل تشويه صورة المتدين عموما، ونسبة التطرف والإرهاب إليه ظلما وزورا … !! وهذا الخلط المتعمد منهم بين التدين والتطرف يعكس مدى حرصهم على التدليس، والكذب، وقلب الحقائق، وكراهية التدين عموما، قصد تنفير الناس منه، وحقدهم وحنقهم على كل المتدينين، ومحاولة ربط شخصياتهم في أذهان المتلقين بالتطرف والإرهاب، وإقناعهم بأن كل متدين متطرف إرهابي… !!! ومما يعكس ذلك بجلاء، ويدل دلالة واضحة على أن مشكلة هؤلاء إنما هي مع الدين أساسا : ربطهم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) -التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض ومن فيهن، وبعث الرسل وأنزل الكتب- بأعمال العنف والقتل والإجرام، كما يبدو في بعض الصور الوقحة المستفزة لبعض شخصيات الفيلم، وهم يضعون على رؤوسهم شارات تحمل شعار التوحيد (لا إله إلا الله) !!! هذا عدوان صارخ على الدين… وأخيرا، أحذر من الانعكاسات والتداعيات السلبية لهذا الفيلم المسيء للتدين وأهله، بل وللدين الإسلامي، وأطالب بإيقاف عرضه،وبمقاطعته إن تم عرضه… ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾. * الدكتور عبد المنعم التمسماني