كثيرا ما أثبت لنا الواقع من خلال عدة تجارب صحة المقولة "فاقد الشيء لا يعطيه"، وهو ما ينطبق للأسف على سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي منذ أن جيء به بديلا إبان مرحلة ما سمي ب"البلوكاج الحكومي"، ليحل محل سلفه عبد الإله ابن كيران الذي أخفق في تشكيل حكومته الثانية، وهو في شرود دائم في رئاسته للحكومة. إذ اتضح أن الرجل الفقيه والحافظ لكتاب الله العزيز أو على الأقل ما تيسر من سوره، لايجيد من شيء عدا التماطل وإعطاء الوعود الزائفة، والتمادي في جلد واستفزاز المغاربة عبر تخبطاته المتواصلة والارتجال المزمن في اتخاذ القرارات الحاسمة والتدبير السيء للشأن العام والأزمات الطارئة… وبعيدا عن كل ما راكمته حكومته التي توشك على نهاية ولايتها في غضون بضعة شهور من خيبات وتلكؤ في مباشرة الإصلاحات الكبرى ومعالجة العديد من القضايا ذات الطابع الاستعجالي، فإننا سنقتصر هنا على الإشارة إلى الارتباك الصارخ في تعامل حكومته مع الأزمة الصحية الخانقة التي تمر منها بلادنا، في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد أو داء "كوفيد -19″، الذي أرهق بلدان العالم وفرض الكثير من القيود على الشعوب، وما ترتب عنه من تداعيات اقتصادية واجتماعية موجعة، يلزم وقتا طويلا للتعافي منها. حيث أنه لولا المبادرة الملكية السامية التي أطلقها الملك محمد السادس منذ ظهور أول حالة إصابة مؤكدة بالفيروس التاجي، متمثلة في إحداث صندق خاص بتدبير جائحة كورونا، من حيث التكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات التي يتعين اقتناؤها باستعجال، والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات الأكثر تضررا من الوباء والحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من تداعياته الاجتماعية. وإعطاء تعليماته للسلطات العمومية باتخاذ كافة التدابير الاحترازية الاستباقية والوقائية، حفاظا على صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، وما أبداه المغاربة من روح وطنية تضامنية وقيم إنسانية في هذه الظروف الاستثنائية، لحصلت الكارثة الكبرى وأصبحت "حريرتنا" أكثر حموضة من ذي قبل. وفي هذا الإطار وبينما كان المغاربة قاطبة ينتظرون بشوق كبير وصول اللقاح الموعود بعد أن بشرتهم الحكومة في أكثر من مناسبة بأن بلادهم ستكون من بين البلدان العشر الأولى في التوصل به، وأن الشروع في الحملة الوطنية للتطعيم التي أمرها الملك باعتماد مجانيتها لفائدة جميع المغاربة على قدم المساواة بدون تمييز، وأن تشمل كافة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة حسب جدول لقاحي في جرعتين يفصل بينهما 21 يوما، على أن تعطى الأولية للعاملين في الخطوط الأمامية من قبيل أطر ومهنيي الصحة والسلطات العمومية وقوات الأمن والتعليم، والأشخاص المسنين والفئات الهشة من ذوي الأمراض المزمنة… فإذا بهم يتلقون صفعة أخرى أشد من تلك التي ما انفك العثماني وحكومته يوجهانها إليهم دون مراعاة ظروفهم النفسية المتردية، حيث وقف بدون خجل ولا وجل يوم الثلاثاء 19 يناير 2021 أمام أعضاء مجلس المستشارين، في إطار الجلسة الشهرية للمساءلة حول السياسات العامة التي خصصت لموضوع: "الاستراتيجية الوطنية للتلقيح ضد وباء كورونا"، ليصرح في عرضه المرتبك بأن سبب تأخر حصول المغرب على حصته من اللقاحين المتعاقد بشأنهما، يعود بالأساس إلى محدودية القدرة الإنتاجية للقاح عبر العالم والمضاربات المصاحبة لتصنيعه. فأين نحن من تلك الوعود الزائفة عن انطلاق الحملة الوطنية للتطعيم قبل متم شهر دجنبر 2020 على أبعد تقدير وفق تصريحات رسمية موثقة. وتحذيرات المغاربة بأن وعد توفير اللقاح لا يعفي من ضرورة الاستمرار في الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وأن التعليمات والتوجيهات الملكية السامية من أجل التعجيل بإطلاق حملة التلقيح ضد وباء كورونا في أياد أمينة، وحريصة على أمن وصحة وسلامة المواطنين، وأن اختيار اللقاحين تم بناء على معياري السلامة والفعالية؟ ثم ألم يسبق لوزير الصحة خالد آيت الطالب أن أعلن عن اقتناء المغرب 65 مليون جرعة من لقاح "كوفيد-19" من شركتي سينوفارم الصينية وأسترازينيكا البريطانية-السويدية، ووعد المغاربة بصوم رمضان في ظروف جد طبيعية؟ فما اعتبره العثماني خلال مداخلته المستفزة "توضيحات"، لا يعدو أن يكون تعتيما على الأسباب الحقيقية حول تأخر اللقاحين، مما ضاعف منسوب التوتر والتشكيك وأثار موجة من السخط على صفحات التواصل الاجتماعي، لأن المغاربة ليسوا أغبياء كما يتصور، ولن تقنعهم أبدا تلك التبريرات الواهية وسياسة الهروب إلى الأمام، كما لا يهمهم إن كان التلقيح وحده غير كاف في القضاء على الوباء، ولا الحديث عن ندرة اللقاح عبر العالم أو المضاربات أو التواصل الدائم مع المزودين وغيره، وإنما يريدون فقط جوابا واحدا على موعد الشروع في التلقيح، الذي اتضح أنه هو نفسه يجهله ! إن ما يحز في النفس كثيرا هو أن تفشي جائحة كورونا صادف وجود حكومة جد ضعيفة، لا ترقى إلى مستوى تطلعات الجماهير الشعبية. وكما أنها أخفقت في تدبير الشأن العام على الوجه المطلوب، فشلت أيضا في التعاطي مع هذه الأزمة الصحية وآثارها السلبية، بالرغم مما رصدته لها الدولة من إمكانيات ضخمة قصد حماية المواطنين وإنقاذ الاقتصاد الوطني، حيث أنها أبانت عن ضعف فادح في التواصل والحكامة وغياب الرؤية الاستشرافية والتخطيط المحكم، فضلا عن الارتباك والارتجال والعشوائية في اتخاذ القرارات…