لم يرن هاتفها ذلك الصباح الندي البارد والحزين كي ترهف سمعها وجلة للأوامر الصارمة والنافذة لا تملك حينها إلا الإذعان والتنفيذ بالحرف والدقيقة يذكرونها في كل لحظة بالبر وحسن الخاتمة لم يعد لها إلا طاعة رغبات الموت الجامحة لم يفسحوا لها المجال حتى للتساؤل والاستفسار ولا حتى الاختيار بين الجنة والنار عبثا حاولت طرح الأسئلة أسكتوها بنظراتهم الشزراء القاسية أفصحت عن كم من الكره والحقد الدفينين صمتت معهما المسكينة صمت الآبدين خدعوها بدجلهم، أوقعوها في شركهم أشعروها بالفجر والدونية ألبسوها ثياب كل الآثام الدنيئة مرصعة بكل مفردات معاجم الجرم البذيئة حسسوها بالبؤس واليتم والضياع وزادوا على ذلك بئس المصير والقرار سحلوها كما زعموا من براثن الحياة الدنيا أوهموها بأن كل شيء إلى فناء و زوال حتى الذكريات والدعاء وصالح الأعمال قلموا أظافرها، ستروا "عورتها" أزالوا مساحيق تبرجها بل نقبوا وجهها أشعروها بالإثم يسري في كل أوصالها فاجتاحها بسرعة حتى غمر كل كيانها عوضوا زيها الدنيوي بزي الجلاد القاتل ستر عورتها ولكن فتح شهية الدمار الشامل برروا لها ذلك بفتاواهم الغريبة حولوها إلى أداة تحكم عن بعد متأهبة لتنفيذ خططهم العدوانية بعدما كسوها بثياب عربدتهم الفكرية وغرائزهم العطشى البهيمية وهم نشوى من فحولتهم المتقدة انخرطوا في اغتصاب أنوثتها جماعات جماعات مقابل الأجر والثواب وسكنى فسيح الجنات ظنت المسكينة أنها بذلك تنشد خلاصها الأبدي وأنها وصلت سدرة المنتهى… بعد شبه غيبوبة بفعل أثر الدجل تستيقظ بملامح متعبة وبوجه شوهه سحرهم عن عمد تسائل نفسها عما آل إليه حالها تتفرس حائرة في وجوه جلاديها علها تجد جوابا مستحيلا لأمر استحال دينا يتجاهلون حزنها بنظراتهم الجاحظة لم تستوعب شيئا مما يدور حولها اكتفت بالنظر والانشداه لا حول لها فهي لا تاريخ دموي لها ولا انتماء لمذهب القتل البتة هي فقط أنثى فريدة لا تشبه الأخريات كانت لها حكاياها وتفاصيلها الخاصة أحبت دنياها كما لم تحب فتاة قبل لكن نكلت بها كما لم تنكل بفتاة بعد وأوجدتها بين يدي سدنة الموت تقاطع قدرها مع قدر هم يحومون حولها كالذئاب الجائعة لا يتركون لها أي مجال للمراوغة أو الحركة دمروا فيها كل ما له علاقة بالحياة غير مدركين أنهم يعصون الرب بهذا الكره والدمار لأنه رحمن رحيم ولطيف وغفور سلبوها كل مفاتيح حب الدنيا وعوضوها بمفاتيح حب الموت والفناء هنالك بعيدا خلف حجاب الرب ألبسوها قناعا وهم يروجون لبضاعتهم: "كلما كان القتل أكثر كان الأجر عند الرب أكبر" نعم جعلوا من يأسها وانتكاسها وقودا أوقد رغباتهم العدوانية المتعطشة للدماء فاستنشقت الطريدة فكر القتل وانتشت به حتى الإشباع فرحة وهي تنتظر بلهفة موعد خلاصها الموثوق باليوم والساعة والدقيقة بل وبالثانية أي بذخ سادي هذا الذي يجثم على الصدور العفنة؟ أي قلب بشري هذا الذي يتحمل كل هذا الكم من البغضاء؟ أي دجل هذا الذي يحفز على إفراز كل هذه الشرور بل أي مخدر يتناوله هؤلاء حتى يعدموا كل تعاطف إنساني أنكون فقدنا إنسانيتنا عن سابق إصرار وتصميم منا؟ أيعقل أننا أصبحنا نهب الحياة أو الموت لمن نشاء وكيف نشاء؟ أي حمق هذا الذي تمكن منا؟ وكل ذلك باسم الدين؟ أتساءل من أي عيون الفكر ينهل هؤلاء دجلهم هذا؟ أين الرجولة في هذا وأين الشهامة والنخوة؟ بل أين العفة والذود عن الذات الإنسانية؟ أين ذهب الرجال الأنداد الشجعان؟ وا أسفاه على زمن اختفت فيه الرجولة؟ ألحقت بها أعطاب من الصعب جبرها ما هذا اللغو الذي طغى على سطح الأمة؟ إنه يشي بتصحر فكري وتلوث ديني ما فتئا يتعاظمان إلى ما لا نهاية انحدرت المسكينة بشكل صاخب لتشرب من معين دم لا ينضب ملأت به روحها حتى الشبع مدفوعة بدون وعي ومن غير هدى في انتظار الوقوع الأخير بحثا عن السلام والرحمة الأبدية وحده هذا الحزام الناسف القادر على مداواة جروحها العميقة والعصية عن الالتئام والعلاج هي أتت للدنيا مرغمة لكن سترحل عنها مؤتمرة خائفة نظرت إليهم بعيون يائسة ارتبكت واهتزت شفتيها من أثر دجلهم ندت عنها ابتسامة ساخرة ينفطر لها القلب كمن أصيب في مقتل تحسسك كأن وجودها عبء على هذه الدنيا إذا بصوت ضجر يحضها على الوقوع: "ستنزلين بردا وسلاما يا حورية" وهل تملك أن تناقش الطغاة في قرارهم فاستسلمت الطريدة لوقوع طليق نحو الهاوية