الحديث عن مايقع في الگرگرات اليوم وتبعاتها السياسية ، يجعلنا نستحضر ما يصدر من معطيات عن المراكز الإستراتيجية الأمريكية في العُشريّتين الأخيرتين من نظريات من قبيل "الفوضى الخلاقة" و"الدولة الفاشلة" و"نهاية التاريخ"، لهذا فان التيار المحافظ في الولاياتالمتحدة قد ركز على كيفية تدبير سياسته في المنطقة العربية خاصة بعد احداث ما عرف ب 11 سبتمبر التي قصفت فيه امريكا من طرف تنظيم القاعدة بزعامة قائدها آنذاك بلادن ، لهذا كانت العروبة والاسلام احد آليات التي تم توظيفها لهذا الغرض وبات المخطط الامريكي يُنفذ "كل ماله علاقة بهذا التطرف وهو مايجعل المس بأمن امم عجمية غير عربية كالامازيغ في شمال افريقيا في خطر بدعوى انهم مسلمين "، ولعل ماقاله الملك محمد السادس في خطابه بالرياض مند سنوات يعكس هذا التوجه ، مضيفاً: "إنهم يريدون المس بما تبقى من بلداننا التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية".. وهي مؤامرة مبنية على دراسات تُبشّر بالشرق الأوسط الكبير، الذي سيقوم على أنقاض النظام العربي الموروث عن نهاية الحرب العالمية الثانية. ويُمكن اختزال هذا المخطط في تفكيك الدول القائمة، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أساس دولة لكل مجموعة إثنية، أو طائفة دينية. بحيث تُصبح المنطقة العربية عبارة عن فسيفساء يستحيل معها قيام منظومة سياسية تملك مقومات استقلال القرار، أو من شأنها أن تهدد المصالح الحيوية للغرب، و "إسرائيل" ويشكل تصريح ماكرون الرئيس الفرنسي وموقفه من الاسلام والمسلمين واحدة من آليات توظيف هذه الاستراتيجية الهدف منه خلق زعامات تعتمد على ورقة اسلام قريش ، لتفكيك بقايا من المخيال الجمعي لبقايا الامبراطورية العثمانية وتوزيع تركة الرجل المريض الذي يمثله اردوغان ، وقد سبق أن استعملت الدولة فرنسا نفسها عبر منبر اعلامها في السابق اصطلح عليه "الربيع العربي" (فرنس 24)، لتعزيز من هذا الطرح ، كما شكلت الورقة الإيرانية الطائفية، وسيلة أخرى لضرب أمن واستقرار الدول العربية وإعادة تجزئتها. وتعتبر نيويورك تايمز من أكبر الصحف الامريكية "الجادّة " التي أظهرت خرائط برزت فيها إمكانية تقسيم الدول الى ثلاث دول منها ما يشمل المملكة العربية السعودية، وثلاث دول في العراق، ومثلها في سورية ومصر، بالإضافة إلى الكيان الوهمي في جنوب المغرب. واليوم نرى التقسيم يقترب أكثر فأكثر من منطقة شمال افريقيا تحت دريعة وجود الاسلام والعروبة ، حيث أصبح واقعاً فعلياً في ليبيا. ويواجه المغرب منذ أربعة عقود مخططاً رهيباً لفصل أقاليمه بظهور رايات تدعوا الى تقرير المصير . وقد كان المخطط في البداية من تدبير إسبانيا الاستعمارية، عرف باسم ملف افني والصحراء ، غير ان حسمه بتقسيم الصحراء بين موريتانيا والمغرب تم في اتفاق مدريد. ، وخلف دلك تداعياته منها ان بقايا مجموعة الفكر البعثي ما لبثت أن "فوّضت" نفسها تحت مسمى "البوليساريوا " إلى نظام "العسكرتاريا" الجزائري؛ لتأسيس دولة عربية في الصحراء الأمازيغية ، بل إنّ النظام الجزائري الذي ارتبط اكثر بقضايا البعثين وحلفائها في الحرب الباردة لم يتورّع عن الخروج عن الإجماع ال البيت ، إذ ساند النظام الإيراني في حربه على العراق في الثمانينيات من القرن العشرين؛ وخرج عن قرار الجامعة العربية تصنيف "حزب الله" منظمة إرهابية بسبب تدخله ضدّ الشعب السوري وتحالفه مع إيران في القتال داخل سورية واليمن والعراق، وتدريب الميلشيات الطائفية البحرينية؛ أما الثانية فحين زار "وزير خارجية الجزائر المكلف بالشؤون العربية والإفريقية"، المدعو عبد القادر مساهل، نهاية أبريل العاصمةَ دمشق لمساندة نظام الأسد وإرسال إشارات الحقد والعداء تجاه القمة المغربية الخليجية. وبذلك تكون أزمة الگرگرات ، طعم لحرب ودمار لابد منه في جنوب الصحراء ودول الساحل يكون فيه النظام العسكري الجزائري قد حكم على نفسه ب"العزلة الإستراتيجية" عن محيطه المغاربي اولا ، واختار التآمر خدمةً للمشروع الفوضى الخلاقة باستعمال البوليساريو البعثي الذي يصبّ في النهاية لتفتيت دول شمال افريقيا على غرار الشرق الاوسط . ولهذا فإن جنرالات الجزائر في خضم أزمة الگرگرات قد يدركون عن وعي أو غير وعي، أن مخطط التفتيت لا يستثنيهم، بل أكاد أقول إنهم على رأس القائمة لعدة اعتبارات اولها بقايا حزب البعث العربي في العالم وهي فقط واحد من النقط التي لا يتسع المجال لبسطها في هذا الحيّز. أمام كل هذه التحدّيات يأتي التحالف الإستراتيجي بين المغرب ودول الخليج من أجل إعادة ترميم وحماية الأمن القومي للمماليك في الخليج وشمال افريقيا ، من خلال تأسيس "كتلة إستراتيجية" ، تكون فيه الدول "العربية" فاعلاً إستراتيجياً مخافة من ان تسقط في "حديقة خلفية "، كما قال محمد السادس في خطابه أمام قادة دول الخليج والشرق الاوسط مند اربعة سنوات مضت ويتم العمل بها اليوم في شمال افريقيا ، فهل أزمة الگرگرات هي بداية لمنعطف خطير في دول الساحل والصحراء ، لا يدرك محتجازي تندوف خطورته بعد ، خاصة وأن تمة مقترح للحكم الذاتي كفيل بتفادي هذا المشكل ، رغم انه كان قد طرح في عهد الإدارة الإسبانية ورفض كذلك بدعوى انهم كفار …لهذا نقول ان تجربة أزمة الگرگرات وتبعاتها ، لا يمكن فصلها ايضا عن استعمال العروبة والاسلام للقضاء على وجود الأمازيغ في شمال افريقيا وسرقة ثرواتها ..والحال واقع مرير في أزمة الگرگرات …