أنا متفائل، ستنتصر الثورة على الرغم من كل ما تعرضنا له، وعلى الرغم من كل القتل والتعذيب والانتهاكات وحملات التشويه، فإنهم لم يستطيعوا أن يكسرونا. حتى المصريون الذين ضللهم الإعلام، سوف يكتشفون قريبا الحقيقة: مازن إحدى شخصيات رواية جمهورية كأن لعلاء الأسواني كان من الممكن كتابة مقال جديد يستقرئ الواقع المصري، والانتفاضة الكبيرة التي انطلقت من قرى مصر منددة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، جراء مسلكياته السياسية المتجهة إلى إغراق أم الدنيا في الفساد والاستبداد، و قتل الأمل في قلوب المصريين الأبرياء؛ الأمل في العدالة و الحرية و الكرامة الإنسانية، إلا أنني فضت إعادة نشر مقال كتبته في عشية الانقلاب العسكري 2013 ، و لحسن الحظ أنني كنت على صواب عندما تنبأت بخطورة تغول الانقلابيين و نزعتهم المطلقة إلى معاداة الشعب، و غلقهم للمجال العام جملة و تفصيلا، فما أشبه الليلة بالبارحة ! إذا استثنينا المواقف السياسية والإعلامية الإسرائيلية وبعض الدول العربية المؤيدة للانقلاب العسكري الداعمة لأسلوبه الأمني الدموي أثناء فض المعتصمين السلميين، المطالبين بإعادة الشرعية الديمقراطية، فإننا نجد في المقابل مواقف إنسانية خالدة صدرت عن مسؤولين غربيين رفيعي المستوى، فضلوا الإعلان الصريح عن الرفض المطلق لسفك دماء مواطنين أبرياء. ولئن كنا انتظرنا من الجهاز العسكري والأمني المصريين هذا المسلك القمعي للشعب، فإننا لم نكن نتصور أن الأمر سيصل إلى هذه الدرجة من الحقد والكراهية والتنكيل الهمجي بالمعارضين. والآن وبعد أن نفذ الانقلابيون هذه المجزرة غير المسبوقة في تاريخ الأمم ، تبين للعالم كذب الماكينة الإعلامية المحسوبة على النظام المصري، والتي استمرت أكثر من سنتين لشيطنة المكونات الوطنية العلمانية و الدينية، و تشويه صورتها، عبر فبركة الأحداث والدعاية بالغة السواد، وبدا للعالم أن المعتصمين كانوا فعلا مجهزين بأقوى الأسلحة ، لكنها أسلحة الإيمان بالقضية التي خرجوا من أجلها: الدفاع الأسطوري عن إرادة الشعب والاختيار الديمقراطي، هذا الاختيار الذي يقض مضجع أغلب "الزعماء" العرب الذين اتخذوا من عدائهم للديمقراطية والقيم الإنسانية الكونية هدفا استراتيجيا لهم ! إن العنف الوحشي الصادر عن المسؤولين العسكريين والأمنيين لا يترجم إلا حقيقة واحدة، الرغبة المميتة في القضاء على الآخر وإقصائه ، وإسكات الصوت المخالف .. إنها الديكتاتورية العسكرية بأجلى صورها ومعالمها الفاشية. هل سيقبل "العالم الحر" هذا الاغتصاب السياسي غير المسبوق: سرقة الديمقراطية بالصوت و الصورة عالية الجودة و (على الهواء مباشرة )؟ في رأي كاتب هذه الأسطر، سيستمر التنديد بمذابح النظام القمعي من قبل فعاليات وازنة في المنتظم الدولي، والإيحاء بإمكانية محاكمة عصابة الانقلابيين .. بخلاف المسؤولين الحكوميين الدوليين، فهم سيبحثون عن مخارج للاعتراف بالأمر الواقع، ما دام الانقلاب مطلبا لأعداء الانتقال الديمقراطي في العالم العربي ! و يضمن المصالح "الحيوية" للدول الديمقراطية "جدا". لقد أضحى العرب مدركين أكثر من أي وقت مضى أنهم لن ينعموا بالديمقراطية كنظام للحكم السياسي الرشيد، الذي قد يجعلهم قوة إستراتيجية عظمى في منطقة جيو- سياسية محرقية، كما أنه بالديمقراطية وحدها يمكن رد الاعتبار للذات العربية الجريحة .. فما الحل ؟ على ضوء ما سبق، لا يمكن الاعتماد على المساندة الغربية على الرغم من أهميتها، و لا يمكن انتظار أي خير ممن يجيء على ظهر دبابة، يسفك الدماء و ينشر الموت الزؤام و يغرق الوطن في الحرب الأهلية .. الحل الأوحد يكمن في الاعتماد على النفس، بالاستمرار في الاعتصامات والمسيرات السلمية الحضارية من دون كلل، و المطالبة الدائمة و المستمرة بعودة الشرعية الديمقراطية، و الإنصات إلى خطاب العقل والمصلحة العليا للوطن. إن الانقلاب العسكري المصري جاء لخدمة المصالح الأجنبية الخارجية، فلابد من مقاومة التحكم والاستبداد، لا بد من إزاحة الانقلاب ، خاصة وأن في المؤسسة العسكرية المصرية رجالا شرفاء وطنيين قادرين على إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي ، فالجيش في كل البلدان وجد للدفاع عن الوطن والوقوف في وجه العدو الخارجي، وحماية المؤسسات الديمقراطية .. ولم يوجد إطلاقا من أجل السطو على المكتسبات الديمقراطية والتنكيل بالمواطنين الشرفاء والإجهاز عليهم بدم بارد جدا !