بركة: مقترحات حزب الاستقلال تسعى لتقوية الأسرة وحماية الأطفال    كيف تصل التمور الجزائرية الممنوعة إلى الأسواق المغربية؟ ولماذا لا يتم حظرها رغم الخطر الصحي؟    ابن كيران: شعورنا بأن الحكومة لا تبالي بالشعب وكأنها جاءت بالمشروعية من جهة أخرى    المغرب يُعزز ريادته الأمنية في إفريقيا .. ومبادرة الدرون تفضح تخبط الجزائر    "العدل والإحسان" تنوه بمساندة المغاربة لغزة وتدعو الدولة لوقف التطبيع مع الكيان الصهيوني    الدار البيضاء: توقيف شخصين هددا سلامة الناس والممتلكات بالسياقة الخطيرة والاستعراضية    كيوسك السبت | إطلاق مجموعة "أصدقاء المغرب في حزب العمال البريطاني" في لندن    "الحظ" يطرق أبواب أمريكيين باسمَي كلينتون وترامب    قطر: تطبيق اتفاق غزة يبدأ صباح يوم الأحد    المغرب-فلسطين.. بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي في المجال الفلاحي    صحيفة "غلوبال تايمز": 80% من المشاركين في استطلاع عالمي يشعرون بتفاؤل كبير حيال مستقبل الصين الاقتصادي    "إف بي أي" يثمن ويشيد بتعاون المخابرات المغربية في قضية اعتقال "سليمان الأمريكي"    اغتيال قاضيين بالمحكمة العليا لإيران    يهم حكيمي.. سان جيرمان يزاحم ريال مدريد على صفقة كبرى    وفاة لاعب مانشستر يونايتد السابق دينيس لو عن 84 عاما    فريق المغرب التطواني يواصل سقوطه في البطولة الاحترافية    غياب المدرب و3 لاعبين عن الجيش الملكي قبل مواجهة صن داونز    بطولة الهواة تعود في شهر فبراير    الأمين العام لحزب الاستقلال يؤكد السعي إلى تصدر نتائج "انتخابات 2026"    شياومي المغرب تطلق سلسلة هواتف Redmi Note 14 الجديدة    طقس السبت.. الريف والأطلس على موعد مع الصقيع وتساقط الثلوج    الوزير بركة يعطي انطلاقة مشاريع تنموية كبرى بإقليم العرائش لتعزيز البنية التحتية والموارد المائية    أنفوغرافيك | جامعة محمد الخامس.. لوحدها تدخل تصنيف "كيو إس" لأفضل جامعات العالم في 2025    انقلاب شاحنة يكشف عن شحنة ضخمة من الحشيش    مجلس الوزراء الإسرائيلي يوافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    بطولة ألمانيا: البرتغالي بالينيا يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    المصارع المغربي علاوي بطل النسخة العربية الإفريقية من "محاربي الإمارات"    بنك المغرب: حاجيات سيولة البنوك تبلغ نحو 136 مليار درهم خلال شهر دجنبر 2024    نهضة بركان يطرح تذاكر مواجهة ستيلينبوش الجنوب إفريقي    عاجل..العثور على أطنان من المخدرات إثر حادث انقلاب لشاحنة في الطريق السيار (فيديو)    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    حملة تفتيشية بالمدينة العتيقة لطنجة تغلق محلات لبيع المواد الغذائية والتجميل لعدم الالتزام بالضوابط الصحية    أفضل الوجهات السياحية في المغرب: دليل شامل لعام 2025    هل يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" أفقا للسلام الدائم؟    نيناتي: أمتن لدعم الملك لتنمية ليبيريا    الدار البيضاء.. سفير الصين بالمغرب يدشن الاحتفالات بعيد الربيع الصيني    إتقان اللغة الأمازيغية.. من السلطان محمد الثالث إلى ولي العهد مولاي الحسن: إرث ثقافي مستمر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بالأحمر    توقيف عنصر متطرف بتاوريرت يتبنى الفكر المتشدد لتنظيم «داعش» الإرهابي    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    تخفيف ضريبي يرفع معاشات التقاعد    "أطاك" تنتقد لجوء الدولة إلى تكبيل الحق في ممارسة الإضراب    الهند وباكستان في طليعة المستفيدين من التأشيرة الإلكترونية المغربية.. إصدار أزيد من 385 ألف تأشيرة منذ 2022    وفاة الممثل المصري فكري صادق بعد صراع مع المرض    أوريد يوقع بمرتيل كتابه "الإغراء الأخير للغرب: تداعيات الحرب على غزة"    وفاة جوان بلورايت نجمة المسرح والسينما البريطانية عن 95 عامًا    قصة حب ومليون دولار.. تعليق من براد بيت على قصة الفرنسية التي خدعت بغرامه    حمودان يقدم لوحات فنية في طنجة    مزاد يثمن الفن التشكيلي بالبيضاء    «نحو مغرب خال من السيدا بحلول 2030»: اليوم الدراسي للفريق الاشتراكي يسائل السياسات العمومية والمبادرات المدنية    تناول المضادات الحيوية بدون استشارة الطبيب..مختص يفرد التداعيات ل" رسالة 24 "    خبيرة توضح كيف يرتبط داء السيدا بأمراض الجهاز الهضمي..    HomePure Zayn من QNET يحدد معيارًا جديدًا للعيش الصحي    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كراسة الخط المغربي الميسر للخطاط الخبير محمد المعلمين
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 07 - 2020

يشكل الخطاط الشيخ محمد المعلمين مدرسةً خطيةَ مغربيةً قائمة بذاتها، فهو رائد في الخط المغربي، راكم خبرات كثيرة جعلته من الأوائل الذين واكبوا البحوث العلمية الحصيفة، وأشير هنا إلى أفْيَد كتاب صدر في الخط المغربي ويُعد مرجعا لكل الباحثين في الخط المغربي وهو كتاب تاريخ الوراقة المغربية لمحمد المنوني رحمه الله، وقد اعتمد رحمه الله على النماذج التي قدمها الخبير الرائد في الخط المغربي محمد المعلمين أطال الله في عمره، الشيخ محمد المعلمين قد ميز بين الأنواع الخطية المغربية ووضعها في خانات ليَتَبَيَّنَ للقارئ كل نوع على حدة. فجهود هذا الرجل قوية بما قدمه للخط المغربي من اعتناء وممارسة توافرت فيها كل شروط الإبداع وكل مقومات الجمال المغربي. ولا غرو في ذلك، فهو المتمرس الذي خَبَر الخط المغربي في المخطوطات القديمة، وبذلك يعتبر رائدا من رواد الخط المغربي وأحد شيوخ الخط بالمغرب؛ وظف هذا الخط لخدمة التراث المغربي العربي الإسلامي، ووظفه بجمالياته المغربية الأصيلة حفاظا على مقوماته الثقافية والحضارية والتاريخية.
ولم يلبث أن قدم للخط المغربي خدمات جليلة، حتى أخرج إلى الوجود كراسة في الخط المغربي المبسوط والمجوهر وخط الثلث المغربي وهي من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ليعبر بوضوح عن بوادر التصور التقليدي الجمالي في تقعيد الخط المغربي المبسوط والمجوهر. وهو تأليف يكتنز تبسيط التفاعل مع حروف الخط المغربي مفردة ومركبة ومع النصوص في معنى جمالي، يستجلي نشوة القراءة.
ويُعد محمد المعلمين من أوائل الخطاطين الذين طرقوا أسلوب الكراسة في الخط المغربي رغبة في تبسيط تعليمه، وكذلك رغبة في إضفاء معاني جمالية وبصرية على هذا الخط بدلالات فنية وقيم معنوية. وهو توجه يؤكد ارتباطه الوثيق بالخط المغربي وبالمخطوطات المغربية.
ولا شك أن هذا الكراس في الخط المغربي المبسوط والمجوهر يدخل في سلسلة ممارساته وتخطيطاته للخط المغربي. فهو يعنى تفصيليا بقواعد الخط المغربي المبسوط والمجوهر والثلث المغربي، وقد افتُتح الكراس بتقديم للدكتور محمد المغراوي الذي قدم صورة شاملة عن الخط العربي باعتباره من الفنون الراقية التي تنمي الذوق وتصقل الحاسة الفنية على حد تعبيره. ولامس الطرق المختلفة لتعليم الخط في مختلف المناطق الإسلامية؛ وفي المغرب اعتَمَد تعليم الخط على تقليد خط الفقيه أو الأستاذ ثم الانتقال إلى تقليد الخطوط الفنية الجيدة من الكتب والوثائق والنقائش خاصة لدى أصحاب المواهب. وأشار إلى أن الإرشادات الفنية المباشرة كانت قليلة في عملية التعليم التي تعتمد المحاكاة، وهو ما أدى إلى تغليب التعلم الذاتي المرتكز على عصامية الخطاط أكثر من استناده إلى شيوع الخبرة وتداولها بين الخطاطين والتنبه إلى أسرار الحروف والتراكيب على حد تعبيره. وخلص إلى أنه مع مرور الزمن أصبح نهج الطريقة التقليدية صعبا لعدم وجود مؤسسات لتعليم الخط ببلادنا، وأيضا لعدم وجود خطاطين متفرغين لتعليمه.
وبخصوص الكراسات؛ فإن الدكتور محمد المغراوي يرى أنها أكثر ملاءمة لطبيعة العصر معللا ذلك بكونها تختزل الخبرة الفنية والتربوية لصاحبها، فتضع أمام الخطاط المبتدئ طريقة مضبوطة وواضحة للتعلم تعتمد على التدرج من الحروف البسيطة إلى الحروف الأصعب، ومن الحروف المفردة إلى الحروف المركبة، وتنتهي بأسس التركيب الخطي. ويشير إلى أن التعاطي مع الكراسة وإن كانت جيدة فإنه لا يعفي طالب الخط من التتلمذ المباشر، وذلك لوجود عدد من الصعوبات التي يقتضي حلها الرجوع إلى الأستاذ المتمرس الذي يكشف له الأسرار والغوامض.
وبخصوص هذه الكراسة تحديدا؛ فقد أثنى عليها د. محمد المغراوي واعتبرها حدثا له دلالته في السياق الفني قياسا بالتطورات الراهنة لحركة الخط المغربي، وأن الحاجة ملحة إلى كراسة تعليمية، خاصة مع إنشاء جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي حيث شُجّع الكثير ممن كانوا يهتمون بالخطوط المشرقية على الانفتاح على الخطوط المغربية.
وفي إشادة بالشكل البديع الذي ظهرت به هذه الكراسة؛ فقد أشار إلى أنه كان ثمرة نقاش كان قد دار بين د. محمد المغراوي والأستاذ الخطاط محمد المعلمين قبل سنوات من خروج هذا العمل إلى الوجود، حول أهميته في تعليم الخط المغربي ومحاولة تقعيده، علما أنه قد كان للخطاط الأستاذ محمد المعلمين مشروع سابق أوّلي أنجزه قبل عدة سنوات بمناسبة إحدى التظاهرات الخطية.
ويؤكد د. محمد المغراوي في تصديره لهذه الكراسة على أهميتها، خصوصا في وقت تكاد تنعدم فيه الكراسات الخطية في التراث الخطي المغربي، وقد أعزى الدكتور محمد المغراوي أهمية هذه الكراسة في :
* الخبرة الطويلة للأستاذ محمد المعلمين في إجادة الخطوط المغربية لأربعة عقود من الزمن قضاها موظفا في عدد من المؤسسات بدءا بوزارة الثقافة في الستينات من القرن الماضي، ثم كاتبا للظهائر الشريفة بالأمانة العامة للحكومة في السبعينات، إلى أن اختير خطاطا بالديوان الملكي منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي.
* كفاءة الرجل العالية في كتابة جميع الخطوط المغربية بالجودة نفسها والإتقان نفسه، وقد اعتبره الدكتور محمد المغراوي أنه الوحيد اليوم بالمغرب الذي يتمتع بهذه الكفاءة بدون منازع. وهذا فعلا شيء مهم جدا انتبه إليه د. محمد المغراوي، ولكني سأضيف شيئا بالأهمية نفسها، وهو في الحقيقة أن الرجل استطاع أن يفك الأنواع الخطية المغربية في صلب المخطوطات المغربية المدججة بالكتابات المغربية المدمجة وبالكتابات المغربية الاعتيادية، ويُخرج كل نوع بتفاصيله الدقيقة. فخبرة الرجل ومراسه قد قادانه إلى هذا العمل العظيم. فهو الذي كتب النماذج الخمسة من الأنواع الخطية المغربية في الكتاب القيم: تاريخ الوراقة المغربية لمحمد المنوني رحمه الله.
* وتكمن الأهمية الثالثة حسب د. محمد المغراوي في حفاظه على التقاليد الفنية للمدرسة المغربية الأصيلة في فن الخط، وإتقانِه المتميز للتركيب الخطي في الثلث المغربي بنبوغ يستحق التنويه. وبالإضافة إلى ذلك، هناك تشرُّفُه بكتابة عدد من المصاحف الشريفة بالخط المغربي المبسوط ومنها المصحف المحمدي الشريف. ثم إدراكُه لأسرار الخط المغربي مما يخفى على العديد من الخطاطين.
ولا شك أن لهذه الكراسة قيمة كبيرة هي بقيمة الرجل فالشكر للدكتور محمد المغراوي الذي بين قيمة الرجل من خلال تقديمه للكراسة، وهي قيمة تتجلى بكل تفاصيلها في منتوجه الخطي وفي كل ما قدمه من منجزات لعقود خلت. وخبرته بادية في هذه الكراسة التي طرق فيها مجموعة من الأنواع الخطية المغربية.
والشكر كذلك لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على مبادرتها القيمة لإخراج هذه الكراسة إلى الوجود ونشْرِها في وقت كان الفراغ يعم الساحة الخطية المغربية في هذا المجال.
بعد التصدير الجميل والشامل للدكتور محمد المغراوي أنتقل إلى مقدمة الكتاب والتي صاغها المؤلف الشيخ الأستاذ محمد المعلمين بعشق الخطاط للخط، وهو العاشق له منذ صغره، حيث تطرق إلى أهم المحطات التي لفت مسيرته الخطية منذ طفولته، ثم أكد على الحاجة الملحة لكراسات لتيسير الكتابة بالخط المغربي بأنواعه الرئيسية. وذلك بتبسيط صور حروفه ورغبة في تجويده وتقعيده. والأمل يحذو الشيخ لحصول الخطاطين المجتهدين على إجازات فيه على غرار الخطوط المشرقية.
وقد دخل بعد هذا التقديم طقوس التطبيق للأنواع الثلاثة الرئيسية:
أولا- الخط المغربي المبسوط: ويعتبر حسب الشيخ محمد المعلمين من أشهر الخطوط المغربية على الإطلاق، وقد اشتُقَّ من الخط الكوفي وظل يَتَّبِعُ قاعدَته الفنية، وتبدو حروفُه أكثر استقامة ووضوحا وامتدادا، ويتميز بعضُها بوجود تعريقات رشيقة، وقد حصل في هذا الخط تجويد كبير وصار مع الوقت أكثر دقة ورشاقة وتعددت أساليبه مع انتشاره الواسع ومن هذه الأساليب المعروفة حاليا: الأسلوب الذي طُبِعَ به المصحف الكريم في المطبعة الحجرية بفاس . هذا التعريف الذي قدمه الشيخ من أحسن التعريفات التي تَمتَّع بها هذا الخط، فهو تعريف مُركّز جدا، ودقيق وهادف. وهذا طبعا من تَمَكُّن الشيخ محمد المعلمين من المادة الخطيةِ ومعرفةِ أسرارِها، ومن سعةِ نظرتِه الخطيةِ ولزومِه المخطوطات وتَعرُّفِه على حيثياتِ الخط المغربي وتفاصيلِه.
وكما هو معلوم فهذا الخط قد اتخذ صبغة القدسية لأنه يمارسُ دورا قدسيا من خلال تخصيصِه لكتابة المصاحف، وذلك لوضوحِه وجمالياتِه التي تتخذ من انحناءاتِ حروفِه واسترسالاتِها وتدويراتِها قاعدةً تجعلُ القارئَ يَدخُل في صمت ومهابة، وتسافرُ به إلى عالم التأمل في كلام الخالق انطلاقا من رمزيتها الدالة على العديد من الخبايا والأسرار التي لا يحيط بها إلا خاصةُ العلمِ والمعرفةِ الحقّة.
وهو " أوّلُ ما يُعَلَّمُ في الكتاتيب، وسُمّي بذلك لبساطته وسهولة قراءته، وبه تُطْبَع المصاحفُ الحَجَرية المغربية، وتُنسخ به كتب الصلوات والأدعية. هذا في كتاب المخطوط العربي، دراسة في أبعاد الزمان والمكان، إياد خالد الطباع، ص 26.
وبهذه الإشارة فإن الامتداد الذي يتمتع به الخط المغربي المبسوط، والبسط الذي يقترن به تطويل الحروف واسترسالها أفقيا وعموديا كما ذكر ذلك الشيخ محمد المعلمين، قد أسهما في بناء شكلِه، فضلا عن بروز أشكال حروفه مفردة أو مركبة، حيث يتمظهر واضحا جليا سهلا في القراءة.
وقد افتتح الأستاذ محمد المعلمين الممارسة التطبيقية بوضع الأشكال الثلاثة للحرف، الحروف المفردة والحروف الوسطية والحروف المتطرفة، ثم سار إلى تركيب الحروف المختلفة على الجيم والحاء والخاء وقدم تطبيقات تخص أنموذج الحرف الواحد وأنموذج الحرفين وأنموذج الأكثر من حرفين، إذ في حالة تعدد الحروف قبل الجيم والحاء والخاء المتطرفة تُكتب الحروف المختلفة على السطر، وتكتب كذلك الجيم والحاء والخاء على السطر.
ثم توجه إلى الحروف وأوضاعها بالنسبة للكلمة في الخط المغربي المبسوط وقدم نماذجَ تطبيقية أردفَها بأشكال الحروف المفردة في أحد الخطوط المغربية الثلاثة، في مقارنة لطيفة، مع أشكالِ هذه الحروفِ نفسِها في الخطينِ الآخرَيْنِ، وهي بادرةٌ طيبةٌ منه، تدل على عبقريتِه في التفاعل المنهجي مع المادةِ الخطيةِ المغربية، لإظهارِ الحروفِ بارزةً في انتمائِها لكُلِ نوعٍ على حِدى. ثم مر الشيخ الجليل حفظه الله إلى مراحل كتابةِ أجزاءِ الحروفِ المفردةِ واتجاهاتِها " مسار رأس القلم " فقدم مجموعة من الكيفيات الموازية لاتباع مسار رأس القلم في كل حرف مفرد، مدعمة بالأسهم للتوضيح الأمثل. لينتقل إلى مقاييس حروف الخط المبسوط في محاولة لتقعيد الخط المغربي، فسار على نهج القياس بالنقط ثم بالسطور وقد ظهر رسم هذه الحروف في غاية الروعة. وخلص إلى التركيب الجزئي المتكون من حرفين ثم التركيب الكامل. وأجمل ما ثَمَّن به هذا المجهود: هو التجليل الذي خصه الشيخ في بعض الكلمات بلون مغاير، ليُبيّن بعض الخاصيات الجمالية في هذا الخط، ويُظهر كذلك كيفية التركيب في الكلمة الواحدة سواء في الحروف المحمولة أو في غيرها. وقدم نماذج من آيات قرآنية كريمة وسور قصار. وسار على درب تنقيط القاف بنقطة واحدة من فوق، ونقطة من أسفل للفاء، وإهمالها في حرف النون المتطرفة.
وفي الجزء الثاني خص الشيخ الكريم الخط المغربي المجوهر بديباجة تعريفية استهلها بسبب تسميته بالمجوهر وذلك لاستدارة حروفه ودقته المتناهية، وهو خط الكتابة الاعتيادية في المغرب الأقصى خلال القرون المتأخرة، وقد انحدر من الخط المبسوط في حدود القرن السادس الهجري استنادا إلى النماذج المتوفرة، واستعمل في كتابة الكتب العلمية المختلفة والوثائق الرسمية والخاصة. وهو حسب الشيخ محمد المعلمين خط رشيق مكثف شديد الخصوصية. ويبدو أن الأستاذ له دراية كبيرة ومعرفة حصيفة بكل ما يخص هذا الخط، هذا الخط المغربي الجميل، قال عنه عفيف بهنسي خط مغزلي مبسوط. معجم مصطلحات الخط والخطاطين ص 137، وهو من نماذجه خطوط المراسيم السلطانية والرسائل الخصوصية والعمومية، وبه طُبعت الكتب العلمية بالمطبعة المحمدية أيام السلطان محمد الرابع." تاريخ الوراقة المغربية، محمد المنوني رحمه الله ص 47، وهو خط دقيق وسلس وسريع يستعمل في الكتابات السريعة، تمتاز حروفه بالصغر والتقارب، ويوحي تناسُقُها بعقدِ الجوهر." كما ورد ذلك في كتاب الخط المغربي تاريخ وواقع وآفاق للدكتورين الجليلين محمد مغراوي وعمر أفا. ص 62 . فمقاييس حروفه أقل حجما من المبسوط وبعضها مطموس وهي العين والغين إذا وقعتا في وسط الكلمة، والفاء والقاف والواو والميم. وهي سمة تميز هذا الخط وتزيده رونقا وعذوبة. وعادة يحدث الطمس في عدد من الأنواع الخطية في المشرق وفي المغرب، فحرف العين أو الغين يطمسان طبقا لقاعدة محددة. ففي المجوهر المغربي تَرِدَانِ مطموسَتان في جميع التموضعات. وفي خط النسخ " يُطمس حرف العين والغين إذا كان أحدُ الحرفين مُتصلا بما قبله في وسط الكلمة أو آخرِها." القواعد الكتابية، ص 16.
وقد ابتُدع المجوهر في المغرب، حيث اعتبروه من الكتابات المرَقَّشة بخطوطِها المُمتلئةِ والممشوقة، وقد كتبه الخطاطون المغاربة بمحلول الذهب والعنبر المسقي بماء الورد بدل المداد، ونشفوه بمسحوق الذهب بدل التراب." دراسة في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي، أحمد شوقي بنبين، ص 176 . وحرِصوا أشدّ الحرص على جودتِه وضبطِه وتقييدِه بخصائص ومميزات جمالية خاصة عند ظهور قلم النحاس، وقلم الذهب، ذكره عفيف بهنسي في شرح القلم ضمن مجموعة من الأقلام العربية، ص 122. وكتبوه بالألوان بشكل راق ينم عن الجمال السائد بالمغرب في العهود الماضية. هذا فقط للإغناء.
وأعود إلى الممارسة التطبيقية التي خص بها الأستاذ محمد المعلمين هذا الخط حيث وضع الحروف مفردة ومركبة تركيبا جزئيا ثم تركيبا كليا وختمها بنصوص غاية في البداعة والروعة والجمال.
ثم ختم الأستاذ الكراسة بخط الثلث المغربي وذكر بأنه يمتاز بليونته وانسياب حروفه، وإمكانياته غير المحدودة على التشكل والتداخل والتركيب، ويتمتع بوجود حرية أكبر في تطويع صور الحروف وأحجامها؛ فالأستاذ محمد المعلمين أدرى وأعلم بذلك لأنه مارس هذا النوع وجلّله وعرف كل خباياه، خاصة وأنه خط يتميز بالتناسق والرشاقة، ويوصف بالجمال لرونقه وشكله العذب، ويستعمل في كتابات عناوين الكتب وبعض المراسلات، وأيضا في المعمار المغربي. ويعتبر عنصرا جماليا يهدف إلى تزيين جدران المساجد والقصور وكذلك في لوحات التحبيس وشواهد بعض القبور، يقول عنه د. شوقي بنبين " يمتاز بجمال حروفه وليونتها" معجم مصطلحات المخطوط العربي، ص 58
وكثيرا ما يكتب بماء الذهب، ويزوق ويشجر بألوان وأشكال مختلفة مما يَبرُزُ به في حُلةِ تَفنّنِ الناظرين. وأصلُه من بلاد المشرق ولكن مغربته كانت على يد المبدعين المتقدمين، وتصرفت فيه أذواقهم." المخطوط العربي، دراسة في أبعاد الزمان والمكان، إياد خالد الطباع، ص 26.
ولذلك فقد تناوله الأستاذ محمد المعلمين تطبيقيا بدءا بالحروف المفردة حيث قدم أنموذجا لكل حرف على حدى، ثم الحروف المركبة تركيبا جزئيا ثم تركيبا مكتملا على مستوى الكلمات وعلى مستوى النصوص، مع إظهار كيفيات التجليل في بعض الكلمات، والتشكيل في بعض النصوص المركبة تركيبا دقيقا. وختم الشيخ الجليل بتقديم لوحات بديعة وذات جمال فاتن بخط الثلث المغربي من إبداعه، وهي في تشكلات متنوعة ورائعة، وهو الخبير بهذا الخط، وبالأنواع الخطية المغربية.
إن هذه الكراسة تتوفر فيها كل مقومات العمل الجاد والمسعى القويم لتبسيط الخط المغربي وتناوله بأريحية وتعلّمه في ظروف مُيَسّرة. وبذلك تُعد مرجعا مفيدا في الأنواع الرئيسية للخط المغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.