إن الصيام وسائر التشريعات الإلهية فضلا على أنها عبادة لله تعالى فهي أيضا لتحقيق مصلحة روحية وسلوكية وبدنية – صحية- لازمة لهذا الإنسان. لذلك فرض الله سبحانه وتعالى الصيام علينا وعلى جميع الأمم قبلنا. قال تعالى: “يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” سورة البقرة الآية 183. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: وإذا كان في الصيام فرصة أي فرصة لتقوية الروح، ففيه فرصة لتقوية البدن، فإن كثيرا مما يصيب الناس من أمراض إنما هو ناشئ من بطونهم التي يتخمونها بكل ما تشتهي غير مفرقين بين ما ينبغي وما لا ينبغي أكله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) وإذا كانت البطن مستنقع البلايا، وكانت المعدة بيت الداء فإن الحِمْيَة (أي الامتناع عن الأكل) رأس الدواء. فقبل ثلاثة عشر قرنا ونصف قرن قال الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم للمسلمين: (صوموا تصحوا). فهذا الحديث –وغيره- يعتبر بحق من جوامع كلمه – صلى الله عليه وسلم- الصاعدة إلى قمة البلاغة. فقد حوى على وجازته، إذ هو جملتان فقط، جميع مزايا الصوم الصحية التي أشاد بها الطب في القديم والحديث. وإذا نظرنا إلى ما توصل إليه الطب الحديث من اكتشافات علمية، نجد أنه يعدد مقاصد الصوم الصحية في أمرين نشير إليهما في فقرتين باقتضاب تمثيلا لا حصرا، لأن المقام لا يسمح لنا بذكر وتعداد جل هاته المقاصد، حيث تعددت الدراسات والأبحاث العلمية في الكشف عن المقاصد الصحية للصوم إلى درجة أن هناك باحثين وأطباء مسلمين وغربيين من تناول مقاصد الصوم وفوائده الصحية في أبحاث ودراسات مستقلة عن المقاصد الأخرى. و بناء على ما اطلعنا عليه فإن الصوم وسيلة وقائية من العلل والأمراض ثم أنه وسيلة علاجية لمجموعة من الأمراض الخطيرة: أولا : الصوم وسيلة وقائية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصيام جنة” أي وقاية وستر. وقد ثبت من خلال الأبحاث الطبية بعض الفوائد الوقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسيمة والنفسية، منها على سبيل المثال لا الحصر: يقوي الصيام جهاز المناعة، حيث أجرى الدكتور رياض البيبي والدكتور أحمد القاضي في الولاياتالمتحدةالأمريكية تجارب مخبرية على متطوعين أثناء صيام شهر رمضان، وبعد انتهاء الصيام أظهرت التجارب تحسن المؤشرات الوظيفية للخلايا اللمفاوية (T) عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية زيادة كبيرة كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم. الوقاية من مرض السمنة وأخطارها حيث يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بالصوم نتيجة الجو الإيماني الذي يحيط بالصائم، وكثرة العبادة والذكر، وقراءة القرآن، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيها إيجابيا نافعا. يقي الصيام الجسم من تكون حصيات الكلي، إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة البولينا في البول تساعد في عدم ترسب أملاح البول التي تكون حصيات المسالك البولية. يقي الصيام الجسم من أخطار السموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته من جراء تناول الأطعمة، وخصوصا المحفوظة والمصنعة منها وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم. يخفف الصيام ويهدئ ثورة الغريزة الجنسية، وخصوصا عند الشباب، وبذلك يقي الجسم من الاضطرابات النفسية والجسم، والانحرافات السلوكية وذلك تحقيقا للإعجاز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له رجاء). أثناء الصيام يقوم الكبد بتصنيع البروتين والمواد الذهنية الفسفورية لتكوين البروتين الشحمي الحيوي للجسم. ثبت أن الصيام لا يشكل خطرا على معظم مرضى السكري، إن لم يكن يفيد الكثير منهم. ثانيا : الصوم وسيلة علاجية: بعد انتشار الإسلام وممارسة الصيام الإسلامي عند كثير من الأمم تبين فضل هذا الصيام وفوائده، فوصف الطبيب المسلم (ابن سيناء) الصوم لمعالجة جميع الأمراض المزمنة، ووصف الأطباء المسلمون في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي صوم ثلاثة أسابيع للشفاء من الجدري، ومرض الداء الإفرنجي (السيفلس)، وخلال احتلال نابليون مصر جرى تطبيق الصوم في المستشفيات للمعالجة من الأمراض التناسلية. وفي عصر النهضة في أوروبا، أخذ علماؤها يطالبون الناس بالحد من الإفراط في تناول الطعام وترك الانغماس في الملذات ويقترحون الصوم للتخفيف من الشهوات .. وفي روسيا توصل الأطباء إلى نتيجة مماثلة. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين .. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأ الاهتمام بالصوم باعتباره علاجا للمرضى منذ القرن الماضي. هذا وقد انتشرت المصحات الطبية التي تعالج الأمراض بالصوم في كثير من بلدان العالم الشرقي والغربي، وفيما يلي بعض الأمراض التي يعالجها الصوم تمثيلا لا حصرا: الأمراض الناتجة عن السمنة: كمرض تصلب الشرايين، وضغط الدم، وبعض أمراض القلب. كما يساعد في علاج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية . يعالج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية مثل: مرض الرينود ومرض برجرز. يعالج الصيام المتواصل (الطبي) مرض التهاب المفاصل المزمن مثل الروماتويد. يعالج الصيام الإسلامي ارتفاع حموضة المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب. لا يسبب الصيام أي خطر على المرضعات أو الحوامل، ولا يغير من التركيب الكيميائي، أو التبدلات الإستقلابية في الجسم عند المرضعات، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل. يعالج اضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر في المواد الزلالية والنشوية، وهنا ينجح الصيام وخصوصا عدم شرب الماء بين الأكلتين، وأن تكون الأكلة والأخرى مدة طويلة كما في صيام رمضان. يفيد في تنحيف وزن الجسم قليلا، فزيادة الشحم في جسم الإنسان عن القدر الطبيعي تقود لأمراض خطيرة منها تشحم القلب وغيره من أعضاء الجسم وفي إزالة بعض ما تراكم من الشحم وزاد من السمنة ما يقوي الجسم ويزيد من نشاطه. وخلاصة لما سبق ذكره فإن الصيام الإسلامي يعتبر تمثيلا غذائيا فريدا، إذ يشتمل على مرحلتي البناء والهدم، فبعد وجبتي الإفطار والسحور يبدأ البناء للمركبات الهامة في الخلايا وتجديد المواد المختزنة، والتي استهلكت في إنتاج الطاقة، وبعد فترة امتصاص وجبة السحور يبدأ الهدم فيتحلل المخزون الغذائي من الجليكوجين والدهون ليمد الجسم بالطاقة اللازمة أثناء الحركة والنشاط في نهار الصيام. لذلك كان تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم وحثه على ضرورة تناول وجبة السحور. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك (تسحروا فإن في السحور بركة) متفق عليه.