في رائعته (1984) كتب جورج أورويل :لن يثوروا حتى يعوا ولن يعوا حتى يثوروا…تعبيرا عن مأزق يواجه الشعوب كي تتحرر ممن يمثلون عليها السلطة و الحكم: فهي (الشعوب) تحتاج ثورة و الثورة تحتاج وعيا و الوعي يحتاج ثورة. فأين المفر؟!! يجيبنا تعالى في أول أمر إلهي لخاتم الأنبياء : اقرأ! لم يكن أول أمر كل أو أشرب أو حتى أعبد! لم يكن تأمل و لا شاهد و لا حتى جاهد. كان ببساطة ؛ اقرأ…اقرأ باستمرار، اقرأ حتى تصير القراءة :روتينك اليومي! اقرأ كي تتحرر، اقرأ كي تكتسب الكرامة….اقرأ باسم ربك الأكرم الذي علم بالقلم. الواقع يقول أننا، و مع الأسف، شعوب لا تقرأ. نحن شعوب تشاهد! من السهل جدا أن تأتي بإنسان و تصوره من قفاه…تنسج له قصة يلقيها و هو محجوب الوجه…لتحصل ملايين المشاهدات، خصوصا إن ذهب الخيال للمنمنوعات كالقتل أو الجنس أو المخدرات….أو الظلم! الأصعب أن تكتب 5 أسطر متماسكة تقنع الآخر بفكرة و لو بسيطة، و الأصعب جدا كتابة مقال يقنع القراء و لا يشعرهم بالملل. شعوب القراءة تبني أفكار و شعوب (المشاهدة) تبني أوهام. الشعوب القارئة تبحث في المستقبل و الشعوب المشاهدة تتوه في نفايات الحاضر أو تستحضر أمجاد الماضي الغابر مخدرات للوعي و الفكر. الشعوب القارئة تبحث عن الحلول المنطقية و الشعوب المشاهدة تغوص في تفاصيل المشكل. غالبا ما يجد مداويخنا أنفسهم في ضحايا (فيديوهات البوز) حيث شعور الضحية لذيذ و غير مكلف. شعور يشبع نهم النفس لإلقاء كل مآسيها على الآخر، مع التأكيد على حالة السلبية و عدم الحركة…نحن فقط ضحايا لا حول لنا و لا قوة. مواطنو الغرب، أصحاب معدل 6.5 كتاب مقروء في السنة، يفتشون عن الحلول حتى بعد قراءة نقد لشخص او دولة او نظام. في القراءة تجد نفسك فاعلا مشاركا في المشكلة كما في الحل…في المشاهدة أنت ضيف سينما..تستمتع قليلا ثم تولي الادبار. في القراءة انت (و انا) إنسان يلقي اللوم على نفسه فيقول (ربنا ظلمنا انفسنا) لينال العفو و مساعدة الرب على التغيير… في قنوات البوز و المؤخرات و المقدمات…نحن شياطين ترمي الآخر بغوايتها (فبما اغويتني) لنستحق الفشل إلى أبد الآبدين….