يبدو أن الغاء وزارة الاتصال في النسخة الثانية المعدلة من حكومة سعد الدين العثماني التي أعلن عن تشكيلتها في التاسع أكتوبر 2019، مجرد قرار تقني أملته هندسة ترمي تقليص عدد وزراء السلطة التنفيذية أكثر منه استجابة لمطلب المهنيين والحقوقيين الذين ما فتئوا يعبرون عنه خاصة منذ المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال مرورا بتحيين توصياتها سنة 1998 خلال حكومة “التناوب التوافقي” برئاسة عبد الرحمان اليوسفي. وإذا كانت وزارات الإعلام لم يعد لها موقع في غالبية معظم بلدان العالم، ووجودها يتعارض مع حرية الصحافة والإعلام، كان من المفروض على الحكومة -وكما هو الشأن في البدان الديمقراطية أو تلك التي في مرحلة الانتقال الديمقراطي – أن يتم اللجوء الى هذا الإلغاء بعد نقاش عمومي، يشرك فيه المهنيون وأطر وموظفي القطاع عبر منظماتهم وهيئاتهم التمثيلية، وهو الأمر الذى عوض بقرار حكومي “سري” تحكمت في اتخاذه عوامل تقنية في مقدمتها الرغبة في تقليص عدد الوزارات. غير أنه ما يغيب عن الأذهان، أن مطلب الغاء وزارة الاعلام وبعدها وزارة الاتصال كان مطلبا مجتمعيا قبل أن يصبح قرارا حكوميا، إذ بالرجوع الى أدبيات النقابة الوطنية للصحافة المغربية والتوصيات الصادرة عن مؤتمراتها منذ أواسط التسعينات، يمكن الوقوف عن ذلك. كما أن المنظمات الحقوقية كثيرا ما طالبت بإلغاء هذه الوزارة ورفع وصايتها على الحقل الاعلامي ووسائل الاعلام العمومية، والعمل على تفويت اختصاصاتها الى الهيئات المهنية التمثيلية في اطار التقنين والضبط الذاتيين. إن احداث المجلس الوطني للصحافة أخيرا وقبله الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ( الهاكا )وتوجه الاعلام العمومي من وكالة وسمعي بصري نحو ” استقلاليته”، جعل صلاحيات الوزارة والوزير ” صفرا على اليسار” في مجال تنظيم الصحافة وتقنين الاعلام والتحكم في مساره أيضا. الا أن المسألة في جوهرها لا ترتبط في حقيقة الأمر، بإلغاء وزارة الاتصال أو المحافظة عليها؛ ولكن الرهان مرتبط بمدى توفير حريات التعبير والصحافة والاعلام، إذ أنه رغم أهمية هذا الالغاء، فإنه لا ينبغي أن يقتصر على طابعه الشكلي، وتفويت وتوزيع اختصاصات الوزارة على قطاعات حكومية أخرى، ونقل جزء من هذه الاختصاصات لتنظيمات ربما لازالت عاجزة عن ممارسة مهامها المحددة بالقانون. إذن إن الإشكالية لا تكمن في إلغاء أو الإبقاء على وزارة ووزير، بقدر ماهي اشكالية مرتبطة بالبيئة العامة السياسية والثقافية والاقتصادية الاجتماعية التي يمارس في ظلها الاعلام والصحافة مهامه في الاخبار والتثقيف والترفيه، ووجود ديمقراطية، باعتبار أن ديمقراطية الاعلام بدون ديمقراطية سياسية حقيقية، “تنتج ظاهرة صوتية ومسخا مشوها”، ناهيك على فقدان هذا الاعلام لأي قدرة على لعب دور في التنمية أو التعبير عن الحريات، كما يعتبر البعض. فعلى الرغم من أن الحق في الإعلام، أضحى حاجة ضرورية في ظل التحولات التكنولوجية والعولمة ولبنة أساسية لتدعيم مبادئ حقوق الإنسان، وأصبحت وسائل التواصل قوة ضاغطة رئيسية، لحماية هذه الحقوق وفرض احترامها وصيانتها. إذ أن لا تقدم ولا حماية لحقوق الإنسان، دون التوفر على إعلام حر وصحفيين مسلحين بالكفاءة والنزاهة الفكرية، وهو ما سيمكن من أن يساهم في بلورة ثقافة جديدة لربح رهانات المستقبل ويمكن بالتالي من تقوية وتوسيع حرية التعبير والإعلام، على قواعد احترام التعددية وضمان الاستقلالية والاحتكام الى شروط المهنية، مع الارتباط بالمجتمع وبقضاياه الحيوية. لقد وضع الفضاء الرمزي المسمار الأخير على نعش الرقابة والدعاية التي يمكن أن تدعى وزارات الاعلام وملحقاتها بأنها يمكن القيام بها في ظل مجتمع الاعلام والمعرفة والسماوات المفتوحة، فالفضاء الأزرق، كما هو الشأن بالنسبة للقراءة، لا يمكن أن تخضع للرقابة، كما أن هذا الفضاء ” لا يمكن أن يقف على أبوابه حراس”.