واشنطن تجدد دعمها لمغربية الصحراء وتدعو إلى استئناف المفاوضات على أساس الحكم الذاتي    33 قتيلا و3059 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    أسباب الأزمة بين مالي والجزائر: الحقيقة وراء النزاع حول تينزاواتن    المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    سلطات ميناء طنجة تنفي علمها بعبور سفينة أسلحة لإسرائيل    تتويج وكالة "الاستثمارات والصادرات"    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الدولي المغربي رومان سايس يستكمل بروتوكول علاجه بالمغرب    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    بعد هاشتاع كلنا سلمى .. النيابة العامة تأمر بفتح تحقيق عاجل    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    رسوم ترامب ضد الصين ترتفع إلى 104%    توقيع اتفاقية لتعزيز تجهيزات مقرات الأمن بكل طنجة وتطوان والحسيمة    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    توقيف شخصين يشتبه تورطهما في حيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    أنشيلوتي : هدفنا التأهل ولا مجال للتراجع أمام أرسنال    أخبار الساحة    خطوة واحدة تفصل نهضة بركان عن نصف نهائي كأس الكاف    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    وزارة مغربية تتعرض لهجوم سيبراني من جهة جزائرية.. وتساؤلات حول الأمن الرقمي    الذهب يرتفع وسط الحرب التجارية العالمية وهبوط الدولار    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    بغلاف مالي قدره مليار درهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    لقاء رفيع المستوى في واشنطن بين بوريطة ونظيره الأمريكي    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    شهيد يدعم تقصي "استيراد المواشي"    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    موازين يبدأ الكشف عن قائمة النجوم    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    المغرب عضوا بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز    ديربي البيضاء يُشعل الجولة 26 من البطولة الاحترافية    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرة “الحياد” أم مذكرة “المنع” ؟ مقال رأي

بتاريخ 15 ماي 2019م تلقى خطباء الجمعة بمساجد إقليم القنيطرة مذكرة موجهة من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية تلزمهم بتفادي تخصيص خطب الجمعة أو جزء منها لحث رواد المساجد على الاكتتاب لجمعيات أو هيئات أو أشخاص كيفما كان نوعها أو وصفها، وتحثهم على التطبيق الدقيق لمضمون هذه المذكرة.
لم يكن القصد من الجمعيات والهيئات المشار إليها في المذكرة إلا جمعيات بناء المساجد، إذ لم يسبق لجمعيات أخرى أن تجرأت وتوجهت إلى بيوت الله لطلب دعم مالي أو غيره، كما لم يسبق لأحد من خطباء الجمعة أن فعل ذلك.
بعد مرور مدة على التطبيق الحرفي والدقيق لمضمون المذكرة، يتراءى للناظر نتائجها القريبة ومآلاتها المشؤومة، ويجد كل متتبع نفسه أمام جملة من الأسئلة المشروعة والمنطقية تسائل ضمير كل فاعل له علاقة بهذا الشأن، ولعل أهمها هو: هل سنربح شيئا من هذه المذكرة؟ (و)ماذا سيجني الفاعلون منها؟
جوابا عن هذه الأسئلة أقدم الملاحظات التالية:
1. ” للبيت رب يحميه” عبارة حفظتها العرب قديما عن عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، وظلت تتناقلها الأجيال، لأنها جسدت لديهم يقينا راسخا بأن المساجد لما شرفت بإضافتها إلى الله تعالى، فإنه سبحانه يغار عليها أشد مما يغار آحاد الناس على بيوتهم وحُرُمِهِمْ، وأنه لا شك سيتولى أمرها، من بنائها إلى عمارتها، وأنه سيعز من يعزها ويهين من يهينها، وسيتصدى لكل من تسول له نفسه السعي في خرابها.
ويعبر المغاربة عن بعض هذا المعنى بلغتهم الدارجة السلسة إذ يقولون ” حاجة الله يقضيها الله”؛ فهم يعلمون أن قدرتهم المادية والمعنوية لا تقوى على بناء المسجد، ولكن الله تعالى سيقيض له من المحسنين من سيسهم في إتمام البناء حتى انتهائه، تجسيدا لقول الله تعالى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: يد الله مع الجماعة. فالمساجد ستبنى بقيت المذكرة سارية المفعول أم نسخت، ولذلك ننصح السيد المندوب بالتراجع عن قراره والانخراط في دعم الإحسان العمومي لبناء المساجد، وأن لا يفوت عليه هذه الفرصة العظيمة وما فيها من الثواب العظيم عند الله تبارك وتعالى.
2- نطالب السيد المندوب أن يراجع موقفه القانوني المزعوم، ونذكره أن مسألة الإحسان العمومي يتداخل فيها القانون والعرف، وبيوت الله لها خصوصياتها وهي جزء من الخصوصية الدينية للمغاربة، وندعوه أن لا يوقع نفسه في مصادمة هذه الخصوصية التي هو مستأمن على الحفاظ عليها . وإذا تمادى في موقف المنع فهل سيتحمل تبعات السمعة السيئة التي سقط فيها والتي لا يتمناها له إلا أعداؤه الحقيقيون؟، أما محبوه فإنهم ولاشك يرجون له سمعة حسنة بين الناس تنفعه يوم القيامة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» .
2. الجمعيات الإحسانية: لقد أثرت المذكرة المشؤومة على أعضاء هذه الجمعيات، وحولتهم من حيث لا يشعرون ولا يرغبون إلى متسولين، فبعد أن كانوا يتوجهون إلى المساجد مرفوعي الرأس محفوظي الكرامة يدلون للخطيب بوثائقهم القانونية التي تثبت صفتهم، ومسنودين باتصال موجه من المندوبية إلى الخطيب تخبره بحضور إحدى الجمعيات وتدعوه إلى التعاون معها عبر تحفيز المصلين على البذل والعطاء في سبيل الله، إذا بهم اليوم يقفون على أبواب المساجد كالمتسولين لا يدري بهم إلا القليل من رواد المسجد ولا يدعمهم إلا أقل من ذلك. وعليه فهم يتساءلون اليوم: هل بهذه المساهمات القليلة والدراهم المعدودة سيبنى مسجد يحتاج إلى مئات الملايين؟ وحين يرتد إليهم السؤال حسرة وأسفا ودون جواب يكتفون بالتوجه إلى الله تعالى مفوضين إليه أمرهم وشاكين إليه همهم والمسؤول عنه المتسبب فيه، ومرددين قول عباد الله الصالحين: حسبنا الله ونعم الوكيل.
لقد كان أولى بالسيد المندوب الإقليمي أن يعمل جاهدا من جهته على تيسير الصعاب وتذليل العقبات الإدارية والمالية أمام هذه الجمعيات، ويربط الاتصال بينها وبين المحسنين والسلطات الإدارية المختصة، لتبسيط المساطر وإزالة العراقيل أمام هذا العمل الخيري العظيم، لا أن يتفنن في وضع العراقيل بدعوى الاختصاص القانوني. ونذكره بقول النبي : اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا، فرفق بهم، فارفق به ”
3. رواد المساجد: لقد حرموا من أجر عظيم كانوا يُذَكَّرُونَ به من طرف الخطيب، كلما حلت بمسجدهم إحدى الجمعيات الإحسانية، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله تعالى بنى الله له بيتا في الجنة”. فكانوا يبادرون إلى الإسهام طمعا في هذا الأجر متناولين شيئا من أموال جيوبهم، يناولونها بأيديهم اليمنى محاولين إخفاءها وعدم معرفة مقدارها طمعا منهم أم يدركوا أجرا آخر سمعوا عنه من خلال حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومن جملتهم: ” ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”؛ ثم هم مع ذلك كله يتمتمون بالدعاء الإبراهيمي المحفوظ في القرآن الكريم: ربنا تقبل منا إنك السميع العليم.
وإذا كان بإمكان المحسنين الأغنياء أن يوجهوا مساهماتهم إلى الحساب البنكي للجمعية، أو أن يرسلوا مساهماتهم العينية إلى محل بناء المسجد، فإن المحسنين الفقراء كانوا ينتظرون حضور الجمعيات الإحسانية ليضعوا دراهمهم لديها. وهو أمر قد فقدوه اليوم إذ صاروا يدخلون المسجد ويخرجون منه دون أن يعلموا بحضور جمعية أو عدم حضورها. فهل يقبل السيد المندوب من نفسه أن يكون سببا في حرمان هؤلاء من هذا الأجر؟
4. خطباء الجمعة: وهم الذين توجهت إليهم المذكرة أصالة، وبقدر ما أساءهم مضمونها لأنه منعهم من الدلالة على خير كانوا يبتغون أجره اهتداء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدال على الخير كفاعله، وقوله: ” من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من عمله، لا ينقص من أجورهم شيئا”؛ فقد استاء الخطباء من التعليل الذي عللت به المذكرة المنع، وهو دعوى الحرص على الحياد. وقد يتفهم الخطباء وغيرهم من الناس الدعوة إلى الحياد لو أن السياق ورد في إبان الحملات الانتخابية أو مناقشة بعض الشؤون العامة، كما هو الحال أيام المقاطعة الشعبية التي وجهت ضد بعض الشركات الوطنية، أما أن يطالب الخطباء بالحياد في موضوع يتعلق ببيوت الله تعالى وشأن يجمع عليه المغاربة ويحظى بتقديرهم واحترامهم على اختلاف توجهاتهم فهذا ما لا يستسيغه عاقل، إذ المطلوب حقا هو الانحياز لبيوت الله ولمن يخدمها وليس الحياد عنها. وقد كان من اللائق بالسيد المندوب الإقليمي أن يقدم من نفسه للقيمين الدينيين والخطباء القدوة الحسنة، فينخرط في كل الأعمال التي تندرج ضمن بناء المساجد وعمارتها، لا أن ينسحب منها ببرودة دم متواريا خلف الاختصاص القانوني والحياد السلبي.
بعد كل ما تقدم، ألا يحق لنا أن نتساءل مع السيد المندوب، بصدر منشرح وبعقل منفتح، بعيدا عن التزمت الإداري، هل المذكرة جاءت لتعزيز حياد بيوت الله أم لعرقلة بنائها؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.