قد يتساءل البعض مستغربا عن السر وراء التحول المفاجئ لطبيعة التصريحات والخطابات المطمئنة، والأنشودة المعتادة التي داءب أصحاب القرار في الشأن السياسي المغربي مند العهد الجديد في الترويج لها وسط الجماهير المغربية، محورها ” الاستثناء المغربي ” و ” مناعة الاقتصاد الوطني من الأزمات العالمية ” ومرة حتى كونه بلد محفوظ بلطف الله حسب تعبير ” بنكيران “. شعارات تغيرت خلال الفترات الأخيرة إلى أسلوب جديد في التواصل مع الشعب، منذرين بحلول أزمة تطرق الأبواب، ليتحدثوا عن ضرورة لزوم تبني ” الصراحة مع المغاربة ” و ” الشفافية ” و ” الثقة ” … الخ، وكأنها صيحة ضمير معذب بالكذب، “خاصة من طرف حكومة إسلامية تعرف بان من يكذب مصيره جهنم”، خطابا مرتبطا بلغة اقل ما يمكن القول عنها، أنه يتضمن لهجة تشاؤم واندار عن مستقبل وافق مسدود في خضم أزمة خانقة، وكأن أسبابها وجذورها لم تكن لتمتد إلى التاريخ المتوسط والقريب خلال فترات تسييرهم للشأن العام، بل وكأنها وليدة الساعة، ونتيجة لظروف جديدة، مكتفين في دلك بسرد المؤشرات والأرقام المهولة دون الخوض في تقديم تحاليل منطقية لها. أنشودة الماضي التي كانت دائما تتغنى بها تلك الوجوه المألوفة عبر وسائل الدعاية المحتكرة، ومن خلال كراسي المجالس والهيئات الصورية، خرجت على المواطنين في الوقت الحاضر بقناع جديد، شعاره الاستعداد لما هو أسوا، فغيرت بدلك معالم الصورة الجميلة السابقة التي كانت مرسخة في أدهان الناس، إلى مشهد قاتم يضرب جميع المجالات، حتى تلك الانجازات التي كانت محل افتخار وتطبيل على مسمع المواطن طوال الوقت في المناسبات أو بدون مناسبة، والتي كانت تعتبر حينها، بمثابة نجاح فريد على الطريقة المغربية، لدرجة أغاضت الحساد من العباد والبلدان، وجعلت وطننا الحبيب في مرمى وهدف مؤامرات وأيادي خفية غرضها زعزعة الاستقرار وتبخيس النتائج والانجازات، هدا ما كان يتردد دائما على لسان جل الوزراء السابقين والحاليين، وعلى لسان زعماء الأحزاب الحاليين الدين شكلوا وكانوا ضمن مكون الحكومات السابقة والحالية، بل وحتى من خلال أبواق ما يتم ترويجه في المحافل الدولية، وأيضا على لسان الخطاب الرسمي، كانت التصاريح تصنفها على أنها انجازات ونموذج يحتدى بها أمام الشعوب العربية والإفريقية، وأحيانا حتى أمام بقية دول العالم، انجازات اعتبروها قاطرة للتنمية البشرية وسعادة المغاربة، وللنمو الدائم والمستدام، بل والأكثر من هدا، أنهم روجوا على اعتبارها بمثابة ضمانة ومكسب واستحقاق يجنب ويحمي المغرب من المخاطر والأزمات. لقد أضحت التصريحات الجديدة في حد ذاتها، بمثابة دليل إدانة ضمنية وصريحة للفشل الدريع لنفس المسؤولين الدين ما فتئوا بالأمس يتشدقون بانجازاتهم مند فجر ” العهد الجديد “، وكأن السحر قد انقلب على الساحر، فتعري بدلك من خلال تصريحاتها الجديدة عن مدى حقيقة مآسي رهان على سياسات فاشلة لطيلة عقدين من زمن عمر وواقع بلد وأمة، كما قال الإستاد الجامعي في إحدى تصريحاته بان رهانات الحكومة دائما ما تقع على اختيار ” الطوكار “، فشهد شاهد من اهلها، واعترفوا علانية عن فشل ” مشروع المبادرة الوطنية للتنمية ” وملفات ” حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ” ومحاربة ” الفقر والبطالة ” وعدم الوصول إلى تحقيق أهداف مخططات الإقلاع الاقتصادي الوطني في المجال ” الصناعي والفلاحي والتجاري ” مع موعد و أفق سنة 2020. انه إحباط ثام وفشل دريع يطالب من خلاله المغاربة، التحلي بالصبر ” إن الله يحب الصابرين ” واقتسام مرارة شوكة وطعم الظروف القاسية في انتظار الغد المشرق الموعود، حيت تصبح تضحيات الحاضر في خبر الذكريات وستتحسن الأوضاع، وما على المواطن حسب السيد نزار بركة إلا تعميق واسترجاع الثقة في أولياء الأمر والمؤسسات السياسية التي ” لا ترينا إلا ما ترى ولا تهدينا إلا سبيل الرشاد “، والدعاء في ” طلب الخلاص والرزق من الله ” كما قال السيد بنكيران ومن والاه من الإسلاميين تحت قبة البرلمان الشريفة المباركة، أو من قبيل الحسرة و التأسف لولا تراجع التساقطات المطرية ” لكان الموسم الفلاحي في أبهى حلة والعام زين عند الفلاح الصغير ” لان بنيات الاستقبال الضرورية كلها ها هنا الا موعد الأمطار، فلا لوم على السيد عزيز اخنوش، أما عن باقي ناسفات السادة الرباح والداودي والعلمي وامزازي والدكالي نجوم الساحة الإعلامية، فحدث ولا حرج. وهنا مرة أخرى يعود نقس السؤال بان هل سيقتسمون مع المواطن ثمار العافية بعد مطالبته بتحمل وزر القساوة ؟ كلا طبعا، فالناصحون لا يقتسمون، وما وجد المواطنون إلا ليدفعون، فلماذا علينا ادن أن نتحمل سياسات مشوهة الولادة مند الولادة ولا تعيش إلا على تدمير الآخر؟ لماذا على المواطن تحمل أزمات نظام يستفيدون منه هم فقط في السراء والضراء ؟ في حين لا يملك المواطن إلا جهد العمل وقبول النصيحة وإيمان الثقة، بل وحتى حق بيعها لا يثم إلا وفق الثمن والشروط التي يحددونها الأمناء الناصحون. في ظل المشهد السياسي المغربي الحالي، يصعب الحديث عن حلول للمشاكل المزمنة، ولقد سمحت العديد من الفرص للطبقة السائدة إثبات جدية القيام بإصلاحات جذرية وعميقة، إلا أنها استمرت في تكريس مواقف سياسات التخلف والتراجع أمام وثيرة تقدم باقي العالم، فأصبحت هي العلة وسببا في الاستغلال والاستبداد ونهب الثروات. قد يعتقد البعض بان صراحة وشفافية قدامى أعضاء النادي العتيق و وافدهم الإسلامي الجديد في ترديد الحديث عن الأزمة والسكتة القلبية، هو من صميم الحرص على مصالح وهموم الوطن والمواطن، لكنها في واقع الأمر، وكما عاهدناه وعلمنا التاريخ مع هؤلاء الصرحاء، تبقى تصريحات لاتغدوا إلا مجرد أصوات لطبول حرب تدق في مواجهة اللهيب المشتعل مع تصاعد الاحتجاجات في الشوارع، ومطالب النقابات، وإضرابات جل القطاعات المهنية والتجارية، وتدمر الفئات المهمشة، واستنكارات عموم المواطنين على اختلاف مستوياتهم ومجالاتهم، إنها تصريحات بحلة صراحة وشفافية مبطنة، في أفق التمهيد لتمرير سياسات تقشفية قاسية وشرسة، فرضت من طرف المؤسسات المالية الدولية، ومن اللوبيات المحتكرة وأسياد المال، لان الرأسماليون أصلا، لا يهتمون للشفافية والصراحة والمفاهيم الأخلاقية المجردة، بل هم أناس براغماتيون، ويبقى همهم الوحيد والأساسي هو اعتصار الأرباح، والحفاظ على الطبقية والمكتسبات، ونهب خيرات البلاد على حساب الفقراء والعمال والبسطاء من المواطنين. إن الحديث المتكرر والممنهج عن الأزمة، والسبب الحقيقي وراء ترديد اسطوانة هده الأنشودة، هي أيضا واحدة من الاستراتيجيات التي تنتهجها الحكومات في خداع الجماهير، يراد من خلالها خلق حالة من الذعر والرعب اللاواقعي مع إقناع الأخر بان المغرب في خطر كبير، عن طريق التصريحات المتعارضة لنفس الأشخاص في نفس الوقت، وإصدار بيانات ثم تكذيبها أو نفيها فيما بعد، ومن قبيل الادعاء بان تصريحا ما لأحد المسؤولين قد تم تأويله من طرف صحفي سيء النية، فتتم إعادة صياغته مرة أخرى بشكل مغاير، ولعل خير مثال لما يقع حاليا هو مسالة الأساتذة المتعاقدين، أو تسقيف أثمنه المحروقات، أو رفع الدعم عن الغاز وغيرها من الأمور والقضايا الأخرى “أبطالها بامتياز كل من السادة الداودي والعثماني”، إنها تكتيكات هدفها في أخر المطاف خلق البلبلة في دهن المواطن من اجل اللامبالاة، وكذلك جس للنبض وتحليل ردود الفعل، حتى يتسنى لهم معرفة الوقت المناسب للتدخل أو الانتظار إلى حين، كما أن كثرة تضارب التصريحات يجعل المواطن يتعايش مع الأمر كأنه مجرد خبر عادي افتقد قيمته من كثرة الترديد والتكرار، ويتوقف دهنه عن التفكير أو نية طرح الأسئلة على المسؤولين وعن البدائل الممكنة، حتى ينتهي به المطاف إلى طلب التضرع ومناشدة أولي الأمر ممن يفهمون أكثر، من اجل التدخل والحسم في إيجاد الحل المستعصي للخلاص. كل هدا يتم تمهيدا لتقبل الإجراءات التقشفية القادمة التي ستنزل بها الحكومة تباعا، بحيث تقوم التماسيح والعفاريت “وفق مقولة بنكيران” إلى خلق المشاكل ثم تقديم الحلول، وتسمى أيضا ب” المشكلة – ردة فعل – حلول ” أي انه يتم اختلاق مشكلة معينة، التي ينتظر من خلالها ردة فعل شعبية تتجلى في طلبات اتخاذ إجراءات وحلول من طرف الهيئة الحاكمة، هده الأخيرة التي توقعتها من قبل بالموافقة عليها، وكمثال على دلك نسوق مثلا مسالة غض طرف الحكومة عن تنامي ظاهرة الإرهاب أو العنف، حتى يطالب الرأي العام بسن قوانين أمنية على حساب الحريات العامة، أو أيضا خلق أزمة اقتصادية لتمرير تراجع الحقوق الاجتماعية بهدف التخلي عن مرفق عمومي باعتباره شرا لابد منه، وهدا ما يتم التحضير له وسوف يقع. ومن اجل أيضا تمرير هده المخططات، سيعملون على محاولة قمع كل الأصوات، كما أن الاستبداد سيحاول بأن يكون أكثر شراسة، وان كانت موازين القوة حاليا، لا تسمح للمركز بتطبيق إرادته دفعة واحدة على الهامش، إلا أنهم سوف يعملون كل ما في استطاعتهم لتأجيل هده المواجهة، والعمل على تمرير المخططات عبر جرعات، بعد التحضير لها بكثير من الأكاذيب والمسوغات. لكن حتى متى ؟ إن ساعة دفع الفاتورة والحساب آتية عاجلا أو آجلا، وفي ظل الأزمة العالمية الحالية، فانه ليس هناك هامش كبير للمناورة، الأمر الذي يقرب ساعة حتمية المواجهة الطبقية. إن إجراءات السياسة التقشفية واللجوء إلى القروض والاستدانة، سوف يؤدي إلى المزيد من تعميق الأزمة والتبعية والتخلف والفقر، وان كانت الوصفة المذكورة قد تأجل انفجار الأزمة حاليا، إلا أنها على حساب أزمة لاحقة اشد شراسة، حينها تكون ساعة الرد على تقديم فاتورة الأزمة، لكن ليس من جيوب السادة وامتيازاتهم وإرباحهم، بل وبكل بساطة من جيوب الفقراء والكادحين، إنها الحلول الوحيدة التي يفهمها اقتصاد الريع والاحتكار، وتطبقها أشباه الحكومات. وقد يبدو للبعض أننا نقدم صورة قاتمة سوداء مما هي عليه في الواقع، خاصة وأن الزعماء والمسؤولين، يعدون بعدم الرجوع إلى سياسات ثمانينيات التقويم الهيكلي، إلا أن دراسة الأزمة الاقتصادية الحالية على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني ومقارنتها بأزمة الثمانينات، يجعل من المتتبع، الاعتقاد بأن مصالح الطبقة السائدة لا تجعلهم يكتفون بتطبيق سياسة تشبه التقويم الهيكلي الذي طبق في السابق، بل اللجوء إلى إجراءات أكثر شراسة وقسوة. إن المحدد في مسالة المدى الذي يمكن أن يصلوه في هدا الصدد، هو طبيعة وحجم النظالات التي تخوضها الضمائر الوطنية الحرة والحية كل من موقعه، فلم تكن يوما أنصاف الحلول حلا، أو كما قال جان جوريس ” لا تأتي الثورات عادة نتيجة لغياب الإصلاحات، بل نتيجة لإحباط آمال الجماهير في الإصلاحات التي وعد النظام القيام بها “. وليكن شعار المواطن ” لن ندفع مرة أخرى فاتورة الأزمة “.