إن التفكير في سلسلة النضالات التي يقودها الأساتذة المتدربون لإسقاط المرسومين المشؤومين لا ينبغي أن يكون مفصولا عن سياق الهجوم "النيو-رأسمالي" الذي تشنه حكومة الظل والحكومة "المحكومة"، والذي ستهدف الطبقة العاملة والقدرة الشرائية للمواطن البسيط، وهو تكريس للسعي المتوحش لخوصصة كل المؤسسات العمومية، ورفع يد الدولة عن القطاعات الاجتماعية التي تعتبر قطاعات غير منتجة. لقد أثبتت هذه الحكومة "تفوقا" – قل نظيره – في تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية، وبرهن رئيس "الحكومة " عن كونه تلميذا نجيبا ل "كريستين لاغارد"، وهاهو يواصل مسيرة إثراء الأثرياء وإفقار الفقراء. (إفساد التقاعد – إفساد صندوق المقاصة – رفع أسعار البترول حين ترتقع في الأسواق العالمية والإبقاء عليها كما هي حين تنخفض عالميا – رفع أسعار المواد الغذائية - عدم المس بالميزانية الضخمة المخصصة للقصر الملكي – عدم فرض الضرائب على كبار الفلاحين- تقديم هدايا ضربية للشركات الكبرى– استمرار الريع الاقتصادي المرتبط بالصيد في أعالي البحار ومقالع الرمال...- مواصلة دعم شركات العقار الكبرى ...واللائحة طويلة). ولأن المرسومين يرتبطان بمجال التعليم فلنحاول التركيز على هذا الجانب، ولنتساءل ما الدوافع الحقيقية التي تقف وراء تنزيل هذين المرسومين بطريقة أحادية؟ تعتبر "الحكومة" وأنصار حزب "العدالة والتنمية " أن الهدف من هذين المرسومين هو الإصلاح الحقيقي للمنظومة التلعيمية "المأزومة". وتقترح حلا مفاده تكوين عدد كبير من الحاصلين على الشواهد بما يؤهلهم للعمل داخل القطاع العام والخاص، إذ الدولة وحدها لن تستطيع تحمل تكلفة توظيف كل الحاصلين على شواهد جامعية عليا. ولذلك أيضا قامت بتخفيض المنحة المقدمة للأساتذة المتدربين ليستفيد منها أكبر عدد ممكن. يبدو هذا المنطق سليما للوهلة الأولى، بيد أن تحليله وتفكيكه – مع الأخذ بعين الإعتبار ذلك الهجوم الحكومي الممنهج على جيوب الطبقة "المتوسطة" والفئات الفقيرة عامة، واستحضار ما يحاك ضد المدرسة العمومية خاصة – يكشف خلاف ذلك. لقد عمدت هذه الحكومة (بأمر من الممسكين الفعليين بزمام الأمور) إلى إصدار هذين المرسومين انطلاقا من محاولة تحميل "المواطن" (أو بالأحرى الرعية ) البسيط مسؤولية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي نعيشها. فالحكومة لا تتذكر سياسة التقشف إلا حين يتعلق الأمر بما يمس جيوب الفقراء، أما حين يتعلق الأمر بالميزانيات الضخمة والصناديق السوداء ...فإن الحكومة تصير سخية إلى أبعد حد. وبدل تقديم إصلاحات اقتصادية حقيقية راحت الحكومة تنتفض على المنحة المخصصة للأساتذة المتدربين وتقلصها إلى النصف دون مراعاة الأوضاع الاجتماعية لهذه الفئة من المجتمع. وراء هذين المرسومين تختفي رغبة قوية في ضرب المدرسة العمومية، وتقديم هدايا سخية للتعليم الخاص (الرافعة الثامنة من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 تؤكد التزام الدولة بتقديم تحفيزات ومزايا وتشجيعات للتعليم الخاص) . ولعل تكوين الأساتذة والمدرسين والدفع بهم بعد ذلك للعمل في المؤسسات التعليمية الخاصة – في ظروف أقل ما يقال عنها إنها أشبه ب"السخرة" لا العمل - بعد أن تلقوا تكوينا (نظريا وعمليا) من المال العام يعد استهدافا لكرامة المدرس(ة) وضحك على ذقون دافعي الضرائب. ثم أليس المستثمرون في التعليم الخاص هم المستفيدون بشكل مباشر من هذه الإجراءات؟ ولنتساءل ماهول المقابل –الحقيقي لا الشعاراتي - الذي سيقدمونه لدافعي الضرائب؟؟ لذلك يصح القول إن معركة الأساتذة المتدربين هي قضية "رأي عام" بأكمله. هي قضية الطلبة الذين يعلقون آمالا كثيرة على التوظيف داخل قطاع التعليم بعد مكابدة مرارة ضيق ذات اليد، ومرارة تعليم جامعي منفر... وهي كذلك قضية كثير من الآباء والأمهات الذين يحلمون بحصول أبنائهم وبناتهم على وظيفة تحفظ كرامتهم...وهي معركة الأساتذة الممارسين الذين يشاهدون يوميا كيف تهان كرامة زملائهم: أساتذة الغد ...هي قضية كل الفاعلين المدافعين عن المدرسة العمومية، وهي معركة التنظيمات النقابية التي تحمل هموم الشغيلة، والتنظيمات الحقوقية المنافحة عن حقوق الإنسان...إنها معركة شعب تواق إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. بالجملة وراء المرسومين تقف إرادة إخضاع الشعب لإملاءات فوقية وقرارات لا شعبية ولا ديمقراطية. ووراء رفض المرسومين إرادة الشعب لقول "لا" لسياسة "تقويم هيكلي جديد" و"كفى" ظلما وقمعا لأبناء وبنات الوطن. ولا ريب في أن إرادة الشعب هي التي ستنتصر.