في المواكبة اليومية لحراك الحسيمة منذ انطلاقته إلى صدور تلك الأحكام القضائية الصادمة في حق معتقليه يمكن التمييز بين ثلاثة مواقف و"خطابات" حول المسار الذي اتخذه والمنعطف الحالي الذي آل إليه، وهي: 1_الموقف الرسمي، وهو موقف تتماهى معه عدة أحزاب ووسائل إعلام من صحافة ومواقع إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. ويتأسس هذا الموقف على حيثيات متناقضة: فهو إذ يعترف بمشروعية المطالب الاجتماعية للحراك وبمسؤولية الحكومة في ذلك بفعل فشلها في تفعيل مشروع "منارة المتوسط" التنموي حيث تم، وبتعليمات ملكية إعفاء عديد من الوزراء من مهامهم بسبب ذلك، فإنه في نفس الوقت يتعامل مع الحراك على قاعدة البيان الشهير لممثلي الأغلبية الحكومية الذي اتهم الحراك بالنزعة الانفصالية فشكل بالتالي تمهيدا وغطاء لما سيلي من "مقاربة أمنية" أججت الوضع الميداني وأغلقت الباب أمام أي حل تفاوضي سلمي، وأدت إلى انفلاتات أمنية خطيرة نقلت الحراك من "السلمية" إلى عنف وعنف مضاد في ظل حصار أمني وعسكري للمنطقة. ويختزل أصحاب هذا الموقف شهورا من الاحتجاج السلمي، منذ طحن محسن فكري إلى واقعة المسجد، في ما ترتب عن تلك المقاربة الأمنية من خسائر مادية وبشرية في صفوف قوى الأمن، داعين إلى استعادة "هيبة الدولة" بالتطبيق الصارم للقانون في حق معتقلي الحراك باعتبارهم جناة ليس إلا!! ولعل أوضح تعبير عن هذا الموقف هو ما عبر عنه "محامو الدولة" الذين جردوا الحراك بشكل مطلق من أي بعد اجتماعي وسياسي، واعتبر بعضهم الأحكام الصادرة "أحكاما رحيمة"! 2-الموقف الشعبي: وهو موقف متعدد التعبيرات التضامنية والمتعاطفة مع الحراك ومعتقليه، فعلى المستوى التحليلي لطبيعة الحراك والمسارات التي اتخذها يضع هذا الموقف حراك الريف في سياق النمو المطرد للحركات الاحتجاجية على الصعيد الوطني وذلك بفعل فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق التطلعات المشروعة في التنمية والعدالة الاجتماعية، وفي توفير شروط العيش الكريم لمعظم الفئات الاجتماعية وللأجيال الحالية والقادمة. كما يعتبر هذا الموقف أن انتقال حراك الريف من "السلمية" إلى "الصدامية" كان نتيجة حتمية للمقاربة الأمنية المفرطة للدولة من جهة، ولإنعدام الثقة بين قيادات الحراك وجماهيره وبين مختلف الوسائط المؤسسية من جهة أخرى، ما أدخله في عفوية وصدامات مع قوى الأمن خاصة بعد اعتقال قادته. وإذا كان الموقف الأول أعلاه، نزع نحو تبرير الأحكام القاسية في حق معتقلي الحراك فإن الموقف الشعبي المعبر عنه بعدة أشكال سماها البعض مستهزئا _سامحهم الله ب"النحيب البكائي" لم يستسغ تلك الأحكام ومبرراتها "القانونية" ويطالب بإبطالها بالطرق الممكنة بما يحقق الانفراج في منطقة الريف ويقطع الطريق عن أية نزعة "راديكالية متطرفة" كرد فعل على لاعقلانية هذه الأحكام وجورها. وعليه تصبح للمقاربة السياسية إلحاحيتها واستعجاليتها: فلا مخرج من هذا الوضع القابل لمزيد من الاحتقان غير التحلي بإرادة سياسية للدولة في أعلى مستوياتها لإعادة الحياة لمسلسل المصالحة مع الريف الذي دشنه ملك البلاد سنة 1999 خلال زيارته التاريخية لأجدير. 3-موقف نقدي: بين الموقفين المشار إليهما يمكن استخلاص موقف ثالث لا يختلف عن الأول إلا في طبيعة خطابه، فهو يدعو إلى التعاطي مع الحراك وتداعياته بعقلانية وحكمة لا بانفعالية وشعبوية وعاطفية، إنه موقف نقدي مزدوج: ينتقد المقاربة الأمنية والأحكام الصادرة من جهة، وينتقد من جهة ثانية ردود الفعل التضامنية والغاضبة المعبر عنها خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي جهة ثانية. إنه الموقف المطلوب فعلا رغم أن البعض يعبرون عنه أحيانا بكثير من "التعالم" والتحامل على الفعل التضامني التلقائي الصادق والنابع من ذاكرة جريحة أولا، ومن ضغط الشعور ب"الحكرة" وانسداد الأفاق ثانيا.. وماذا عن الذين صاموا عن الكلام ودسوا رؤوسهم في الرمال؟ إن صمتهم إدانة لهم، فليس الصمت دائما حكمة، إنه في مواجهة هذا الذي يجري أمامنا من ظلم وجور وارتداد عن المكتسبات، تواطؤ وانتهازية ممقوتة.. وللموضوع صلة.