الإحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من مارس من كل سنة ، لم يأت من فراغ ، بل يعود إلى محطات نضالية طويلة فيها الكثير من الكفاح والصمود ، ووقوفهن أمام الظلم والإستبداد وهضم للحقوق … الخ . فحينما نغوص أعزائي القراء في التاريخ النضالي للحركة النسائية على الصعيد العالمي ، لابد أن نقف أمام العديد من المحطات النضالية التي بسببها وصلت المرأة إلى ما هي عليه الآن . ففي سنة 1908 ، كانت أول صرخة للمرأة في مسارها النضالي ، حيت شارك ما يناهز 15 ألف إمرأة في مسيرةٍ حاشدةٍ بمدينة نيويوركالأمريكية للمطالبة بحق التصويت، وتحسين الرواتب وتقصير ساعات العمل .. الخ ، وفي سنة 1910 حضرت أكثر من 100 امرأة من 17 دولة في مؤتمر الإجتماع الإشتراكي الدولي الذي عقد آنذاك بكوب نهاكن والذي عرف باسم " مبادرة كوب نهاكن " ، حيث دعت للتأكيد على حقوق المرأة ودعم حقها في الإقتراع ..الخ . وفي سنة 1911 تم الإحتفال باليوم العالمي للمرأة في 19 مارس ، في كل من النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا ، حيث شارك في هذا الإحتفال أكثر من مليون رجل وإمرأة ، للمطالبة أيضا بحقها في التصويت وشغل المناصب العامة والعمل والتدريب المهني ووقف التمييز ضدها في العمل ..الخ . وفي سنة 1913 أصبح اليوم العالمي للمرأة بمثابة آلية للتظاهر ضد الحرب العالمية الأولى .. ، بعد ذلك تم اختيار يوم 8 مارس للإحتفال بالمناسبة ، لتليها العديد من الخرجات النسائية بعد ذلك ، لتقر منظمة الأممالمتحدة الإحتفال باليوم العالمي للمرأة (8 مارس) سنة 1975 . وفي سنة 1995 ، "إعلان ومنهاج عمل بكين" كان بمثابة خارطة طريق التي وقعتها 189 دولة ، قصد تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء … الخ ، لتختار منظمة الأممالمتحدة لسنة 2018 شعار " الضغط من أجل التقدم" ، حيث تقول إن احتفالات هذا العام " تأتي في أعقاب حركة عالمية غير مسبوقة تنادي بحقوق المرأة والمساواة والعدالة" وتضيف أن " التمييز ضد المرأة استحوذ على العناوين الرئيسية والخطاب العام ، مدفوعا بعزم متزايد على التغيير . بعد كل هذه السنوات الطويلة من النضال المستميت من أجل الكرامة والمساواة ، فقد نجحت المرأة العربية والمغربية بالخصوص ، من الإستفادة من تجارب الحركة النسائية على المستوى العالمي ، والتي كان لها وقعها الخاص على الحركات النسائية داخل المجتمع المغربي ، والتي باتت تنتزع في كل مرة المزيد من المكاسب والحقوق . ولعل دستور المملكة المغربية لسنة 2011 أكبر مكسب لها ، فقد جاء بالعديد من المقتضيات أكثر إنصافا للمرأة المغربية ، لاسيما إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز (الفصل 146) ، ثم النقاش الدائر انذاك حول اللائحة الوطنية المخصصة للنساء والشباب ، التي تعتبر في نظر البعض ريعا سياسيا "عبئ سياسي" يمكن الإستغناء عنه بعد تراكم تجربة كافية من لدن النساء والشباب تأهلهم لولوج قبة البرلمان انطلاقا من لوائح انتخابية عادية . وبالعودة مرة أخرى إلى تاريخ المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية ، فقد تم التنصيص في دستور 2011 ، على أن المغرب " يركز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية " ، كما ينص في فصله السادس على أنه " تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين ، والمساواة بينهم ، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية" ، أما الفصل التاسع عشر فقد أكد على أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى ، وكذا في الإتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب ، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. ومن هذا المنطلق الدستوري فقد إستفادت المرأة المغربية من إنخراط المغرب ، في العديد من الاتفاقيات الدولية ، التي تعنى بحقوق المرأة ؛ كالاتفاقية رقم 100 المتعلقة بتساوي الأجرة بين اليد العاملة من الرجال و اليد العاملة من النساء لعمل من نفس القيمة . والمرأة في القانون العربي الاسترشادي لمواجهة جرائم الاتجار بالأشخاص. والمرأة في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة . والمرأة في الاتفاقية بشأن وكالات الاستخدام الخاصة . والمرأة في القانون العربي الموحد للسجون . والمرأة في الميثاق العربي لحقوق الإنسان . ثم المرأة في تنفيذ القانون رقم 04-06 الموافق بموجبه من حيث المبدأ على تصديق الاتفاقية لإنشاء منظمة المرأة العربية . كما لا يخفى عليكم أعزائي القراء ، أن النساء المغربيات بدأن منذ سنوات يلجن العديد من القطاعات والمهن الحيوية والإستراتيجية .. ، والتي كان يستحيل الوصول إليها أو حثى مجرد التفكير فيها ، فقد شغلت منصب مستشارة الملك ووزيرة وسفيرة وعميدة وأستاذة جامعية وربان وقاضية .. الخ من المهن الأخرى . ولعل أكبر إنجاز لها لهذه السنة -2018- ، بعد انجاز إصلاح قانون الأسرة ، وصدور مدونة الأحوال الشخصية ، والخطة الحكومية للمساواة "إكرام" .. الخ ، فقد تم السماح لها لولوج خطة العدول (مهنة العدول) وهي سابقة من نوعها في التاريخ السياسي والإجتماعي والحقوقي بالمغرب ، حيث جاء اثر القرار الملكي الذي أعلن عنه عند انعقاد المجلس الوزاري في بداية شهر يناير2018 ، ليتم فيه الحسم بشكل نهائي ، بعد جدل ظل لسنوات طويلة حول إمكانية دخول المرأة المغربية لقطاع ظل حكرا على الذكور لسنوات طويلة . وكانت هيئة عدول المغرب قد رفعت ، برقية إلى جلالة الملك ، أكدت فيها على ترحيبها بقرار فتح خطة العدالة في وجه المرأة المغربية ، واعتبرت أن هذا الإجراء يعكس اهتمام جلالته بالخطة، وحرصه على تجديد مقوماتها. أما على مستوى وضعية المرأة في الأحزاب السياسية ، فمازال ينتظرها مسار طويل من النضال ، وكان على الأحزاب المغربية تشجيع المرأة أكثر للولوج للحياة السياسية بقوة ، قصد تكوين نساء قياديات يمثلن هيئاتها السياسية أحسن تمثيل ، وذلك في إطار مسؤولياتها في دعم المرأة بالبرلمان والمجالس المنتخبة .. الخ ، والتي ينص عليها دستور المملكة في فصله السابع ، وكذا تمكينها من اتخاذ قرارات حيوية داخل الدولة وفي مجالات مختلفة ، ولم لا رئاسة الحكومة ؟ وبعض الحقائب الوزارات المهمة التي بقيت حكرا على الذكور منذ سنوات طويلة . إذن مسار الإصلاحات لازال مفتوحا على مصراعيه ، ولازالت شهية بعض المنظمات والهيئات والحركات الحقوقية النسائية مفتوحة على العديد من الملفات والقضايا سواء تعلق الأمر بالعنف ضد المرأة ، أو التمييز العنصري بين الجنسين أو المطالبة بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة … الخ . ولكن حينما ننظر إلى واقع المرأة بالمغرب العميق بالخصوص ، ماذا سنجد في نظركم ؟ هل بالفعل كل ما سبق ذكره من انجازات ومكتسبات وصل بشكل كلي أو جزئي لهؤلاء النسوة ؟ لا أظن ذلك ؟ فنساء المغرب العميق مازلن يعشن أوضاعا اجتماعية واقتصادية وصحية .. قاسية . فالمستفيد الأول والأخير من كل هذا الزخم الاحتجاجي والإعلامي حول حقوق المرأة ، هن المنظمات والهيئات والحركات النسوية بالمجال الحضاري ، وخصوصا القريبات من مراكز القرار ، حيث الاستفادة من الامتيازات والأولويات .. وغيرها من الحقوق ، خلافا للمرأة القروية التي تبقى مجرد رقم يتم استغلاله من لدن بعض هذه المنظمات والهيئات للمتاجرة بمعاناتهن وأوضاعهن المزرية ، وهذا أمر يحز في النفس ويستعدي وقفة تأمل أمام هذه المفارقات الغريبة والعجيبة . إن أكبر عدو حقيقي للمرأة هي المرأة نفسها ، فحينما نتحدث عن الوجه الحقيقي للتمييز العنصري ، لاشك سنلاحظه بنسبة كبيرة في صفوف هذه المنظمات النسوية . فمنذ مثى تم إشراك نساء المغرب العميق في القضايا الوطنية ؟ وكم مرة زارت فيها هذه المنظمات هؤلاء النسوة ؟ وأين المخططات الاستراتيجية القريبة او المتوسطة او البعيدة المدى للنهوض بهذه الفئة المهمشة ؟ وهل توزيع بعض الملابس وبعض المواد الغدائية والطبية .. هي الكفيلة بالنهوض بالمرأة القروية ؟ ام ان سياسة التقاط الصور في المؤتمرات والمحافل الوطنية والدولية هي التي ستحسن من ظروفهن المزرية . لاشك أن الرهان الحقيقي لدى المنظمات والهيئات النسائية الحقيقية ، هو الاتجاه نحو إعطاء الأولوية لزميلاتهن بالمغرب العميق ، قبل الحديث عن أي شئ اخر ، فهذه الفئة حان دورها لتنال حقها المشروع من جميع المكتسبات التي تم تحقيقها منذ سنوات خلت . فالمناصفة الحقيقية في الحقوق والحرية والواجبات .. يقع على عاتق النساء أنفسهن قبل الرجال ، فلا معنى لمجتمع بلا نساء ، ولا معنى لمجتمع بدون رجال ، إنها بالفعل معادلة عادلة لكلا الطرفين ، تستدعي من الجميع ذكورا وإناثا المضي قدما من أجل إقامة مجتمع عادل ومتضامن ، يتسع لجميع نسائه ورجاله . فكل عام وأنت أيتها المرأة المغربية المناضلة الشريفة بألف خير .