مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميديا ال"buzz" وصناعة النجومية
نشر في العمق المغربي يوم 03 - 12 - 2017

مفعولا هكذا بالشهرة والنجومية وحصد المال أصبح الإنسان المعاصر، وذلك بفعل التغيرات السياقية للحياة العامة، وظهور نوع جديد من الميديا التي أفرزت إعلاما جديدا هو إعلام الجمهور أو الشارع ضدا على أو مواجهة للإعلام التقليدي الذي كانت تتحكم فيه المؤسسات الرسمية والشخصيات النخبوية المحكمة؛ فقد فتح هذا النوع من الإعلام الكاسح بابا مُشاعا تدخله العامة متى امتلك أصحابها الأدوات والوسائل والأفكار الجديدة والغريبة.
ويمكننا هنا أن نثير الاهتمام إلى ظهور وسيلة لافتة عبر هذه الميديا الجديدة، إنها ظاهرة الbuzz، هذه الكلمة الانجليزية التي انتقلت من مدلولها المعجمي كطنين أو أزيز الحشرات التي يزعج الأذن، إلى دال ينحت نفسه بقوة في حقل الميديا ليدل على تلك التقنية الجديدة في فن التسويق لإثارة الانتباه حول حدث أو منتوج مادي أو معنوي، أو الترويج لشخصية ترغب في الظهور في الواجهة عبر مختلف الميادين: تجارية، سياسية، فنية، دينية، أو حتى أدبية… ولم يخل إعلامنا العربي الجديد من هذه الظاهرة، إذ تحمل تسميات لا تخرج عن دائرة مصطلحها الغربي، من قبيل الصيحة، والخرجة الإعلامية التي يتفاعل معها الجمهور تأثرا وتأثيرا، من أقوال وأفعال وصناعات تشذ في الغالب عن المتعارف والمألوف، بالتصريحات أو الأعمال الفنية والأدبية، أو حتى الفتاوى الدينية الغريبة عن كل اجتهاد وقياس، أو من خلال مظاهر أخرى لها علاقة بثقافة الجسد العربي ولباسه، أو بالعادات والتقاليد المصكوكة والقيم الموروثة… هي أمثلة كثيرة يصعب حصرها في هذا المقال.
وتكمن دواعي هذه الاستراتيجية التي تقوت في عصرنا الراهن في ثلاثة أهداف هي: الحرية، والشهرة، وفن الكسب؛ ثالوث يترجم سيكولوجية الإنسان الطموح بكل ما تحمله نزعته الماكيافيللية من معنى؛ ففي ظل الحرية بكل محمولاتها وروافدها، نجده قد كسر قيود عقله وعاطفته؛ وأمام بريق الشهرة، انجذب بكل عمى إلى تخومها العليا حتى يكون مثار حضور وإعجاب في عيون العالم؛ وبسبب إكراهات العصر المادية، فقد نحا هذا الإنسان أيضا بكل وسيلة مبررة أو غير مبررة إلى التفنن والتحايل في كسب المال لتأمين حياته المادية المرهونة، كرها، بانخراطه في منظومة واسعة من الاستهلاك والمتعة.
وأمام هذا الوضع الإعلامي الجديد، وهذه التنافسية الشرسة في الظهور على الواجهة، أو الرغبة في التعبير عن سخط ما أو تغيير الواقع المبتذل، أو الترويج لإيديلوجيا معينة… حشد الأشخاص، ممن يمتلكون الإرادة والفكرة والوسيلة، كل طاقاتهم مستثمرين هذه التقنية الجديدة (buzz) كوسيلة فعالة، بل كسلطة جديدة وفعالة، قادرة على اكتساح أي سنن ثقافي وقيمي، واقتحام أي باب كان يُعد في ما سبق من المتعاليات؛ وقد تعزز هذا الفتح الجديد بفضل الإمكانات الهائلة التي تتيحها وسائل الإعلام والتواصل الحديثة رسمية أو غير رسمية، والتي تزحف ككرة الثلج من أقاصي الهامش إلى دريئة المركز المنيع، حتى أصبحنا نتحدث عن مركز جديد صاعد بقوته الإعلامية الشعبوية؛ حقا لقد استفاد الأشخاص، أولائك الذين يمتلكون الوعي الشقي، من خدمات التكنولوجيا المعلوماتية الذكية بكل بواباتها التواصلية الجماهيرية من وسائل التواصل الاجتماعي ( فيسبوك، تويتر، يوتوب، مدونات، مواقع، تطبيقات ذكية …) فردموا الهوة التواصلية التي كان يرسمها الإعلام القديم بين الخاصة والعامة، وأسسوا لأنفسهم واقعا صداميا يتماهى فيه الواقعي بالافتراضي، فانمحت بذلك حدود التفاعل بين المرسل والمرسل إليه، واهتزت يقينية الرسائل وقنواتها، وانتكصت أيضا الرقابة بمقصها الصارم، وبرزت في السطح عولمة تواصلية شعبوية كسرت الجغرافيات السياسية والثقافية والقومية والعرقية والدينية؛ وبات التقويم والتقييم أيضا عنوان الجمهور والعامة في شكله المباشر دون وساطة سلطوية أو نخبوية تقليدية.
هكذا تغيرت ملامح المشهد الحياتي العام تأثيرا وتأثرا، ودون شروط أو وصاية مُتَحَكَم فيها، فأصبح الأفراد الطامحون للشهرة والنجومية والمال يشكلون قوة جديدة فوق غرامشية تتذبذب بين الفاعلية في التغيير وبين الظهور اللافت فقط، فأفرزت نوعا جديدا من المثقف، بمعزل عن المثقف الصريح والمعروف اسما وجسدا، فظهر ما يمكن تسميته بالمثقف الافتراضي المتمترس، علنا أو خفية، خلف اسم صريح أو مستعار، يدون، يصور، يعلق، يبدع، يندد، يثير الفتنة، يسخر، يشَهِر بنظام أو بشخصية نافذة أو واقع ما…بحرية تامة ومنفلتة.
هكذا وجد الكثير من الأشخاص أنفسهم بفضل ظاهرة الbuzz ميالين بكل ما كانوا يحملونه سابقا من عقد الحرمان والتهميش والرقابة، متوسلين بدافعية التسامي ،كما يشير إليها علم النفس، إلى اكتساح النجومية والكسب المادي والمعنوي، بجعل مجالهم بؤرة جاذبية وانتباه، ودائرة تأثير؛ وإحقاقا لهذه الأهداف يلجأ كل واحد منهم، كما هو معروف، على رافعات يقفز بها فوق الخطوط الحمراء الممنوعة، هذه الرافعات/الروافد تتغذى على الخوض في الطابوهات التي ألفناها في السياسة والدين والجنس، وأيضا من خلال إثارة الفضيحة والسخرية، أو بالإعلان عن حالة من التمرد والعصيان والممانعة سياسيا، دينيا، فنيا وفكريا وأدبيا (معارضة سياسية، منتوج سينمائي أو غنائي أو أدبي خارج عن السرب وعن المتواضع عليه، التشهير بشخصية سياسية، فتاوى غريبة، تعرية الواقع بمحمولاته الثقافية)، أو الجهر بسر من الأسرار الخاصة ذات النزوع الشاذ والفاضح… وهلم جرا من المواضيع التي تثير شهية المتلقي من جهة، وتبصم على شهرة وفرادة صاحبها من جهة أخرى لكونه كسر جدار الصمت، ومزق حجاب المستور.
نشير أخيرا أن ظاهرة الbuzz ليست جديدة على عصرنا الحديث، إذ لجأ إليها الإنسان منذ القدم، فقد كانت خصيصة فئات نخبوية فردية، لتصبح راهنا محج الجمهور والجماعة، فانقلب معها الهرم الإعلامي والثقافي رأسا على عقب، وتبوأت فيه القاعدة العريضة الصدارة العليا على حساب زاويته الضيقة التي تتقهقر شيئا فشيئا نحو الأسفل؛ فهل تتفطن سوسيولوجيا الإعلام إلى هذا الانقلاب والثورة الذي تحدث في سياقاتنا وأنساقنا الثقافية، وما يترتب عنها من تداعيات إيجابية وسلبية على مجتمعنا العربي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.