بقدر ما اظهرت نتائج الانتخابات التشريعية ل7 اكتوبر 2016 مجموعة من الحقائق الاساسية منها : -حرص المؤسسة الملكية على احترام المنهجية الديموقراطية عبر احترام المقتضيات الدستورية التي يعبر عنها بكل وضوح منطوق ومضمون الفصل 47 من الدستور المغربي . -انهيار الاحزاب التقليدية التي جنت ما زرعته لعقود من الزمن عندما جعلت بيضها كله في سلة الاعيان والمخزن . -قوة التيار الاسلامي تنظيما وخطابا ، ساهم في ذلك كاريزما الامين العام لحزب العدالة والتنمية الذي استطاع ان يستغل كل المناورات والمؤامرات التي استهدفت حكومته السابقة لصالحه سواء بلعب دور الضحية تارة او اتقان دور المنقذ للبلاد من السكتات القلبية الاقتصادية والاجتماعية . إلا ان الانتخابات الاخيرة تحمل في طياتها مخاطر حقيقية للمستقبل السياسي للمغرب، حيث ان الاستراتيجية المتبعة دائما في احتواء الاحزاب السياسية تاريخيا من قبل الدولة فشلت هذه المرة في المغرب لاول مرة بشكل كبير وواضح، حيث ان حزب العدالة والتنمية بذكاء كبير استطاع في خطابه السياسي ان يفرق بين الملك محمد السادس وبين الدولة العميقة ، حيث ركز العدالة والتنمية في قصفه السياسي على ما اسماه بالتحكم والتماسيح والعفاريت وفي نفس الوقت يتم شكر وتمجيد الدور الملكي في احترام الديموقراطية والتعددية السياسية والحرص على مستقبل المغرب. الانتخابات التشريعية ل 7 اكتوبر في نظري ستدشن صراع المشروعيات والشرعيات بين المؤسسة الملكية وبين مؤسسة الحكومة وعلى راسها عبد الإله بنكيران ، ملامح الصراع السياسي بين الشرعيتين ستتبين مما يلي : 1- القصف المركز على وزارة الداخلية طيلة فترة الانتخابات وبعده حيث ان حزب العدالة والتنمية لن يقبل باقل من تغيير كلي للعمال والولاة الذي اتهمهم بالانحياز التام للبام في الانتخابات التشريعية ، فوزير العدل المنتمي للعدالة والتنمية سبق ان تبرأ من الاشراف على الانتخابات عبر تغريدة عبر الانترنيت اتهم فيها وزارة الداخلية ضمنا بالتلاعب ، زكى ذلك اعلان العدالة والتنمية النتائج الاولية قبل بلاغ وزارة الداخلية ، وفي بني ملال مثلا اتهم النائب البرلماني السابق الحنصالي الوالي بانه هو وكيل لائحة التراكتور وان القواد والباشوات عملوا بشكل مباشر الى جانب البام ، ونفس الشئ باكادير حيث طالما انتقد النائب البرلماني احمد ادراق تدخل السلطة وقس على ذلك القنيطرة وسلا وطنجة وووو. فهل سيقبل حزب العدالة والتنمية العمل مع نفس الولاة والعمال الذي انتقدهم ؟ وهل ستقبل الملكية بالمغرب استفراد حزب العدالة والتنمية بوزارة حساسة طالما كانت العنصر المحوري في الحكم المغربي ؟ هنا سيبدأ الصراع خصوصا وان خطاب الملك امام البرلمان خلال افتتاح الولاية البرلمانية الجديدة اجاب على الرميد مباشرة ورد على تدوينته عندما قال الملك بان الانتخابات بالمغرب مرت في جو سليم ونزيه. . 2- الحملة الكبيرة التي تشن اليوم على احمد توفيق وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية ، ليست بعيدة عن هذا المنحى الصراعي بين الشرعيتين الانتخابية للعدالة والتنمية والتاريخية للملكية. وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية كانت دائما وزارة سيادية وفوق الصراعات السياسية اليوم وقد وضع دورها على المحك وتم قصف الوزير احمد التوفيق يتبين ان المساجد وفحوى خطب الجمعة والمناهج الدراسية سيكون من بين اجندة الاسلاميين في المرحلة المقبلة وسيضع الانفراد الملكي بالشرعية الدينية محل منافسة غير مسبوقة ، ونحن نعلم علم اليقين ان الملكية بدون شرعية دينية مهددة بشكل كبير . 3- استهداف وزير الفلاحة عزيز اخنوش بشكل غير مسؤول وغير مسبوق يعد انقلابا كامل الاوصاف على الطاقم الملكي التكنوقراطي الذي يمثل اخنوش احد عناصره ، ففي الوقت الذي لا يكل فيه ولا يمل رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران في الثناء على عزيز اخنوش وانجازاته في الفلاحة والصيد البحري اثناء الولاية الحكومية السابقة ، يتعرض اليوم لحملة هدفها ابعاده عن الاستوزار وابعاد كل من له علاقات بالقصر تفوق علاقة رئيس الحكومة . وهذا سيكون باب من ابواب الصراع بين القصر والعدالة والتنمية . 4- عزل حزب الاصالة والمعاصرة وقياداته اعلاميا وسياسيا من قبل العدالة والتنمية وتوسيع رقعة حلفاء العدالة والتنمية من احزاب الكتلة "الديموقراطية" سيضع الدولة العميقة في مواجهة تكتل عريض من السياسيين في مقابل معارضة ضعيفة مشتتة بدون مصداقية. لا شعبية لهذه المعارضة ولا عمق تاريخي لها ، وهذا سيجعل من الصعوبة تقويض التقدم الاسلامي في الانتخابات المقبلة وهذا مطمح ملكي لا غبار عليه ، اذ ان استمرار الإسلاميين في الحكم دون معارضة يعني وراثة حكومة المملكة المغربية ، باعتبارهم الحزب المنظم والمهيمن وذو مرجعية واضحة ومتناغمة مع ما يريده الجمهور. وهذا لن يقبل به نظام الحكم بالمغرب ابدا. من الصعب تكهن ما سيحدث في المستقبل السياسي القريب والبعيد بالمغرب ولكن ثمة امورا واضحة من قبيل ان الملكية في المغرب لن تقبل من ينازعها الشرعية الشعبية والتمثيلية الدينية لذلك ستسعى جاهدة بكل الوسائل لاسترداد زمام المبادرة السياسية ، ولكن ذلك لن يكون متيسرا بدون اثمان سياسية ترفض الملكية الى اليوم اعطائها للمجتمع المدني والسياسي الديموقراطي ، كاصلاح المجال الديني ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية واصلاح العدالة ورفع الظلم والحيف عن الفقراء واطلاق الحريات السياسية وانعاش دور الطبقات الوسطى المنهكة بالديون والفساد والتخلي عن المقاربة الامنية في تعاطيها مع الشأن السياسي والقطع النهائي مع سياسة الاعتماد على الاعيان وشراء الذمم لفرز اغلبيات سياسية .بدون ذلك سيبقى الاسلاميون في الحكومة وسيطمحون الى الحكم تدريجيا طالما ان الموجبات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تنتجهم هي الغالبة وهي المهيمنة. انغير بوبكر باحث في العلاقات الدولية