بعدما أفل نجم إلياس العماري الأمين العام المستقيل لحزب الأصالة والمعاصرة، وصار يعيش شبه عزلة سياسية ونفور من قبل جميع القياديين السياسيين لباقي الأحزاب، وبعدما انكسر سيفه في معارك الشأن العام ولم يعد له قوة في تدخلات الجراحات السياسية والتدخلات في بناء قرارات الفاعلين في المشهد الحزبي، ظهر بالموازاة مع ذلك كوكب جديد يطوف في فلك الصناعة السياسية اسمه عزيز أخنوش "راعي الحمامة" الزرقاء في حزب التجمع الوطني للأحرار. سطع نجم رجل الأعمال في السياسة من البوابة التي أخرج منها عبد الإله ابن كيران، حامل عود ثقاب مصباح أصبح باردا بدون زيت تضيء، فكان له التمكين في عقدة تشكيل الحكومة والبلوكاج الذي دام شهورا. في هذا السياق تخبطت دفتي ميزان الاستقلال، وتهشم بناء علال الفاسي وفقد إرثه بريقه على يدي حميد شباط الذي تعلم صنعة نفخ العجلات وأيضا وضع المكابح لها، ليظهر تمكنه من هذه الحرفة في مؤتمر حزب الاستقلال نهاية الأسبوع الماضي من أواخر شتنبر، شهر انطلاق موسم الخريف وموسم القنص أيضا، فاختلط الخرف بالقنص السياسي. غير أن اللافت للانتباه هو دور عزيز أخنوش في معركة الاستقلال من أجل تجديد قيادته ونخبه، هل هو مع نزار بركة، ذلك الرجل من سلالة علال أحد أعمدة الوطنية والنضال في تاريخ المغرب، رجل مر ومازال عبر بوابات مختلفة لصناعة السياسة العمومية وعبر مدرسة الاستقلال العائلية والسياسية وأيضا التي خبرت دروب طقوس المخزن، أم هو مع شباط حميد ذلك الخصم الذي لا يعبأ لبناء حزب كبير وقد فشل في ذلك في الاستحقاقات الانتخابية الماضية، وأيضا في محاولة فرض نفسه في معادلة تشكيل الحكومات والاغلبيات النيابية، وبالتالي يعد خصما مثاليا للعب معه بدون أضرار نفسية وسياسية كبيرة؟ في هذا الصدد تعددت آراء قياديون بارزون في حزب الاستقلال تم الإنصات إليهم في حلقات مغلقة، مصرين على عدم ذكر أسمائهم وصفاتهم، نظرا لحساسية الظرف ونظرا تصريحاتهم غير المسبوقة في المشهد. وحرصا منا على احترام بل وتقديس سرية المجالس فإننا نكتفي بالخلاصات التي أفادوا بها لعلها تحمل بعضا من عناصر الفهم والتحليل لدور أخنوش في صناعة سياسة جديدة وقيادات حزبية متجددة. المشهد داخل الاستقلال قبيل المؤتمر.. الخشبة أثتها كل من حميد شباط وحمدي ولد الرشيد. شباط بدأ يفقد أنصاره الأشداء على المستوى المركزي خصوصا في اللجنة التنفيذية وفي لجنة التحضير للمؤتمر، وأيضا على مستوى عدد كبير من الجهات الترابية لفائدة كاسحة الألغام الصحراوية بزعامة حمدي ولد الرشيد الذي مهد بشكل جيد لظهور نزار بركة وفرض تعديل القانون الأساسي في المؤتمر الاستثنائي في أواخر أبريل من هذه السنة. نزار بركة يتوغل في صفوف مناضلي الحزب ويعقد لقاءات عديدة ويوجه استمارة تشاركية تفاعلية لوضع تصور بمستقبل التنظيم، ليعلو صوته شيئا فشيئا داخل المشهد الإعلامي ختم ذلك بتقديم برنامجه للمستقبل في ندوة صحفية كبيرة قبيل انعقاد المؤتمر بدون أن تحدد هويته الحقيقية، رغم أن شباط دفع بمخزنة طرحه وترشيحه لمنصب الامين العام، مرددا أطروحة بنكيران في التحكم والتي لا تستقيم كثيرا مع الوضع الجديد نظرا لغياب أي مؤشرات سلطوية في توجيه المؤتمرين وأعضاء المجلس الوطني الجدد المقترحين لانتخاب هياكل جديدة للميزان. المشهد خارج التنظيم في علاقته مع باقي الفاعلين قبيل المؤتمر.. تحدثنا إلى عدد كبير من الاستقلاليين محاولين استخراج عنوان كبير لعلاقة الحزب الظاهرة للعموم، من خلال أمينه العام مع باقي الفاعلين السياسيين، ومن خلال عملية عنونة كبيرة ومركزة ودقيقة للمرحلة، استخلصنا الخلاصة السياسية الكبيرة: شباط يحاول كسب مشروعية سياسية كبيرة من خلال استعمال قواميس العدالة والتنمية وتقديم تنازلات إعلامية لإبن كيران، مع توجيه مدفعيته الشعبوية بالاتهامات والانتقاد الشعبي العمومي اللاذع لعزيز أخنوش والياس العماري بكل لغات ومضامين خطب ابن كيران السابقة واللاحقة. في مقابل ذلك يبدو على سطح المشهد، تلذذ زعيم المصباح بصياح شباط في وجوه من أخرجوه من الخشبة بدون أن يقدم له دعما حقيقيا لأنه لم ينسى بعد كشخص وكبنية تنظيمية، سابق اتهامات شباط له بجميع أنواع القذف والتهم، وأنه هو من عطل حكومته بل وارغمه على قبول غريم جديد بشروطه عندما تفاوض مع مزوار في الحكومة الثانية. أخنوش من جهته لا تضره سياسيا تصريحات شباط الذي أصبح يسوق كأنه "هبيل" وأنه لا موقف له، يتغير موقفه بحسب قربه أو ابتعاد السلطة عنه، لذلك قد يعتبره خصما مثاليا مصنوع على المقاس لا يملك عمقا في النقاش وليست له قوة للتأثير الحقيقي داخل المؤسسات، وأكثر من ذلك لا يمكنه أن ينافسه في القرب من دوائر السلطة وجوهرها لأنه أصبح كالمفلس السياسي، لا يملك سلطة حقيقية حتى على فريقيه النيابيين في البرلمان ولا يعدو أن يكون مجرد ظاهرة صوتية لا تحركه في شيء. حسابات داخلية في المؤتمر.. إلى هنا في هذه المحطة النهائية لمسير طويل من المعارك ومبارزات تكسير العظام بين الإخوة المتخاصمون، من أجل إعداد العدة لازاحة شباط، كان يبدو أن المعركة شبه محسومة لفائدة نزار بركة المسنود بتيار صحراوي قوي لم يسبق له أن ظهر بهذه القوة التنظيمية إن في حزب علال أو في أحزاب أخرى. كان يبدو أيضا أن نواب غرفة المالكي وبنشماس هم أيضا من بين صفوف مناصري حفيد مؤسس الحزب، بجانب قياديين سابقين ووزراء في حكومات متعاقبة، غير أن مواقفهم المساندة لبركة خفت إشعاعها في الفترة الأخيرة، أمثال وزراء سابقون كالتوفيق احجيرة وكريم غلاب وياسمينة بادو الذين وقع بينهم وبين شباط صلح على حين غفلة و في ظروف غامضة، وأصبحت خرجاتهم باردة بل أكثر من ذلك تراجعت قليلا، ربما من أجل التفاوض على مواقع في التنظيم خلال المؤتمر وما بعده. في الظاهر وحسب كل من تحدثنا معهم في الموضوع أو سائلناهم أسئلة دقيقة عن المواقف المعبر عنها من كل طرف، أمكن استنتاج نتيجة غريبة مفادها أن الكل مع نزار بركة إلى إشعار آخر. ماذا يعني هذا؟ يجيب أحد القياديين المخضرمين، "أن السياسة في البلاد بمثابة حقل ألغام ولا يمكن الوصول إلى الهدف إلا بمراعاة حسابات الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي في البلاد وأن القرار يمكن في أي لحظة إعادة صياغته كلما طرأ طارئ على المشهد أو ظهر عيب شكل قد يضر بمصالح فاعل سياسي قوي"، وهنا أشار محدثنا صراحة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار. حسابات الفاعلين خارج الحزب.. موقف العدالة والتنمية.. بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، صرح عدد ممن تحدثنا إليهم أن مواقف حملة المصباح، السرية طبعا، ليست على قلب رجل واحد. ابن كيران يعيش مرحلة انتقالية مابين قيادة الحزب ومابين نهاية الولاية، وأيضا مابين رئاسة الحكومة ومابين العزلة الرسمية شبه التامة، رغبته العميقة في "سب السلطة وأعوانها"، يلبيها له شباط بواسطة خرجاته ضد وزارة الداخلية والتحكم وما جاورهما من "اكسسورات لغوية سياسية"، غير نافذة لحقيقة صناعة السياسة في البلاد، وبذلك كلما استمر شباط في "القصف الإعلامي" كلما شفي غليله النفسي والشخصي في أشخاص لم تكن له المقدرة على انتقادهم هو بشكل واضح ودقيق وعلى رأسهم عزيز أخنوش. ومع ذلك يرى كثير من الاستقلاليين أن ابن كيران لايثق في شباط وإنما فقط يوظفه من خلال جبر خاطره من حين لآخر بكلمات مقتضبة في الإعلام، كصوت جماهيري يواصل إذاعة خطبه بنبرة جديدة، في الوقت الذي لا يستطيع أن يقر بشكل نهائي ومطلق بأن نزار بركة هو مرشح المخزن، وإنما يعتبره أحد المتعاملين مع جهات داخل المخزن لم يوضحها، عندما قال بأن كلام رئيس المجلس الاجتماعي والاقتصادي عن حكومته السابقة ليس كلامه و"الله يرحم ضعفنا"، لأنه هو أيضا يقر بضعفه أحيانا كثيرة، أمام قوة خصومه الذين اضطر مرارا للإنصات إليهم لمواصلة وجوده الرسمي في الحكومة. من جهة أخرى عبر عدد من قياديي حزب العدالة والتنمية ووزرائهم عن تحفظهم في إبداء الرأي في صراع الاستقلاليين ببساطة لأنهم لايعلمون من هو الأنسب للدولة في الوقت الراهن، غير أن شبابهم ونشطائهم البارزين في الفيسبوك وفي الإعلام، ساندوا موقف شباط من موقع أنه يدافع عن أطروحة "زعيمهم المغدور به" ابن كيران، حسب تصورهم. موقف الياس العماري.. في هذه النقطة، رأى أحد وزراء حزب الاستقلال في حكومة بنكيران الأولى، أن إلياس عندما لا يعبر عن موقفه بشكل صريح ومباشر فإنه يمتنع عن ذلك مخافة أن يكون تصريحه محل واصطفاف داخلي وخارجي ضده، وأنه يتعمد ذلك غالبا عندما تكون رغبته هي الإبقاء على الوضع الراهن، خصوصا وأنه جريح من جراء الاستقالة أو الإقالة ومن جراء التهجمات الإعلامية عليه وعلى تياره داخل الأصالة والمعاصرة لذلك. وحسب ذات المصدر، فإن إلياس لم يبرز أي إشارة في اتجاه ضرورة تغيير قيادة الحزب رغم كل الانتقادات الخطيرة التي تعرض لها من قبل شباط الشيء الذي اعتبر، رغبة منه في بقاء شباط في المشهد لتعكير صفو السياسة وخلخلة لأي مخطط لإعادة بناء الأحزاب بدونه، مع الأخذ في الحسبان خلافاته العميقة جدا مع حمدي ولد الرشيد اثر قضية اكديم ازيك، حسب إفادة المصدر. حسابات عزيز أخنوش: التمويه.. شباط مجرد عدو وهمي.. هنا مربط الحمامة.. أي ميزان يريد أخنوش؟ ميزان بدفتين؛ ميزان الحنطة والشعير بقاعدة ودفة واحدة؛ ميزان اليد غير المعتدل؛ ميزان الذهب الدقيق؛ ميزان الإلكترونيك والكهرباء أم ميزان أسواق الجملة الذي يزن الأطنان ويتغاضى ويتسامح مع الأرطال الهاربة من هنا وهناك؟ هذا الوافد الجديد على القيادة الحزبية، سبق له، حسب شهادات متعددة، أن حاول اكتساب مشروعية نضالية سياسية، اجتماعية من خلال طلباته بالانضمام إلى كل من حزبي الاستقلال والحركة الشعبية سنة 2007 غير أن طلبه قوبل بالرفض من قبل عباس الفاسي، تحت ضغط اللجنة التنفيذية وحكماء الحزب بزعامة الراحل امحمد بوستة الذين رفضوا استوزاره باسمهم دون سابق نضال في التنظيم. ثم من قبل الزايغ أحرضان أيضا الذي كانت له كلمة قوية في حزب السنبلة وقتها ودفع الحزب ثمن ذلك بحرمانه من دخول حكومة عباس الفاسي، إلى حين زوال وضعف قوة المحجوبي أحرضان وبداية تخليه عن قيادة الحزب لفائدة امحند العنصر بعد عملية الإدماج بين الأضلع الثلاث المنشقة عن الحركة الشعبية. هذا الرفض في القبول للظهور تحت مظلة أحزاب تاريخية كبيرة متجذرة لها مرجعيات فكرية ولغوية وثقافية متنوعة ولها رموز وثوابت منذ نشأتها، لابد أنها أثرت على أخنوش وخلقت له عقدة شخصية مع هذه الأحزاب، جعلته يذهب إلى حزب أقل ماقيل عنه من قبل أحزاب اليسار والكتلة الديمقراطية أنه حزب إداري صرف لاتاريخ له ولا نضال ولا فكر، وكان من بين فصول هذه العقدة الإصرار على عدم مشاركة الاستقلال في الحكومة بحجة أن أمينه العام أصدر تصريحا شخصيا في السياسة الخارجية، لايؤثر لا من قريب ولا من بعيد في المركز السياسي والقانوني لحزب التجمع الوطني للأحرار أو لعزيز أخنوش شخصيا. ثم إنه لم يميز بين التعامل مع حزب تاريخي له قيادة ومناضلون وتاريخ وبين شخص إسمه حميد شباط قد يزول في أي وقت، أو خلال المؤتمر الأخير، فقرر ألا يحضر اللقاء الكبير وألا يرسل أي مندوب كيفما كانت درجته في التنظيم، ليمثل حزبه فيما اعتبر خرقا ملموسا للأعراف السياسية والتقليدية "وعجرفة بورحوازية"، لا تعترف بأخلاق المجاملات الإجتماعية مع جميع الفئات المجتمعية، وبثقافة التسامح والإصرار على قيمة العيش المشترك، حسب ما خلص إليه محدثونا. سألنا عددا مهما من أبرز القياديين المساندين لنزار بركة عن موقف أخنوش مما يجري، فكانت الاجابات صادمة بل وغير متقبلة لتحليل مظاهر الأمور. أحدهم لم يتردد في أن يفيد بإجابة سريعة ومختصرة: "أخنوش لا يحب حزب الاستقلال بتاتا ويعتبره أكبر منافس تاريخي لحزبه بل أكبر خصم على مستوى الرؤية والتصورات الاقتصادية في شقها الإنساني والاجتماعي". لم تكن هذه الاجابة شافية، كافية وواضحة لتبرير الموقف، ليأخذ قيادي آخر زمام المبادرة للتوضيح أكثر، فقال أن أخنوش "لا يساند نزار بركة بتاتا "، وهذا واضح من خلال الإعلام، بحيث انه لو كان فعلا السيد عزيز مع نزار ضد شباط لسخر وكالات تواصله وبعضا من الإعلام الممول من إشهارات شركاته لتلميع صورة نزار واستغلال الفرصة لقصف حميد شباط"، الشيء الذي لم يحدث حسب إفادات المصدر. واسترسل المتحدث أن "حزب الاستقلال بروابطه المهنية المتعددة، بمناضليه، بنقابته، بمرجعيته وفكره وبأطره وبأذرعه الشبابية والنسائية والحقوقية والإعلامية، و كذلك بالعودة المحتملة لكل المعتزلين القدامى والجدد، لا شك أنه سيجعل من أخنوش وحزبه ثانويا في تصور الدولة للمشهد السياسي"، وأن هدير قطار حزب علال سيحجب صوت هديل الحمامة في العاصمة الرباط وفي مركز القرار، وقد تراهن الدولة والمجتمع على فكر علال المحافظ لإعادة الثقة للعمل السياسي والمؤسساتي. لذلك يستخلص المتحدثون أن أخنوش يفضل بقاء شباط رغم كل القذف الذي وجهه له، "ذلك الخصم أو العدو الوهمي له رغم أنه يظهره في لقاءات خاصة (دم أسنانه)، الصورة التي لم تنعكس إعلاميا من قبل باقي قيادة الاحرار"، هذا الخصم (شباط) على المقاس بضعفه السياسي والمؤسساتي وبقربه من خطاب ابن كيران، سيضمن لأخنوش "مكانته السياسية و يحافظ له على تميزه أمام الرأي العام الشيء الذي قد ينتفي بقدوم نزار بركة بخطابه الهادئ والعقلاني، كما أن شباط معروف عنه تغيير المواقف من النقيض إلى النقيض دون خجل، وبسرعة فائقة حسب القرب منه وحماية مصالحه الشيء الذي قد يستعمله أخنوش يوما ما لكسبه لصفه، ضد خصومه مع قرب الانتخابات التشريعية او الترابية بعد أي عملية تفاوض مثمرة لشباط"، حسب المتحدث. ويبقى التخوف الكبير الذي عبر عنه الاستقلاليون والمصادر المتحدثة هو إمكانية استعمال أخنوش لنفوذه الاقتصادي على عدد من أطر وقياديي الحزب "الذي تربطه ببعضهم معاملات وشراكات تجارية مهمة"، وعلى عدد من مناضلي الجهات الكبرى أعضاء المجلس الوطني، لتغيير وجهتمهم في الوقت المناسب لصالح شباط.