انتهت القيامة الانتخابية ليوم 7 أكتوبر، وجوزي كل حزب من جنس عمله، ووضعت معركة الصناديق أوزارها في امتحان ديمقراطي يحدث لأول مرة أن زرع المواطنون المصوتون الأمل في نفوس العديد من السياسيين والنخب بعدما كان الرهان والشعار دائما هو مصالحة جزء من الناس مع السياسة. لقد اشتد الخطب وبلغت القلوب الحناجر في جمعة الحسم، بعدما اتضحت أشراط القيامة ونُفذت سيناريوهات للتلاعب بإرادة من قرر التسجيل والتصويت، وتعميق اليأس لدى "المقاطعين"، غير أن إرادات للإصلاح في الدولة والشعب وما بينهما وعيون دولية، التقت على قاعدة تقديس الصناديق رغم كل عمليات التزوير الناعم التي سبقت الاقتراع ورافقته. إن أول من ينبغي تهنئته في هذه المحطة الفارقة في مسار تحول ديمقراطي مغربي بطيء، هو ذلك البعض الهام من الشعب، الذي قاوم الخوف والضغوط والترهيب واستعمال المال واستغلال النفوذ لبعض ضعيفي التربية الديمقراطية في الإدارة، وتوجه رغم كل ذلك ليقوم بواجبه وفق الاختيار الذي يراه، كما لا ينبغي القفز عن تلك الخطوة الملكية القوية –لأننا في بلد يروم مغادرة مربع التخلف- التي أُعمل فيها الدستور واحترمت المنهجية الديمقراطية بما كرسه عرفا رغم كل عروض التنكب والنكوص التي كانت متوفرة. بعد كل ذلك انطلقت المشاورات لتشكيل الحكومة الثانية برئاسة عبد الإله ابن كيران، ورغم ما يبدو عليها من مرونة وانفتاح إلا أن سؤال الاستقلالية الحزبية في المغرب ما يزال قائما ومقلقا؟ لكن أعتقد أن الأصعب من إخراج الحكومة -مادام استيراد الأحزاب من أوروبا غير ممكن- هو تقديم وزراء أكفاء نزهاء قلبهم على الشعب المغربي خاصة غير المستفيد منه من تلك الثروة التي تساءل عنها رئيس الدولة يوما، وزراء يصنعون الفرق حقيقة وفعليا لا أملا ولا توسم خير ولا حسن تسيير. الأصعب من إخراج الحكومة هو تكوين فريق منسجم متكامل في برنامج إصلاحي بأولويات مخطوطة ووضوح تام للمعالم والآليات والهدف، تفاديا لهدر الزمن السياسي، ولعب دور "مسامر لميدة" والعرقلة من الداخل، وتفويت الفرصة على الإعلام الخادم للاستبداد والذي تحولت آليات عمله من غرف تحرير إلى غرف تشهير واختلاق الأزمات حتى في غيابها فكيف وهي أو بعضها موجود؟ الأصعب من إخراج الحكومة هو فريق وزاري وهيكلة حكومية بعدد حقائب محدود، لا يتعدى عشرين وزيرا (15 كمعدل عالمي) والاشتغال بمنطق الأقطاب بدل منطق الحقائب القائم على الترضية والتفصيل على المقاس وتوزيع كعكة الحكومة. الأصعب من إخراج الحكومة هو تقليص عدد الوزراء التكنوقراط إلى أبعد حد ممكن حتى لا يتحولوا مرة أخرى إلى أكبر حزب في الحكومة، ويصبحوا بذلك هم الأغلبية وهم من يقرر في السلطة التنفيذية بالنظر لعددهم وطبيعة وزاراتهم وللأجندات التي يخدمونها والتي بالتأكيد ليست أجندة رئيس الحكومة، إن التكنوقراط عموما لا ينبغي أن يتخطى مقدار الملح فوق الطعام. وهذا منطق ينبغي أن تستثنى منه حتى وزارة الداخلية رغم الصعوبة والكلفة المفترضة. الأصعب من إخراج الحكومة هي إصلاحات تلامس المعيش اليومي للمواطن، بمعنى أن يشعر بشكل خاص يتخفيض في فاتورة أو رخص دواء أو انخفاض أسعار أو وصول مساعدات للمعوزين وذوي الحاجة، نعم الإصلاحات البعيدة المدى ولاوراش المهيكلة والمشاريع الكبرى كلها أمور جميلة لكن لا بد من إجراءات مواكبة ومشاريع مختلفة تستهدف بشكل مباشر إدخال الفرحة على البسطاء من الناس وهم عموم المغرب. الأصعب من إخراج الحكومة أن تعاقب إرادة شعبية كلها أمل في الإصلاح وأمل في دفع اليأس والتيئيس والميئيسين، إرادة قهرت الخوف وتحدت جزءا من السلطة والمال وأعطت أصواتها لمن تراه من الأحزاب وخاصة حزب العدالة والتنمية الذي تصدر النتائج رغم كل الحروب، وانتزع النصر في حرب قذرة كان سيتخطى بدونها بالتأكيد نتائجه الحالية (125 مقعدا) بقليل أو كثير. السيد رئيس الحكومة لقد قلت يوما وأنت تخطب في المواطنين الذين يحجون لتجمعاتك بكثافة دون غيرك" امنحوني أصواتكم وخليوني مني ليهم" هاهم المواطنون المقتنعون بكم قد فعلوا ذلك، فصن أصواتهم ولا تتركها فريسة سهلة للتماسيح والعفاريت.