تفاجأ عدد من المتتبعين مؤخرا للغة التي استعملتها كل من نقابتي الاتحاد المغربي للشغل التي يرأسها الميلودي مخارق والكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يرأسها نوبير الأموي، حينما داعيا في بلاغين منفصلين إلى التصويت العقابي عن ولاية عبد الإله بنكيران المنتهية ولايتها. وتساءل متتبعون "متى كان دور النقابات التي من المفروض أن تدافع على حقوق العمال، هو توجيه الناخبين للتصويت على حزب دون الآخر؟"، مشيرين أنه كان "على نقابة مخاريق ونقابة الأموي الاهتمام بقضايا الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها النقابية، وليس الاصطفاف إلى جانب التحكم تحت ذريعة كون الحكومة الحالية لم تستجب لمطالب الطبقة العاملة". دعوة غير أخلاقية اعتبر المحلل السياسي محمد الغالي أن الدعوة التي وجهتها النقابات لأعضائها من أجل التصويت العقابي على الأحزاب المشكلة للحكومة، هي دعوة غير أخلاقية ويجب عليها أن تمتنع عن الإدلاء بأي تصريحات من شأنها أن ترجح طرفا على طرف آخر، بالرغم من أنه من الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع النقابات من التعبير عن رأيها السياسي. وأضاف الغالي أن المسألة تتعلق بإلى أي حدد تتوفر النقابات على حجج تستعملها من أجل إقناع الذين تود أن تستهدفهم بأن برنامج المعارضة أفضل من الذي تقدمه أحزاب الأغلبية، معتبرا أن النقابات المغربية تعرف مشكلا أساسيا يتمثل في عدم استقلاليتها عن الفاعل السياسي، مضيفا أن النقابات يجب أن تمارس العمل النقابي الذي من أجل استحدثت. وأوضح أن النقابات عندما زج بها في العمل السياسي والتصريحات السياسية فهي تعيش اليوم في "أرذل عمرها"، لأنها أضحت لا تميز بين النقابي والسياسي، معتبرا أن كل نقابي يدعو إلى التصويت على فلان أو علان فهو خارج السياق، على اعتبار أن دور النقابات ليس سياسيا بمفهومه المتعلق بممارسة السلطة، مشددا على أن النقابات يجب أن تضع مسافة بينها وبين السلطة السياسية. مبررات النقابات اعتبر عبد الحميد فاتحي الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل، أن دعوة النقابات إلى التصويت العقابي ضد أحزاب الأغلبية يأتي في سياق تميز بخرق حكومة بنكيران لتقليد يتعلق بعقد اجتماعات مع النقابات والحصول من خلال تلك الاجتماعات على مكاسب اجتماعية، وهو الشيء الذي انتفى مع هذه الحكومة، حيث ظلت الاجتماعات غير منتظمة، فيما نتائج الاجتماعات التي عُقدت لم تحقق النتائج المرجوة. وأضاف فاتحي في تصريح لجريدة "العمق" أن الحكومة اتخذت في مقابل ذلك خطوات أحادية، مثل إصلاح صندوق التقاعد على حساب جيوب الموظفين، والاقتطاع من أجور المضربين عن العمل وغيرها من الإجراءات التي جعلت النقابات والشغيلة وخاصة الطبقة المتوسطة تتوجس من السياسة الحكومية إذا ظلت في السلطة لخمس سنوات مقبلة. وأوضح المصدر ذاته أن الحديث عن كون النقابات تحولت إلى طرف سياسي في وجه الحكومة لا يمكن الحديث عنه بقطعية مادام أن النقابات ليست موحدة، بالإضافة إلى النقابة الواحدة توجد بها عدة تيارات منها ما هو يساري ومنها ما هو إسلامي ومنها ما هو مقرب من حزب الأصالة والمعاصرة، مضيفا أن النقابات في الدول الديموقراطية تقوم بعقد اتفاقيات مع الأحزاب بشكل قبلي من أجل التصويت عليها بناء وعود محددة يتم التوافق حولها. سؤال الاستجابة اعتبر محمد الغالي الأستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الاستجابة لدعوة النقابات لن يكون لها أثر يذكر على أرض الواقع، لأن النقابات متنوعة ومتعددة، بالإضافة إلى عددا كبيرا من المنخرطين بها هم يبحثون فقط عن مصالحهم وليس لهم توجهات سياسية أو أيدلوجية تجعلهم يختارون هذه النقابة عن تلك، بل المصلحة هي التي تدفع العامل ينخرط في هذه النقابة عن أخرى بغض النظر عن توجهات من يسيرها في الأعلى. وأكد أن المنخرط في أي نقابة ليس ملزما بأي التزام سياسي اتجاه النقابة عندما ينوي الانخراط في هذه أو تلك، بل ذلك يخضع فقط للمنفعة التي يمكن أن يجنيها المنخرط في النقابة التي تتواجد بمكان عمله، وهو الأمر الذي زكاه أيضا عبد الحميد فاتحي في حديثه لجريدة "العمق" عندما أكد أنه في الفيدرالية الديمقراطية للشغل التي يرأسها والتي دعت إلى التصويت على القوى الديمقراطية والتقدمية، يوجد بها أيضا أشخاص ذوي توجهات إسلامية أو يسارية راديكالية ولا يمكن أن يستجيبوا لدعوات من هذا القبيل. وأكد أن تأثير الدعوة إلى التصويت العقابي ضد الأغلبية المشكلة لحكومة عبد الإله بنكيران بنكيران، سيكون له أثر فقط على فئة قليلة من المنخرطين وليس كلهم، مشددا على أن الدعوة إلى التصويت العقابي ضد الحكومة ليس موجها فقط ضد حزب العدالة والتنمية وإن كان هو المسؤول الرئيسي فيها، وإنما ضد الحكومة ككل لأنها متضامنة في المسؤولية، وبالتالي فإن الأغلبية بأحزابها الأربعة هي التي دبرت المرحلة وعليه فإن الدعوة موجهة هذا الرباعي وليس حزبا سياسيا واحد بعينه.