هل لا زال البعض من المغاربة الذين أعماهم كرههم ل"الإسلاميين" يشك في أن ما قاله نبيل بنعبد الله هو الحقيقة ؟ سنحاول في هذا المقال قدر المستطاع أن نمسح البخار الذي يعتم الرؤية من خلال الزجاج. لن أتحدث في هذه الأسطر عن بلاغ الديوان الملكي الذي حذَّر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية من عدم تكرار فعلته وكفه عن جرأته الزائدة في تقريب الصورة للشعب المغربي عن ما يجري وراء الستائر، كما لن أتطرق لتفاصيل المسيرة الفضيحة التي أبانت بجلاء حقيقة إطلاق مصطلح "التحكم" على القوى ما فوق العادية، التي تلفّ بين أصابعها خطوطا سميكة غير مرئية للعيان، تحرك بها الأحداث والوقائع كما تشاء بشكل بات ملفتا للأنظار. قبل يومين، تفاجأنا بإعادة تشريع أبواب دور القرآن التابعة ل"جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة" التي يديرها شيخ السلفية التقليدية بالمغرب، الأستاذ محمد بن عبد الرحمن المغراوي بمراكش، والفروع التابعة لها من مختلف المدن المغربية. لنعيد شريط الماضي قبل ثلاث سنوات مضت؛ قرار إغلاق مقر "دار القرآن" بمراكش والمقرات التابعة له من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. قرار المنع – باختصار- كما تعلمون جاء تحت مُبرّر أن الجمعية لم تلتزم بقوانين وزارة التوفيق، ويتعلق الأمر بتدريس الجمعية للقراءات العشر، عوض الاقتصار على رواية ورش عن نافع، القراءات التي اتفق علماء الدراسات القرآنية منذ عصر الصحابة والتابعين إلى اليوم على حجيتها ومشروعيتها. واليوم؛ في اليوم الأول لانطلاق الحملة الانتخابية تفتح أبواب الجمعية على مصراعيها أمام مريديها وروادها، ليس من طرف الحكومة طبعا، ولكن من لدن من كان سببا في إغلاقها منذ ثلاث سنوات مضت. دعونا نُذكّر المغاربة بموقف حزب الأصالة والمعاصرة من "الإسلاميين" منذ انخراطه في اللعبة السياسية. الأمين العام لحزب الجرار يصرّح بمعاداته لهم غير ما مرة من خلال مقاطع شخصية له يبيّن موقفه وموقف حزبه من "الإسلاميين" فضلا عن رأيه في التيار السلفي، والذي عادة ما يلقبه بالتيار"الوهابي" و "المتطرف" و "التكفيري"... مع جهل عميق بالسلفية وبالفروقات بين الجماعات المنتمية لهذا المنهج. في اليوم الأول للحملة يا سادة يُعطَى الإذن لدور القرآن ليتسلل نور الشمس إلى قاعاتها، وليُنفَض الغبار عن مرافقها، من خلال تصريح العمدة السابقة لمدينة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري عن حزب الأصالة والمعاصرة، هذا الأخير الذي تتعارض إديوليجيته مع إيديولوجية السلفيين، بدليل تصريح أمينه العام بضرورة تطهير مدينة النخيل من الوهابيين. السؤال الذي وجب طرحه : هل كان السماح بإعادة فتح مقر الجمعية حدثا بريئا ؟ الجواب –طبعا- لا وألف لا؛ بين طيات الجواب عن السؤال إشارات متوهجة وضعتها الجهة التي أقدمت على القرار للفت الانتباه وجلب الأنظار. وأقول أن الذي يقوم بأدنى محاولة لفهم تلك الإشارات يستطيع أن يفكّ الرموز المشفّرة ويترجمها إلى عبارات من قبيل: - حكومة الحزب الحاكم منذ أزيد من أربع سنوات لم تستطع بث الروح داخل أسوار دور القرآن، رغم إسلامية توجهه، وهاهو حزب البام الذي لا تربطه علاقة بالإسلاميين ولا السلفيين يُقدِم على هذه المبادرة الحسنة! - ما قدّمه مرشحوا الأصالة والمعاصرة بمراكش منذ أول يوم من الحملة الانتخابية، عجز عن تقديمه القباج قبل ترشحه ولا الإسلاميين منذ تقلدهم مهام التسيير الحكومي، أي؛ ها هو البديل الديمقراطي، والمغني عن إعادة منح الإسلاميين ثقة المراكشيين ولامغاربة عامة ! يجب على الأستاذ المغراوي أن يعي تمام الوعي أن أسبوع المشمش هذا زائل لا محالة، فعليه أن يفكر في مآل الدُّور بعد يوم السابع من أكتوبر، سواء ظفر البام بالفوز أم لم يظفر. لا يخفى على المغاربة أن وزارة الأوقاف لا تربطها علاقة بالحكومة ولا باقي الوزارات، اللهم إلا ما يتعلق باشتراكها والداخلية في مخطط التحكم، الذي يفوق طاقات رجال الحكومة بأكملهم. ومن خلال حظر العمل بدور القرآن من طرف وزارة الأوقاف، وإعادة الترخيص لفتحها قبيل خوض الانتخابات من طرف حزب التحكم، يظهر لنا جليا نوعية العلاقة التي تربط وزارة التوفيق بحزب الجرار، كما ظهرت واتضحت العلاقة التي تجمع بين وزارة الداخلية والحزب نفسه من خلال المسيرة التي فجرت الفضيحة. أخشى أن يكون الشيخ المغراوي مجرد بيدق تحركه الأيادي الخفية فوق خشبتها لكي تصل من خلاله إلى "ضاما"، وما إن ينتهي "الطرح" حتى يجمع اللاعبون خشبتهم ويبعثروا البيادق. على الشيخ المغراوي ألا ينساق وراء قرار إعادة الفتح تغليبا لمصلحة الدور فحسب، بل وجب عليه أن ينظر إلى المآل الذي سيصير إليه الوطن بعد إبرام صفقة بينه وبين البام من أجل التصويت للحزب مقابل قرار الفتح. فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح كما ينص عليه علماء المقاصد. على رئيس جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة" أن يطالب وزارة الأوقاف بترخيص مفتوح لفتح دور جمعيته لكي لا يفاجأ بعد أيام من الإعلان عن النتائج بإعادة توصيد أبوابها. وأختم بشيء يثبت ما عرضناه سلفا؛ منذ قرار المنع الذي طال دور القرآن التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، خرج سلفيو مراكش عن بكرة أبيهم ينددون بالقرار المفاجئ المبني على حجج لا منطقية، ومبررات لا عقلية، بعدها راسل محمد المغراوي كلا من عبد الإله بنكيران ومصطفى الرميد قصد التدخل لإعادة فتح الجمعية لأبوابها، فأجابه أعضاء الحكومة بكلام لا يختلف ولو بقيد أنملة عن ما قاله نبيل بن عبد الله "قرار الإغلاق شيء أكبر من صلاحياتنا، ولسنا المتدخلون في إطلاقه !". بنكيران وأصحابه منذ اختلاطهم بأفراد الدولة العميقة لامسوا ما قاله نبيل منذ السنوات الأولى لدخولهم المعترك السياسي، فأحجموا عن إخراجها، وأسروها في أنفسهم، جلبا للمصلحة (متابعة الإصلاح) ودرءا للمفسدة (إبعادهم بشكل أو بآخر عن الحكومة).