* وجهان بارزان في حزب الإستقلال التاريخي هما عادل بنحمزة الناطق الرسمي باسم الحزب وعبد القادر الكيحل الرجل المحوري في تنظيماته الموازية وجها نداء مشتركا يحتج على التهديد التي يتعرض له "الإختيار الديمقراطي" بالحزب بسبب صراع خلفيته الأساسية هي قيادة الحزب مستقبلا. هل "الإختيار الدمقراطي"، وهي إحالة معبرة على الفصل 1 من الدستور، مهدد فعلا؟ حسب موقعي النداء، فإن سلطات الأمين العام حميد شباط وقوانين الحزب لم تحترم عند تحديد لائحة رؤساء المؤتمرات الإقليمية للحزب الممهدة للمؤتمر المقرر في 29 شتنبر. ولم يتهم الرجلان أي أحد بالإسم في هاته الخروقات لكنهما أشارا ضمنيا بالأصبع إلى نزار بركة رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي الذي يرتب للسيطرة من الآن على الحزب بدعم من حمدي ولد الرشيد وتياره المتعاظم. نشر النداء على صفحات الجريدة مؤشر على حيوية الحزب وقبوله لما يمكن تسميته بنقاش "التيارات". وقد سبق للجريدة أن أفسحت المجال لنزار بركة أيضا ليكتب مقالا بعنوان: "وننطلق معا في معترك التغيير" يدعو فيه إلى التوجه نحو المستقبل وتدشين مصالحة مع حميد شباط وأنصاره. لكن مؤشرات نجاح المصالحة تبدو غير واعدة حتى الآن وإن كانت فرص مقاومة شباط لموجة التغيير صارت شبه منعدمة. وأن يأتي اليوم نداء مقاومة واحتجاج من عنصرين محسوبين على شباط يطرح أكثر من تساؤل؟ هل هي آخر صرخة للمنهزم بعد أن انطلقت المؤتمرات الإقليمية فعلا؟ أم أنه دليل على أن نزار بركة لم يربح بعد المعركة السياسية؟ أم أن النداء يخفي حسابات للتموقع في التركيبة الجديدة للقوى التي ستسير الحزب مستقبلا؟ وسؤال التموقعات هذا يطرح أيضا حول "تيار بلا هوادة" بقيادة عبد الواحد الفاسي الذي لعب دورا مهما في مؤخرا للتقريب بين المواقف وتفادي الإنقسامات لكنه يبدو اليوم قد اقترب أكثر من نزار بركة. نداء بنحمزة والكيحل، الذي تبناه أيضا بعض أعضاء الشبيبة الإستقلالية، يحمل اتهامات خطيرة تتعلق بإقصاء عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية من ترؤس المؤتمرات الإقليمية. بل تحدث عن "قطع أرزاق مناضلين" في الحزب فقط لأنهم عبروا عن آرائهم بحيث صار الوضع في الحزب شبيها "بدار الحرب ودار السلم". من هم الذين تم إقصاؤهم؟ وهل المقصود هنا هو تيار شباط بمن فيه بنحمزة والكيحل؟ هذا هو الظاهر. والملاحظ هو أن الرجلين استعملا لهجة تهديدية حيث قالا إن "الطريق غير معبدة" نحو المؤتمر، وإنهما يحتفظان "بحقنا في اتخاذ مبادرات وقرارات في المستقبل القريب". لكن وفي نفس الوقت حافظ النداء على شعرة معاوية مع نزار بركة عندما أكد ضمنيا على أنه غير موجه ضده وأنه يؤيد حرية الترشح للأمانة العامة للحزب التي كانت ممنوعة على نزار بركة قبل "المصالحة". ولم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي من نزار بركة أو من حمدي ولد الرشيد على هذه الإتهامات. أما محمد السوسي فقيه الحزب وأحد الساهرين على التوافقات داخله فما زال بدوره صامتا. نداء الرجلين لم يتناول مرجعيات الحزب ومواقفه من الوضع السياسي العام وكان هاجسه تنظيميا بالأساس. ويبدو نقاش الأفكار والثوابت شبه غائب حتى الآن باستثناء فكرة وحدة الحزب التي تبقى حاضرة بقوة كما كانت دائما في تاريخ هذا الحزب الذي له حساسية خاصة إزاء قضية الوحدة منذ 1959 تاريخ الإنفصال عن حزب الإتحاد الإشتراكي. لكن على أي أساس اليوم يتم بلورة فكر الوحدة؟ هل بمنطق العائلة والفكر المحافظ المستند إلى التعادلية مع "الدفاع عن القيم العليا للوطن؟ أو بالمنطق العصري للتيارات الذي يضمن الوحدة في ظل التعدد؟ ويبقى من الواضح أن هاجس محاربة ما يسمى بالتحكم واستقلالية القرار الحزبي حاضر أيضا بقوة في خلفية كل ما يجري في حزب الإستقلال منذ صعود حميد شباط إلى قيادته أو على الأقل منذ حكومة إدريس جطو والتخلي عن المنهجية الديمقراطية في إطار دورة جديدة من رغبة الدولة في التحكم في المشهد الحزبي. كما أن ما يميز حزب الإستقلال عن عدد من أحزاب السلطة هو تفاعله مع مرجعيات ثقافة الحراك منذ 2011. وهو التفاعل الذي جعل الحزب ينتج، رغم نبرات من الشعبوية، مصطلح "باب العزيزية" في إحالة على ما يجري بالمنطقة العربية. وهو للتذكير وصف أطلق على المقر العام لحزب الإستقلال وسط الرباط الذي يعيش، هذه الأيام، بأبوابه الحديدية المصبوغة بأسود لامع تحت الشمس، هدوءا وسكينة ربما تسبق العاصفة. * محلل سياسي ومترجم