أفكار أولية في التفسير السوسيوسياسي ظاهرة الخَّماسٌ السياسي المتحزب بمنطقة درعة تافيلالت تحتاج لدراسات من المتخصصين في علم الاجتماع السياسي وعلم النفس الاجتماعي؛ ذلك أن تطور الظاهرة ارتقى بها لدرجة يمكن اعتبار الخَّماس السياسي وحدة للتحليل السياسي. كان الخَّماس تاريخيا، ظاهرة سوسيواقتصادية تهدف لتحقيق التنمية المحلية، مع ترسيخ طبقية مجتمعية طويلة الأمد، تقوم على إعارة مؤقتة من طرف عائلة غنية لأرضها لفلاح (خَّماس) مقابل الخٌمٌس من إنتاجها. غير أن المستخدم في هذه الحالة، لا يتمتع بأية حماية قانونية أو مؤسساتية، فهو مجرد أداة استعمالية، متروكة لمواجهة الظروف المناخية القاسية، مقابل واحد على خمسة من الإنتاج باعتباره أجرا مقابل الخدمة في أرض الغني. ومع التطور السوسيولوجي بدرعة تافيلالت، طورت النخب السياسية المحلية ظاهرة الخَّماس السياسي، فأخذت تستقطب بشكل مؤقت فردا أو أفرادا قلائل يلعبون دور واجهة العمل السياسي الارتزاقي خارج قانون ومؤسسات العمل الحزبي المنظم؛ وينتعشون مؤقتا في مناخ انتخابي موسمي، ويكلفون بقيادة النزاعات العائلية والقبلية والعرقية، بدرعة تافيلالت. حتى الأحزاب التي تزعم أنها "ديمقراطية" ومنظمة تلجأ ومازالت بطرق حديثة ومستحدثة، لخدمات الخّماس لاستعماله بمقابل مالي أو نفسي اجتماعي؛ حتى ولو كان ذلك على حساب تهميش للقانون والقواعد التنظيمية المنظمة لهذه الأحزاب التي تزعم أنها ديمقراطية. من الناحية التاريخية تسجل بعض الكتابات التأريخية الدور الهام للدولة المرابطية في تكريس هذا النوع من تقسيم العمل الطبقي في منطقة التوات، ودرعة تافيلالت. أما من الناحية النفسية الاجتماعية، في الزمن الراهن، فهناك مؤشرات عدة تؤكد وجود قابلية عند بعض المتحزبين للعب دور الخّماس، لجلب الأصوات الانتخابية، مقابل منفعة لحظية مادية أو معنوية. ولهذا لم تعد كل الأحزاب السياسية بالرشيدية تجد صعوبة في إدماج هذا المسلك الاستغلالي البراغماتي في سلوكها الانتخابي. ومما يسهل ذلك وضعية التنظيمات السياسية الهشة، والتي تحولت لمجرد أصل تجاري لصاحب المال، أو الجاه –الأعيان- أو صاحب سيطرة تنظيمية على حزب معين. يعي الذي يسيطر على الحزب أن ظاهرة الخَّماس المتحزب، تجلب منافع شخصية في ساحة المعركة الانتخابية السياسية بدرعة تافيلالت، وأن استعمال الخّماس، يجلب لهذا الأخير ارتياحا نفسيا يتباهى به في وسطه الاجتماعي العائلي، الذي يجعل من "تخْمَّاسْت" نوعا من العائد اللحظي يحقق انتقاءا اجتماعيا في زمن الانتخابات، في جغرافية سياسية يقودها السيد صاحب المال والجاه، والسلطة ولو كانت تنظيمية محدودة. ولهذا فإن هذا العائد الاجتماعي، هو بمثابة رأسمال نوعي يحقق الاصطفاء الذي تنشد إليه ذهنية الخّماس السياسي، ويشرك معه محيطه المجتمعي القريب، في مزايا العائد المؤقت؛ وهذا بدوره يفسر حدة الصراع الشخصي والعائلي في الزمن الانتخابي بدرعة تفيلالت، بشكل ينتج تراجعا شبه دائم لما هو حزبي وإيديولوجي سياسي. فالعائلات الكبيرة مازالت تستحضر بقوة تاريخها في نهج "السخرة" الاقتصادية، كما تستحضر عائلات الخَّماسة تاريخها الممتد والطوعي في الاستجابة "للعبودية" الاقتصادية والسياسية للسيد والعائلة الشريفة صاحبة المال والسلطة عامة والحزبية حاليا. غير أن هذا لا يعني أن المجتمع، التواتي، الدرعي والفيلالي لم يشهد تطورا كبيرا؛ بل على العكس من ذلك، فتطوره السريع، يمكن ملامسته بشكل مدهش في التفكيك الطوعي والإرادي الذي تعرضت له القبيلة، وتعويضها بالجمعيات والعلاقات التنظيمية الموازية رغم هشاشتها. وهذا التطور الذي تقوده الدولة في مجتمع قروي غير مديني بالمعنى الحديث للكلمة، تواجهه وتخترقه الممارسات القديمة، المرتبطة بالاقتصاد السياسي؛ وتصل حيوية الاختراق إلى نواة ومركز التنظيمات الحديثة، ومنها الأحزاب السياسية، خاصة مع شخصنة التنظيمات وتغييب قواعد القانون والعمل السياسي الممأسس. وفي هذا السياق يمكن فهم لماذا تبحث كل الأحزاب الموجودة في الساحة بالرشيدية عن خّماس سياسي في منطقة معينة تربطه بالشخص المركزي المتحكم في التنظيم؛ و تدفع بالخّماس ليلعب دور منعش اللائحة الحزبية، دون أن يتمتع بأية حقوق، غير الحقوق اللحظية لزمن الانتخابات. وهذا ما يفسر كذلك لماذا بقيت كل الأحزاب بالمنطقة مجرد أصل تجاري(مثلها مثل الأراضي الفلاحية) يمتلكه أشخاص معدودون على أصابع اليد الواحدة، يتصرفون وفق ذلك المنهج القديم، الذي رسخته العائلات الغنية بمجتمع درعة تفيلالت، والذي كان يعتمد على الخَّماس لتحقيق التنمية الاقتصادية. مع تطور بنية الدولة الحديثة وتسارع التفاعلات السوسيوسياسية داخلها، لجأ "الحقل السياسي المحلي" بالرشيدية لاستعمال آلية الخّماس الحزبي لتحقيق الانتصار الانتخابي على الخصوم والدخول للبرلمان، مقابل عودة الآلة الاستعمالية لمكانها الطبيعي في انتظار الزمن السياسي التنافسي المقبل. الشيء الذي يحد من قدرة الأحزاب في التحول لتنظيمات مجتمعية قادرة على قيادة الدور التحديثي، وتأطير السكان وتكوينهم سياسيا وأخلاقيا؛ كما يحد من دور الاحزاب في دمقرطة الحياة السياسية المحلية، والقضاء على بقايا النعرة العنصرية القبلية، التي تستقوي بالخّماس لإفساد دور بعض النخب المتعلمة، الطامحة لتحسين الممارسة السياسية المحلية بالرشدية.