يوجد في تاريخ مصر عبرة لمن يعتبر، ودرس لأولي الألباب، خصوصا تاريخ مصر الحديث الذي يعتبر ملحمة لا تقل عن ملاحم العالمية، كإلياذة هوميرس، أو الملاحم العربية كحرافيش محفوظ، لكن هذه الملحمة أي ملحمة مصر الحديثة لا يوجد فيها أبطال كهيكتور و خصمه أخيل، ولا ''فتوات جدعان'' كعاشور الناجي و ابنه شمس الدين، لا يتواجد في تاريخ مصر الحديث والمعاصر والراهن إلا العسكر والعسكر فقط كذئاب مفترسة تأكل الأخضر واليابس ثم تلتهم بعضها بعضا، بدأت الحكاية بثورة قادها عالم جليل يدعى عمر مكرم ضد الديكتاتور والطاغية انذاك الوالي العثماني خورشيد باشا، وعندما بدأت الثورة تحصد ثمارها انضم الجيش إلى الشعب ليكونا ''إيد واحدة'' كان قائد الجيش انذاك شاب ألباني متحمس يدعى محمد علي القوللي، وبعد نجاح الثورة الشعب إنقلب محمد علي باشا على رمز الثورة عمر مكرم وقام بنفيه خارج مصر لتصفو الأجواء لمحمد علي خصوصا بعد تخلصه من المماليك وهنا سيؤسس محمد علي المنظومة الحاكمة لمصر منذ القرن التاسع عشر إلى يوم الناس هذا، منظومة عمودها الفقري أساسا هو الجيش وإن كان مستترا فيما قبل بحكم وراثي في ذرية محمد علي تعددت أسمائه من الإمارة إلى الخذيوية فالسلطانية ثم في الأخير الملكية، سيجر الحكم الشمولي لمنظومة محمد علي مصر إلى الإحتلال أو الحماية الإنجليزية1881وتبدأ مرحلة جديدة، ضاق المصريين ذراع بالإحتلال الإنجليزي واستبداد ''السرايا'' بالحكم، وكانت نهاية الحرب العالمية الأولى فرصة لسعد زغلول ورفاقه لتفجير ثورة ضد الإنجليز في 9مارس 1919كان سعد زغلول تلميذ المدرسة الإصلاحية التي أسسها جمال الدين الأفغاني وتلميذه ورفيقه محمد عبده، اجتحت الثورة كل أنحاء مصر وشارك فيها كل الفئات، نجح الثورة أعلن استقلال مصر نسبيا وعادت الحياة الدستورية وبدأ صراع بارد بين حزب الوفد و القصر بل سيتحول أحيانا إلى صراع تتدخل فيه بريطانيا إلى جانب الوفد تارة وإلى جانب القصر تارة أخرى. في النصف الثاني من الأربعينيات، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هناك ثلاث قوى وطنية متنافسة القوة الأولى هي منظومة محمد علي بزعامة الملك فاروق ملك مصر والسودان والقوة الثانية هي الوفد المستمد لشرعية من الزعامة التاريخية لسعد زغلول والقوة الثالثة هي قوة جديدة وناشئة هي جماعة الاخوان المسلمين بقيادة الشيخ حسن البنا، حولت كل وحدة من هذه القوى التغلغل إلى العمود الفقري لمنظومة محمد على ألا وهو الجيش فأنشأ الملك ذراعه في الجيش تحتى مسمى الحرس الحديدي الذي كان هدفه الأول هو اغتيال المعارضين وكان من أبرز أعضاءه الرئيس المصري فيما بعد محمد أنور السادات الذي اغتال وزير الخارجية أمين عثمان أما الإخوان المسلمين فقد تمكنوا من تأسيس تنظميهم الخاص داخل الجيش الذي كان من أبرز قادته عبد المنعم عبد الرؤوف ومحمود لبيب وجمال عبد الناصر تعظمت قوة الإخوان والوفد فعملت ''السرايا'' على ضربهم ببعض وخشي الملك فاروق أن يطمع حسن البنا في حكم مصر وبخاصة بعد أن ظهرت بسالة وفدائية متطوعي الإخوان في الحرب فقرر التخلص من الشيخ حسن البنا بقتله غيلة. بعد حسن البنا سينهار تنظيم ضباط الإخوان المسلمين وسيعاد تأسيسه من طرف جمال عبد الناصر تحت مسمى ''الضباط الأحرار'' الذين سيتمكنوا من إسقاط النظام الوارثي واستبداد الملك فاروق الذي لم يصبر عليه المصريين وانتشر الغضب الشعبي ضد حكمه وهنا نجب أن نتسائل لماذا يحن البعض إلى زمن الملك فاروق؟ زمن الإستبداد والفساد والتضييق على التجربة الديمقراطية لقد كانت إزالة الملك الفاروق ونظامه والمنظومة الحاكمة ضروريا . وكانت فرصة تاريخية لإسقاط هذه المنظومة الحاكمة وإحلال الديمقراطية خصوصا في عصر محمد نجيب الذي تقبل الحياة الحزبية والنيابية وأبدى استعداده لديمقراطية لكن انقلب عبد الناصر عليه في 1954 سيعيد المنظومة الحاكمة أقوى بل سيكتفي فقط بتغيير الأسماء فالملك أصبح إسمه رئيس الجمهورية، وولي العهد أصبح يدعى نائب رئيس الجمهورية، و''السرايا'' هي القصر الجمهوري، والبيه والباشا والأفندي هم المشير والفريق واللواء فقد مصر في عهد جمال عبد الناصر الكثير فقدت صحراء سيناء في هزيمة 1967 وفقدت السودان وحلم الوحدة العربية ولم تكسب سوى الخطابات الرنانة ولا ننسى السجون الممتلئة بالمعارضين بعد وفاة جمال عبد الناصر إنتقل عرش الجمهورية إلى ولي عهده محمد أنور السادات الذي بدأ عهده بالصراع مع المراكز القوى التي حاولت الإنقلاب عليه بزعامة نائبه علي صبري لكن السادات قام بحركة تصحيحية أزلت كل خصومه وافردت له الساحة وازداد شعبية عندما إنتصر الشعب المصري في حرب 1973 ضد الكيان الصهيوني وكان الجيش هذه المرة يضم أبطال سطروا إسمهم في التاريخ كسعد الدين الشاذلي لكن أنور السادات لم يستغل الإنتصار لتغيير وجه المنظومة بل أنكى من ذلك قام بالتوقيع على معاهدة كامب ديفيد واعتقال المعارضين وانتهى الأنور في ظلام الاغتيال اغتيال يشبه الإنقلاب العسكري منحت بسببه سلطة لولي عهد السادات أو نائبه محمد حسني مبارك . تميز عصر حسني مبارك بعدة تناقضات فبعد أن تخلص مبارك من أقوى منافس له على السلطة المشير أبو غزالة استتب له الأمر ودانت له البلاد وأخضع العباد، لكن ظهر إلى السطح طموح رجل شاب، وجلب معه مجموعة من رجال الأعمال ليحول النظام الى نظام رجال الأعمال بدل نظام العسكر هذا الشاب لم يكن سوى الابن الأصغر لحسني مبارك المدعو جمال مبارك، الذي ساهم في زواج الثروة والسلطة الذي بلغ أشده في العقد الأخير من حكم مبارك مما أدى إلى استشراء الفساد بدرجة لا تتصور، وفي نفس الوقت كانت المنظومة العسكرية غير موافقة على تصدر جمال مبارك للمشهد وإزاحتها منه، وكان نفس رفض لدى القوى السياسة مثل كفاية و6 أبريل والشخصيات البارزة كأيمن نور المرشح السابق ضد مبارك ومحمد البردعي الرئيس السابق للوكالة النووية. هذه ظروف إضافة إلى التقدم الكبير في وسائل الإعلام نتيجة الحرية النسبية في التعبير في أواخر عهد مبارك أدت الى حراك في الشارع المصري انتهى بثورة خامس والعشرين من يناير التي أسقطت نظام حسني مبارك وكاد الغضب الشعبي العارم أن يسقط المنظومة العسكرية كلها التي حاولت طيلة سنة ونصف أن تلتف على الثورة بالقمع تارة وبالحيل السياسية تارة أخرى وكان قليل الثوار من يفهم طبيعة المجلس العسكري الحاكم انذاك ومن هؤلاء الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل الذي حذر من الوثوق في المؤسسة العسكرية هذه الثقة التي منحتها القوى السياسية للمنظومة العسكرية، وكانت هذه المنظومة على وشك السقوط نتيجة الثورة والزخم الشعبي الذي تبعها وتحول شعار من إسقاط النظام إلى إسقاط حكم العسكر وهذا تحول جوهري في مسار الثورة المصرية بل في مسار الوعي المصري كانت انتخابات الرئاسة في سنة 2012 نقطة حاسمة ومفصلية خصوصا في جولتها الثانية التي كانت بين النظام القديم ممثل في أحمد شفيق والثورة ممثلة في محمد مرسي نجحت الثورة وكانت فرصة أخرى للقضاء على المنظومة وإزالتها من الوجود خصوصا بعد فوز المرشح الثوري محمد مرسي الذي بدأ عهده بإزالة بعد رموز العهد القديم كرئيس المجلس العسكري محمد حسين الطنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان لكن مرسي وقع في نفس الخطأ خطأ عمر مكرم مع محمد علي وخطأ الهضيبي مع جمال عبد الناصر إنه الثقة في العسكر غير أن سنة حكم مرسي كانت تتأرجح بين الإنتصارات والإنكسارات رغم أن الدستور الذي أصدر في عام الإخوان، كان ذو طبيعة عسكرية تؤكد بقاء المنضومة حاكمة ومسيطرة وتؤكد تجذر العسكر في أعماق الدولة هذا ما مكنهم من إزاحة مرسي بكل سهولة في 3يوليو 2013 ليبدأ حكم السيسي والخلاصة من كل ما ذكرنه أن العسكر هو أساس المشكل في مصر ولن تنتهي هذه المشكلة إلا بأمرين أولا اسقاط الجيش المصري وهذا ما يتطلب حرب أهلية كسوريا وهذا مستحيل ولا نتمناه ولا نرجوه والأمر الثاني هو التغيير من داخل المنظومة بتغيير عقيدة الجيش من عقيدة الإستبداد إلى عقيدة الديموقراطية وهذا يتم على زمن طويل لا يقل عن جيل ليصعد في مصر ضباط ديموقراطيين هدفهم هو حماية الحدود فقط ليعرفوا دورهم داخل المؤسسات