كان الخطاب الملكي يوم الخميس 6 نونبر 2014 بمناسبة تخليد المغرب و المغاربة الذكرى ال39 للمسيرة الخضراء تاريخيا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.جاء واضح المعاني،دقيق الملاحظات، حازما في تناوله للمواضيع، و لا أود هنا الرجوع إلى مضامين الخطاب الملكي السامي ككل، لكني سأذكر بأقوى ما جاء فيه من أفكار. أولا: تأكيد جلالته على إيمان المغرب بعدالة قضيته، وبانتصار الحق والمشروعية، على نزوعات الانفصال.. ثانيا: نزع جلالته القناع عن وجه الانتهازيين والخونة والمتاجرين بالقضية الوطنية، حين قال" هناك من يريد وضع الوطن في خدمة مصالحه، هؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية، مطية لتحقيق مصالح ذاتية. كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن، إذا استفادوا من خيراته، ورجلا مع أعدائه إذا لم يستفيدوا".". ثالثا: تذكير الجميع بالتضحيات الجسام التي قام بها المغاربة من أجل تنمية الأقاليم الصحراوية و تحملهم لتكاليف تنميتها من رزقهم ورزق أبنائهم، حيث قال جلالته بالحرف "من المعروف أن ما تنتجه الصحراء لا يكفي حتى لسد الحاجيات الأساسية لسكانها. وأقولها بكل صراحة: المغاربة تحملوا تكاليف تنمية الأقاليم الجنوبية. لقد أعطوا من جيوبهم، ومن رزق أولادهم، ومن أرواحهم ليعيش إخوانهم في الجنوب، في ظل الكرامة الإنسانية". و في هذا الأمر وضع الأصبع على الجرح الذي يؤرق بعض المغاربة و لايستطيعون البوح به، لكن جلالته رفع عنهم الحرج و أخبرهم أنه يقدر تضحيتهم و على الآخرين أن لاينسوا هذا الأمر. رابعا: و هذا هو الأمر الأهم في نظري، ألا و هو تأكيد جلالته على أن سنة 2015 ستكون سنة انتخابات بالدرجة الأولى و بداية لتفعيل الجهوية الموسعة التي ستعطي للأقاليم الصحراوية الفرصة لتفعيل مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبره المغرب الحل الوحيد لحل هذا الصراع المفتعل في الصحراء المغربية. إن تشديد جلالة الملك على تفعيل الجهوية الموسعة في نظري هو عتاب من جلالته في حق الأحزاب و النخب السياسية المغربية و كذا عتاب لكل من له علاقة من قريب أو بعيد بقضية الصحراء المغربية. إن هذا الأمر يثبت مرة أخرى بأن نظرة جلالته المتبصرة للأمور تفوق رؤية الأحزاب السياسية الضيقة في كل الميادين, و أن هذه الأخيرة لا تفكر إلا في مصلحتها الحزبية و لا تفكر في الوطن في شموليته. الدليل ما رأيناه و شاهدناه وقرأناه من تطاحنات بعد مقترح تقليص عدد الجهات في المغرب من 16 إلى 12، حيث عاين الجميع تلاسنات صبيانية تتمثل في رفض البعض أن تدمج مدينة مع مدينة أخرى في جهة معينة بسبب دواع غير منطقية ،بل هي فقط من مخلفات العصبية القبلية المرفوضة من طرف كل المغاربة. كما لاحظنا خوف أو تخوف بعض الوجوه السياسية أن تتسع رقعة دائرتها الانتخابية مما قد يفقدها القدرة على الفوز في الانتخابات. و رأينا أيضا اعتراضات عليها من طرف بعض الأحزاب السياسية لا تنبني على أسس واضحة وبدون إعطاء البديل أو حتى مبررات منطقية لتلك الاعتراضات. وهذه كلها أمور تبرز مدى تدني مستوى الممارسة السياسية للنخب السياسية المغربية و عدم قدرتها على استيعاب النقط التي يقررها جلالة الملك, وعلى رأس هذه النخب الحكومة الحالية التي تأخرت كثيرا في تنزيل القوانين التنظيمية للجهوية الموسعة، هاته القوانين التي ستضطر الحكومة الآن إلى الإسراع في مناقشتها وإخراجها إلى حيز الوجود.هذا التسرع الذي نتمنى أن لا يؤثر على نوعية التجربة التي يتوخاها جلالته.
إن الجهوية الموسعة هي الخيار الأمثل للنهوض بالمغرب و جعله يصل إلى المكانة التي يستحق، لكن هذا الأمر رهين بتظافرجهود الجميع لتحقيق هذا الهدف، بعيدا عن الحسابات الحزبية و المصالح الذاتية و تغليب مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى. هل لدينا نخب حقيقية تفكر بهذا المنطق؟ لحد الآن و نظرا لما شاهدناه في الماضي نخاف أن يكون الجواب :لا. لكن أملنا في المستقبل كبير، و نحب أن تتحرك هذه النخب في الاتجاه الصحيح, ونقول لها إننا في سبيل الوطن مستعدون أن نذهب معهم إلى أبعد مدى. غير أنهم يجب فعلا أن يمثلوا القدوة الأولى في التضحية، ماعدا ذلك فإن كل الجهود المبذولة قد تذهب هباء.