من منهجيات الكتابة التي تستهوي هُواتَها بشَدِّها للقارئ، ما يصطلح عليه بالمثلث المقلوب، إذ يتم الانطلاق بدءا من قاعدة المثلث بفتح الموضوع في إطاره العام، لينتهي إلى المستوى الخاص برأس نفس المثلث، فماذا إذا اختلط هذا النسق بالفنون السبعة إن شخصية البهلوان تكاد تكون أعقد الكائنات الأجدر بالدراسة، و من منا لا يتذكر الكرنفالات الصاخبة لسيرك موسكو، و نحن نتتبعها بالطبع على شاشات الأبيض و الأسود، و يشتغل مخيالنا الطفولي لتشكيل طيف الألوان المزركشة التي أبدعتها لمسات الماكياج على وجهه. فبين فقرات الشد النفسي للقفز على الأحبال و زئير الأسود، ينفلت البهلوان / المهرج من عِقاله يَبْعَث العَبَثَ الضاحك في القلوب المقبوضة و يسخر من اليومي البسيط، شقلبات هنا، قهقهات هناك، و ها نحن خارج السياق الواقعي الضاغط . إن تاريخ الكوميديا العالمية حافل بالإنجازات الإنسانية، التي أدخلت الفرح لقلوب الناس و لا يمكن تجريحها بأي شكل من الأشكال، وحتى تراثنا المحلي لم يخلو من طرائف مهرجي الأسواق و الساحات، فلا زالت قفشات "الحلايقي الجاوي" تتوارث بعنعنات الأجيال، و نوادر الجاحظ و طرائف ألف ليلة و ليلة مرجع أساسي لمسرحنا الحديث "إن وُجِدَ". و حتى لذا مهاجرينا في الخارج أصبحت ملاذا خِصْبا لتصريف ضغوطات الواقع المرير للاندماج ضد الميز، نجح في أدائها تلة من المبدعين آخرهم : عمر سي السينغالي و كاد المالح "الكازاوي". جدير بالذكر أن نورد أسماء لمعت عالميا ك : ليونس بيريت ، مابيل نورماند،... حين كانت الصورة أشد بلاغة من النص. لكن النموذج الذي يؤدي مهمته في منهجية المثلث المقلوب، لن يكون إلا البهلوان ذائع الصيت "ديد" "André Deed"، و الذي كانت وراء شهرته شركة السينما العالمية "باتي" "Pathé"، بالإضافة إلى موهبته الخلاقة بالطبع، حيث بلغت شهرته كل الأصقاع، لعب دور البليد، المُتذاكي، المُتغابي، أدوار كما أعطته نكهة البطولة، ساهمت في انهياره في آخر حياته، و تخلت عنه نفس الشركة العالمية التي سَوَّقت صورته، و نسيه جمهوره بعد بروز أسماء لامعة في ساحة الكوميديا من قبيل شارلي شابلين . أسباب نزول هذه المقدمة الطَّلَلِيَّةِ، محاولة فهم أدوار البطولة البهلوانية عند فاعِلٍ، قِيلَ عنه سياسي، و قِيلَ عنه حاكم، يمتطي صهوة التهريج لتسويق وهمه لجمهور يبحث عن دولة ضائعة، فلا يجد إلا مسكنات كوميدية، تعبث بقوتنا اليومي، كرامة نسائنا و ترهب أحلام أطفالنا بتخاريف العفاريت. إنه العته المبرمَجُ، و الذي ترعاه شركة كبرى من قبيل "باتي" السالفة الذكر، تشرف على ملامح اللعبة و ماكياج البهلوان، فإلى متى سيبقى الجمهور يُصَفِّق، حتى حلول الفقرة اللاحقة لزئير الأسود من سِيرْكِنَا السياسي. أكيد أن "ديد" المغربي و توابعه، مع اعتذارنا للشخصية الأصل على هذا التشبيه الاضطراري، سَيُنْسَى مع تراتب الزمني السياسي، في انتظار إعداد مهرج بديل، ما لم نوقف هذا السيرك السياسي الكبير و نُعَرِّيَ مخرجه الفاشل . يقفز إلى المشهد، و بقوة الكاتب المسرحي برتولت بريشت، بنظريته المُثيرة : هدم الجدار الرابع، حيث يعتبر خشبة المسرح مكونة من ثلاثة جدران : الخلفي و الجانبيان، و يدعو الى تحطيم الجدار الرابع الأمامي المُقابل للجُمهور، لكسر الهُوَّة بين الممثل و المُتَلَقي. إنها دعوة للصعود إلى رَكْحِ الواقعية، و دفع التعبيرية إلى أبعد مَدى. فلترفعوا أيديكم عن فن راقٍ، تقحمون أنفسكم عنوة في دواليبه لتضليل المتلقي