شخصيات أنارت للأمة طريق العلم، وفتحت أمام أعينها سبيل التحرر، ورفعت عن صدرها ما كان يجثو عليها من هم وغم، وربت فيها روح الطموح والمجد، وكان لأقوالها كبير الصدى: "نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه... أما أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي." هو الثائر عمر المختار الذي تنبأ بطول عمره من عمر شانقه، فأعادته السينما في فيلم أسد الصحراء لمصطفى العقاد الذي تم إنتاجه في عام 1981، بطولة الفنان العالمي أنتوني كوين في دور عمر المختار، وأليفر ريد بدور غرتسياني. وقام الفنان عبد الله غيث بدبلجة صوت المختار في النسخة العربية. وان انتقد الفيلم في جانبه التمويلي من طرف العقيد معمر القذافي والذي تتجلى بصمته في الفيلم في اللقطة النهاية التي يظهر فيها طفل صغير يحمل نظارة سقطت من عمر المختار عند إعدامه ليرسخ الفيلم في الأذهان أن ذلك الطفل ليس إلا الثائر معمر القذافي إلا أن أيام ناس أبدت لبني الإنسان ما كان جاهلا. وأعاده أحمد شوقي في رثائيته: شرَعَتْ حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهم إِلاَّ أُباةَ الضَّيْمِ والضُّعَفاءَ يا أَيُّهَا الشعبُ القريبُ، أَسامعٌ فأَصوغَ في عُمَرَ الشَّهِيدِ رِثاءَ
فاستفاق الشعب الليبي فأعاده في ثورته كملهم وكأيقونة للنضال ضد الظلم والحكم الاستبدادي الذي جثم على صدور الليبيين ردحا من الزمن. عمر المختار المولود يوم 20 أغسطس عام 1861 م في قرية جنزور الشرقية منطقة بنر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا. تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ عبد القادر بوديه العكرمي، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام محمد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم . عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم، فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في 29 سبتمبر 1911م، وبدأت البوارج الحربية في دك مدن الساحل الليبي، درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس، كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل أحمد الشريف السنوسي، وعندما علم بالغزو الإيطالي فيما عرف بالحرب العثمانية الإيطالية سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة المقاومة إلى أن وصل أحمد الشريف قادماً من الكفرة وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب العثمانيين من ليبيا سنة 1912م وتوقيعهم "معاهدة لوزان" التي بموجبها حصلت إيطاليا ليبيا، أعظم المعارك في تاريخ النضال الليبي، منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للايطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم، ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913، وعشرات المعارك الأخرى. وفي 11سبتمبر من عام 1931م قبض على عمر المختار ووصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14سبتمبر، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم 15سبتمبر 1931م، فعقدت للشيخ المختار محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت. فتم إعدامه صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350 ه. لكن المفارقة التاريخية التي أذهلت المراقبين والتي حدثت في سبتمبر 2008 فهي انحناء رئيس الوزارء الإيطالي برلسكوني، أمام ابن عمر المختار معتذراً عن المرحلة الاستعمارية وما سببته إيطاليا من مآسٍ للشعب الليبي، وهي الصورة التي قورنت بصورة تاريخية أخرى يظهر فيها عمر المختار مكبلاً بالأغلال قبيل إعدامه. شنق المختار لكن أبت الثورة الليبية إلا أن تعيده كملهم لها وكأيقونة مناضلة ضحت من أجل تحرير الوطن ومن أجل الحرية.