المغاربة أنواع، منهم الذين يقضون عطلة الصيف في شواطئ تفوح منها رائحة المزابل، ومنهم الذين يقضون الصيف في شواطئ لا تستطيع ذبابة شاردة أن تقترب منها. هناك شواطئ في المغرب لا توجد فيها براميل قمامة، لذلك يضطر الناس إلى دفن قشور البطيخ والدلاح تحت الرمل، ربما لكي تتحول إلى فوسفاط في المستقبل، وهناك شواطئ تتزاحم فيها براميل قمامة أنيقة إلى درجة «يحشم» معها المرء من وضع زبله فيها. المغاربة، إذن، ليسوا متساوين كأسنان المشط أمام الشواطئ، والشواطئ بدورها ليست متساوية أمام المغاربة، وكل يعوم في بحره. في الغالب، اعتدت ارتياد شواطئ عادة ما تجمع بين البحر الجميل والرمال التي تتحول إلى مزابل. دائما أبحث مثل غيري عن برميل قمامة فلا أجده، وأبحث عن أكياس بلاستيكية فلا أعثر عليها، وفي نهاية اليوم أعود محملا بالأزبال بحثا عن مكان أرميها فيه. هناك مصطافون لهم طريقة مختلفة، وهي أنهم حين يغادرون فإنهم يتركون في مكانهم مزبلة صغيرة، وفي الغد، عندما يعودون إلى نفس المكان، يشتمون الذين تركوا تلك الأزبال ويلعنون الدولة لأنها لم تنظف لهم الشاطئ.. هؤلاء لا يفهمون أنه إذا كانت الدولة حمقاء ولا تضع في الشواطئ براميل قمامة، فعلى المواطنين أن يكونوا متعقلين ويحملوا أزبالهم بعيدا. التجربة علمتنا أن المواطنين يجب أن يكونوا دائما أكثر تعقلا من حكامهم. هناك أمكنة نشتاق إلى قضاء عطلتنا فيها، لكننا لا ندركها. ومنذ سنوات طويلة لم أزر الشواطئ المجاورة لتطوان. وفي آخر مرة فعلت ذلك أحسست بما يشبه الصدمة، واقتنعت أخيرا بأنني لست مواطنا من الدرجة الثانية، بل من الدرجة العاشرة. الطريق المحاذية لهذه الشواطئ تبدو وكأنه تم تزفيتها في نيويورك قبل أن يتم حملها إلى هنا في بواخر عملاقة، والمصابيح في الشوارع مختلفة عن تلك الشموع المنصوبة في باقي الشوارع المغربية.. إنها ساطعة جدا إلى حد يبدو معه أن الذين نصبوها يبحثون عن إبرة، ومحطات وقوف الحافلات لا علاقة لها إطلاقا بتلك المحطات التي نعرفها والتي يتبول فيها البشر والبهائم وتتحول إلى مراحيض، فمحطات الحافلات في هذه المنطقة تغري بالنوم في أحضانها، والغريب أن لا أحد يقف فيها، لا بشر ولا حافلات، لأن لا أحد هنا يحتاج إلى حافلة، فالقوم يركبون تلك السيارات التي على بالكم. النساء هنا، اللواتي يسمّين نساء المجتمع المخملي، يخرجن كل صباح ومساء لممارسة «الفوتينغ» وطرد الزوائد الشحمية التي يوفرنها من كثرة أكل المال المنهوب والرزق الحرام، وحواشي الطرقات فيها أشجار وزهور غريبة إلى حد يعتقد معه المار عبرها أنه أخطأ طريقه ودخل غابات الأمازون، والروائح المحيطة بالمنطقة لا علاقة لها إطلاقا بروائح الأودية الحارة المحيطة بالمدن المغربية، والأدخنة التي تتصاعد من بعض الأمكنة هي فقط ناتجة عن أدخنة حفلات شواء ليلية على الشواطئ ولا علاقة لها بالأدخنة الناتجة عن حرق الأزبال في ضواحي المدن والتي أصابت نصف المغاربة بأمراض مزمنة. في هذا المكان يحس المرء بأن المغرب مزدهر بالفعل، وأن شواطئه تنال حقها من العناية والاهتمام، لكن إذا أراد مغربي عادي أن يدخل هذه الشواطئ المحروسة فلن يسمع سوى عبارة «ممنوع» أو «فين غادي ألشريف؟». أجمل شيء في هذه البلاد هو أن المواطنين حينما يعجبهم شاطئ جميل جدا ويريدون الدخول إليه يسألهم الحراس «إلى أين أنتم ذاهبون؟». وقبل سنوات، نظم سكان تطوان «مسيرة زرقاء» لتحرير شواطئهم من الاحتلال بعد أن استولى عليها أصحاب المال والنفوذ، واستطاعوا تحريرها جزئيا فقط، لأن الذي وقع بعد ذلك هو أن الاحتلال صار ذكيا، يعني يمكنك أن تدخل، لكن ليس من الباب الرئيسي لأنه باب إقامة خاصة، وابحث لك عن منفذ من الغابة أو من أي مكان، أو احفر لنفسك نفقا أو انزل إلى الشاطئ بعد أن تقفز من طائرة ب«باراشوت».. إنه أبارتهايد بحري حقيقي. يقولون لنا إن سبتة ومليلية محتلتان ثم يحتلون كل الشواطئ الجميلة ويطردوننا منها. ويقولون لنا إن الإسبان يحتلون جزيرة «ليلى»، بينما أبناء جلدتنا يحتلون أماكن أجمل بكثير من جزيرة ليلى، ومع ذلك لا نرفع في وجوههم الأعلام الوطنية ولا نصفهم بالمعتدين. إذا لم يكن هذا هو الاحتلال، فما هو الاحتلال الحقيقي؟ وإذا لم يكن هذا هو الأبارتهايد، فما هو الأبارتهايد الحقيقي؟