وافق المجلس التأسيسي في تونس الخميس على جميع نصوص الدستور الجديد للبلاد بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة في خطوة قد لا تنتهي بالضرورة الى الانتقال الديمقراطي في مهد ما يسمى ب"الربيع العربي" لا سيما وأن الاختلافات قد كشفت عن انقسام البلاد الى مجتمعين متناقضين كما يقول مراقبون. ويحتاج مشروع الدستور لموافقة نهائية في اجتماع عام سوف يعقد خلال يوم او يومين. وكان من المقرر ان ينتهي المجلس التأسيسي من وضع مسودة الدستور خلال عام بعد انتخابات 2011، لكنه تأخر بسبب الخلافات السياسية في البلاد وخاصة بسبب الفصل السادس الذي يجرم التكفير. والخميس تمّ التّوافق على تعديل الفصل 6 أحد أكثر الفصول إثارة للجدل وفقا لصيغة "الدّولة راعية للدّين، كافلة لحريّة المعتقد والضّمير وممارسة الشّعائر الدّينيّة، ضامنة لحياد المساجد و دور العبادة عن التّوظيف الحزبي". "تلتزم الدّولة بنشر قيم الاعتدال والتّسامح وبحماية المقدّسات ومنع النّيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التّكفير والتّحريض على الكراهية والعنف وبالتّصدّي لها". ومن شأن الموافقة على جميع فصول الدستور الجديد تسهيل الانتقال الديمقراطي الهش في تونس لكن مسيرة هذا البلد الشمال افريقي نحو الاستقرار ما تزال محفوفة بمخاطر عديدة في وقت اثبت فيه الاسلاميون انهم لم يتنازلوا ويقبلوا بهذا الستور الذي يوصف بالليبرالي إلا لمجرد الانحاءة للعاصفة كما يقولون. ويرى مراقبون ان الانتهاء من الدستور سيحول الصراع إلى ساحة المجتمع في وقت لا يبدو أن العلمانيين سيبسطون ايديهم في مواجهة نشاطات المئات من الجمعيات الدعوية التي تتحرك في الساحة الخلفية للمجتمع التونسي للعمل على التغلغل فيه وكسب المزيد من الساحات في المواجهة مع البعد الحداثي لتونس مستفيدين في ذلك من أموال طائلة قد تخدم مشروعهم في جلب مزيد من الأنصار خاصة بين الفقراء. وبلغ الصراع العلماني الاسلامي في تونس أوجه خاصة عند مناقشة الفصل السادس من الدستور المتعلق بحرية المعتقد والضمير. وفوجئ العلمانيون الذين كانوا منتشين بتحقيق نصر كبير في هذا الفصل عندما اجبروا حركة النهضة صاحبة أكبر عدد من النواب في المجلس التأسيسي على القبول بمبدأ تجريم التكفير دستوريا، بتراجع الحزب الاسلامي عن قبوله بالفصل الذي صوت عليه في مرة أولى بالموافقة، متعللا برفض المؤسسة الدينية الرسمية وعدد من الجمعيات الدعوية والاحزاب الاسلامية الأخرى للفصل في صيغته المتوافق عليها، داعية الى إعادة النظر فيه. ويقول محللون إن هذا درس في التقية على الحساب تقدمه النهضة للتونسيين، ويحذر هؤلاء من أن انشداد الحركة لماضيها السلفي المتشدد لايمكن ان تخفيه الادعاءات المتكررة بالإيمان بالحرية والديمقراطية كما دأب زعيم حركة النهضة سليلة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أن يروج له في المرحلة الأخيرة مع كل مناسبة يلتقي فيها وسائل الإعلام المحلية والدولية، والمثل واضح في التراجع عن صيغة الفصل السادس بعد ان صوت عليه بحماسة شديدة وأطنبوا في مدح أنفسهم على ذلك. وكان المجلس صادق في الخامس من كانون الثاني/يناير 2014، وبضغط من نواب المعارضة العلمانية، على إضافة فقرة الى هذا الفصل تقول "يُحجَّرُ التكفير والتحريض على العنف". وأضيفت هذه الفقرة، إثر إعلان النائب منجي الرحوي القيادي في "الجبهة الشعبية" (ائتلاف لأكثر من 10 أحزاب علمانية) إصدار "تكفيريين" فتوى بقتله على خلفية تصريحات للحبيب اللوز القيادي المحسوب على الجناح المتشدد في حركة النهضة الاسلامية، اتهم فيها الرحوي بمعاداة الاسلام. وفي 2013، اغتال "تكفيريون" (بحسب وزارة الداخلية) المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهما قياديان في الجبهة الشعبية، كما قتلوا في هجمات متفرقة نحو 20 من عناصر الجيش والأمن وذبحوا بعضهم. وفي الرابع من كانون الثاني/يناير، صرح الحبيب اللوز لإذاعة "صراحة اف ام" الخاصة المحسوبة على حركة النهضة ان النائب "(منجي) الرحوي معروف عداؤه للدين، (وهو) كفكر علماني يتوتر من أي كلمة إسلام، ويريد لو أن الدستور ليس فيه أي كلمة إسلام ولا دين" وأن "الشعب التونسي سوف يحدد موقفه من هؤلاء الناس".