أنا الأستاذ المجاهدأمضيت 32 سنة في التعليم الإبتدائي وسنة قبل ذلك كمعلم عرضي قضيت السنوات متنقلا بين القرى والجبال لازلت أحتفظ لها بذكريات رغم ضعف ذاكرتي وعملت في مجموعات مدرسية تزيد عن عشرة ومع مدراء أكثر من ذلك , هرمنا في السلم 7 وما أدراك ما السلم 7 العمل الجاد خوفا وطمعا وفي ظروف مادية صعبة 800درهم في الشهر وفي بيئة أصعب حيث أعود مساء بعد حلول الظلام إلى بيتي وحيدا وسط غابة مليئة بالخنازير البرية أحيانا اجد قطعانا منها تملأ الطريق وجنباته فأضطر إلى الصعود فوق الشجر أنتظر مغادرتها أصيح فيها بأعلى صوتي لكي تنزعج أوتتنحى لكنها لا تلقي لي بالا فأضطر للإنتظار حتى تغادر لإكمل الطريق أصل إلى البيت مرهقا ثم أحمل قارورات لملئها بالماء من الوادي الذي يعج بالخنازير مسندا أمري لله ثم أقوم بتهييء طعام العشاء وأضعه فوق النار التي جمعت حطبها أيضا في ذلك الليل البهيم لأنني لآ أعود إلى البيت إلا في المساء نظرا لبعد المسافة 5 كلم ثم أنغمس في تهيء دروس الغد للأقسام المشتركة ولكل قسم على حدة فتصل التحاضير أحيانا إلى 13 تحضير في اليوم الواحد دون أن ألقي بالا للجوع الذي ينخر أحشائي لاأستفيق إلا بعد أن أشم رائحة الحريق تفوح من طنجرتي التي أعددتها لعشائي ,أستبدل الطنجرة بكأس شاي ربما يزيل تعبي ويذهب ألم الجوع في بطني وسأستعين بالله ثم بالمنبه لكي أنهض باكرا في الغد لأن ورائي يوم طويل وطريق أطول وربما وجدت المفتش في انتظاري ليحاسبني على تأخر دقيقة أو المدير,,,وهذا سيطول فيه الكلام والمجال يضيق حسنا لقد جربت أن أسكن قرب المدرسة في بيت ضيق لمسجد أهل القرية خصص للفقيه لكن الفقيه لم يرض به مسكنا وتركه لأصحابه أتعرفون من هم أصحابه ليس الجن أنا لا أخاف الجن كنت سأصبر لو أنها لا تشاركني الفراش إنها الأفاعي فكيف يهنأ لي نوم مع من ينام في النهار وينشط في الليل؟أما الماء الذي أشربه فإن كان الخنزير رحيما بي يوما فلن يقطع عني الماء بالحفر في جانب الساقية التي تحمل الماء لمسافة 8كلم وسيكتفي بتلويثها بالبول والبراز وما يحمله جلده من أوساخ أثناء الإستحمام طبعا هذا أفضل من أن ألتقط الماء الراكد في الحفر والذي يعج بالديدان الحمراء أنا المعلم الذي تبدأ معاناته من أول يوم في السنة أذكر يوما أرسلني المدير إلى فرعية لأعمل بها وتبعد عن المركزية بحوالي 40 كلم أو يزيد ووصف لي الطريق المؤدية إلى الفرعية قائلا عندما تنزل من الشاحنة التي تقلك إلى النقطة الفلانية جانب الغابةبعد 20 كلم اسلك الطريق على اليمين وسط الغابة ثم انعطف يسارا وتابع سيرك حتى تصل إلى المدرسة لكن المدير نسي أن هناك طريق آخر على اليسار سرت معه طوال النهارأدور حيث دار تارة أجد نفسي فوق الجبل تارة أنزل إلى أسفل إلى أن رجعت إلى نقطة الإنطلاق وأعيد وضع العداد على الصفر ليحسب الكيلومترات العشرين الباقيةمن جديد وهكذا وصلت عند غروب الشمس,هل سمعت يوما عن معلم يستدفئ والفئران, أشعل النار أولا قبل أن يبدأ الدرس لأن البرد قارس وما أن تبدأالحرارة بالإنتشار حتى تطل علي الفئران من الحطب المتراكم قرب المدفأة وهي تمسح وجهها كما تفعل القطط دون أن تهتم بوجودي بل أحيانا تقترب حتى تصعد فوق قدمي فأحركها بلطف خوفا من أن تصعد متسلقة قدمي تحت السروال ثم تتسلل إلى الحطب وتعود بأسرع من ذلك لاتزعجها حركة ولا ضحك التلاميذ,إن حكاياتي عديدة ومضحكة أحيانا ففي يوم من الأيام الباردة كنت نائمافي كوخ صغير على نغمات قطرات الماء المتساقطة من السقف فإذا بي أسمع طرقا عنيفا على الباب نظرت فإذا هي الساعة الثانية بعد منتصف الليل من يا ترى يطرق بابي في هذا الوقت من الليل توالت الطرقات وبشكل أعنف خفت أن يكسر الباب فاندفعت لأفتحه مسلما أمري لله فإذابي أمام رجل طويل القامةيحمل معولا على كتفه إقتحم العتبة دون إذن مسبق ولا حتى السلام قلت ماذا تريد أجاب أريد أن أنام استغربت الأمر وأخدتني الدهشة لاأجد ما أقول فتمدد الرجل على سرير بجانبي وقال أنا من القرية المجاورة كنت أسقي ضيعة هنا بالقرب منك فغلبني البردوجئت لكي أنام ثم غط في نومه حتى الصباح,الحمد لله على كل حال لكن يحز في نفس أي معلم ألا يعترف له المواطن بالجميل بينما الناس في البلدان الأخرى تقدر معلميها وتحترمهم وتعلي من شأنهم وتكرمهم ولا تهينهم ولا تضربهم ألا يعلم مهينونا أن بالعلم ترفع الدرجات لقد كان أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضون جناحهم لأهل العلم فأين هؤلاء من أهل البيت وصحابته,